نظام السيسي حائر بين السلفيين والصوفيين

نظام السيسي حائر بين السلفيين والصوفيين

07 مايو 2018
تنافس الطرفان على إرضاء السيسي خلال الانتخابات(فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
يعيش النظام المصري الحالي برئاسة عبدالفتاح السيسي، حيرة شديدة لناحية الجناح الإسلامي الذي سيكون إلى جواره خلال الفترة المقبلة، لكي يكون جزءاً من المشهد السياسي بشكل عام. حيرة النظام المصري هي بين التيار السلفي، وتحديداً الدعوة السلفية وحزبها "النور"، والأخير قرر تأييد السيسي في الإطاحة بالرئيس المعزول محمد مرسي من سدة الحكم في 3 يوليو/ تموز 2013، وبين الطرق الصوفية، وهي الأخرى أيّدت عزل مرسي.

وتنافس الطرفان، الدعوة السلفية والطرق الصوفية، على إرضاء السيسي والدائرة القريبة منه خلال انتخابات الرئاسة الماضية، التي فاز فيها في ظل عدم وجود منافسة حقيقية. حاولت الدعوة السلفية حشد كل طاقتها خلال الانتخابات الرئاسية، من خلال حشد بعض أبنائها في المحافظات التي لها ثقل فيها، وأبرزها الإسكندرية ومطروح والبحيرة وكفر الشيخ، لإثبات جدارتها بالقيام بهذا الدور، حسب مراقبين.
وفي السياق ذاته، حاولت الطرق الصوفية التسويق لنفسها قبل الانتخابات الرئاسية، من خلال وضع لافتات تأييد السيسي خلال الموالد التي سبقت الانتخابات مباشرة. واعتمد السيسي على حزب "النور" باعتباره حزباً إسلامياً، لتصدير هذا المشهد للمجتمع الدولي، لتفادي أي انتقادات حول إقصاء التيار الإسلامي. ويرغب النظام المصري في استمرار هذا الوضع للسبب ذاته.

وعلى الرغم من الجهود التي بذلها الطرفان، إلا أنها لم تكن مقنعة بالنسبة للسيسي والدائرة القريبة منه، بحسب مصادر قريبة من دوائر اتخاذ القرار. وقالت المصادر في تصريحات خاصة، إن هناك حيرة في إسناد دور الظهير الإسلامي لأي من "السلفية"، ممثلة في حزب "النور"، أو الطرق الصوفية، لأسباب عدة، على رأسها عدم الرغبة في تكرار تجارب سابقة في إتاحة المجال أمام جماعة "الإخوان المسلمين"، حتى تعاظم نفوذها في الشارع المصري.
وأضافت المصادر أن الانتخابات الرئاسية أظهرت عدم قدرة الدعوة السلفية وحزبها على الحشد الكبير للسيسي، وهو أمر كان له مردود عكسي، خصوصاً في ظل إتاحة المجال لهم للحشد. وتابعت أن الحشد من قبل الدعوة و"النور" لم يكن على المستوى المأمول، باعتبار أن التيار الإسلامي له تأثير كبير على المواطنين، ولكن على الأقل كان أفضل مما قدّمته الصوفية في الانتخابات.

وبحسب المصادر، فإن الدعوة السلفية لديها قواعد وقدرة على توجيه أعضائها إلى حد كبير، بغض النظر عن وجود خلافات داخلية حول الموقف من النظام الحالي، على عكس الطرق الصوفية التي لا تمتلك أي آلية لحشد أعضائها. وأشارت إلى أن جهات أمنية وسيادية ترفض إتاحة المجال أمام حزب "النور" في الحياة السياسية حتى لا يتعاظم دوره، وبالتالي يصبح رقماً صعباً في المعادلة السياسية، والأفضل لدى السيسي الاعتماد على الطرق الصوفية، التي لا تتطلع لممارسة دور سياسي كبير.


وأكدت المصادر أن الطرق الصوفية غير قادرة على الحشد أو ممارسة أي دور سياسي حقيقي، كما أنها توجّه خطابها دائماً لأعضاء الطرق من دون غيرهم، وبالتالي فلا يوجد تأثير لها على عموم المواطنين، عكس الخطاب الإخواني والسلفي. وشددت على أن ثمة تعليمات لكل وسائل الإعلام قبل انتخابات الرئاسة، بعدم توجيه أي انتقادات أو هجوم على الدعوة السلفية وحزبها، باعتبارهما داعمين بقوة للسيسي، خلافاً لتوجيهات خاصة سابقة من مدير مكتب السيسي، عباس كامل شخصياً، بالهجوم على حزب "النور"، وعدم تناول أخباره إلا في إطار إظهار السلبيات والهجوم على أفكاره.
وتوقّعت المصادر ذاتها عدم حسم ملف الظهير الإسلامي للسيسي خلال الفترة المقبلة، مع إبقاء الوضع كما هو عليه، من إتاحة الفرصة والمجال بشكل أوسع للطرق الصوفية، واستمرار تحجيم دور الدعوة السلفية وحزب "النور"، والإبقاء على وجود تفاهمات معهما خلال الفترة المقبلة.

من جهته، قال باحث في الحركات الإسلامية إن الطرق الصوفية بشكل عام لا يوجد لها باع في مسألة العمل العام أو السياسي، والمقصود هنا أداء أي دور للتحوّل إلى الظهير الإسلامي. وأضاف الباحث لـ"العربي الجديد"، أن الأحزاب التي خرجت من رحم الصوفية فشلت فشلاً ذريعاً، وعددها قليل للغاية لا يتعدى الحزبين بحد أقصى، ولم يتمكنا من حشد أبناء الطرق الصوفية. وتابع أن الصوفية في جوهرها تعتمد على عدم الانخراط في الشأن السياسي، وهنا يجب التفرقة بين الأشخاص الذي يتنقلون لمسافات بعيدة بأعداد كبيرة لحضور الموالد، وهؤلاء لا تشغلهم مسألة تعاظم نفوذ الصوفية أو تحقيق مكاسب، بخلاف مشايخ الطرق والمشيخة العامة للطرق الصوفية التي يترأسها عبد الهادي القصبي، عضو مجلس النواب، والقريب من النظام الحالي، فهؤلاء يهمهم تحقيق مكاسب شخصية باعتبارهم يمثلون أعداداً كبيرة من الصوفية في مصر، من دون وجود كتلة حقيقية يمكن تحريكها.

وأكد الباحث أن الطرق الصوفية لن تتمكن من القيام بدور الظهير الإسلامي على الأقل في المدى القريب المنظور، وإذا أراد النظام الحالي الاعتماد عليها، فهذا لن يكون إلا عقب سنوات ليست قليلة، لإخراج هؤلاء الصوفية من موالدهم إلى الحياة العامة. وحول الاعتماد على التيار السلفي، أشار إلى أن السلفيين بشكل عام لهم باع في العمل العام وليس السياسي، من خلال الندوات والمؤتمرات والاحتكاك، والعمل الخيري، وبالتالي لهم تأثير امتد عبر سنوات طويلة، وسط إتاحة مجال لهم لمواجهة جماعة "الإخوان" في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك. وشدد على أن السلفيين مؤهلون نسبياً أكثر من الصوفية للعب دور الظهير الإسلامي، ولكن ربما يتخوّف السيسي والمحيطون به من استفحال وضعهم داخل المجتمع، بالشكل الذي يصعب السيطرة عليه وإخضاعهم لرغبات النظام الحالي.