إدلب: تعزيزات ورسائل تركية لمنع انهيار الهدنة

إدلب: تعزيزات ورسائل تركية لمنع انهيار الهدنة

12 يونيو 2020
أرسل الجيش التركي تعزيزات كبيرة إلى إدلب(عارف وتد/فرانس برس)
+ الخط -

منذ تزايد حركة الأرتال العسكرية والحشود التي يدفع بها النظام السوري وحلفاؤه نحو خطوط التماس في إدلب، تحاول تركيا إظهار أهمية إدلب بالنسبة لها كعمق حيوي على حدودها الجنوبية، ساعية للحفاظ على الهدنة الهشة القائمة منذ الاتفاق الروسي-التركي في موسكو في 5 مارس/آذار الماضي. وفيما تواصل أنقرة إرسال تعزيزات عسكرية إلى المنطقة، فإنها وجّهت أكثر من رسالة تحذيرية وبأشكال مختلفة للنظام من مغبة القيام بأي عملية عسكرية، أكان عبر وسائل إعلامها، ولا سيما المقروءة منها والمقربة من الحكومة، لإظهار القدرات العسكرية التي دفعت بها أنقرة إلى إدلب، وبالتركيز على منظومات الدفاع الجوي التركية أو أميركية الصنع، أم عبر التصريحات المباشرة وآخرها بث الرئاسة التركية مقطعاً مصوراً تشرح فيه أهمية إدلب بالنسبة لأنقرة.

وواصلت تركيا أمس الخميس استقدام تعزيزات جديدة إلى شمالي غرب سورية. وقالت مصادر محلية لـ"العربي الجديد" إن رتلا عسكرياً تركياً من عدة آليات دخل أمس الخميس من معبر  كفرلوسين الحدودي وتوجه الى النقاط التركية في المنطقة، فيما عمدت القوات التركية إلى إنشاء نقطة جديدة لها داخل قرية منطف في جبل الزاوية في جبل الأربعين التابعة إدارياً لمدينة أريحا، لتكون ثاني نقطة تركية هناك، حيث يتمركز الأتراك بالأطراف الشمالية للقرية. وأضافت المصادر أن القوات التركية رفعت سواتر في محيط النقطة الجديدة، مع وصول عناصر وآليات إليها، مشيرة إلى أن النقطة الجديدة تبعد نحو 4 كيلومترات عن خط التماس مع قوات النظام. وتعد بلدة منطف، نقطة التقاء بين جبل الزاوية بريف إدلب الجنوبي، وجبل الأربعين قرب أريحا غربي المحافظة. وسيرت القوات الروسية والتركية الدورية المشتركة رقم 16 على الطريق الدولي "إم 4" الأربعاء الماضي، في إطار تنفيذ الاتفاق الروسي - التركي الأخير.

وبالتوازي مع ذلك، وتحت عنوان "لماذا إدلب مهمة بالنسبة لتركيا؟" نشرت دائرة الاتصال في الرئاسة التركية، ليل الثلاثاء الماضي، منشوراً مرفقاً بمقطع مصور على حسابها في موقع "تويتر"، تم إعداده خصيصاً لتوضيح أهمية إدلب. وأشارت فيه إلى أن "أنقرة تواصل مبادراتها كدولة محورية في موضوع عودة إدلب منطقة آمنة دائمة"، وأنها "حققت مكاسب كبيرة في حماية المدنيين، ووقف تدفق اللاجئين، ومكافحة الإرهاب". وتضمّن الفيديو مقاطع تجسد المأساة التي تشهدها المنطقة، ومشاهد من العمليات التي نفذها الجيش التركي في إدلب، وأن "تركيا أهم جهة لحل الحرب الداخلية في سورية التي شارفت على عامها العاشر"، مبرزاً أن "نظام بشار الأسد، وداعميه ممن يسعون للهيمنة على المنطقة من خلال السيطرة على كامل إدلب، تحدوهم رغبة في الإبقاء على النظام السوري بالحكم، والقضاء على قوى المعارضة، متجاهلين مدى تأثر تركيا من الحرب الداخلية".

وأشارت الرئاسة، في إصدارها، إلى أنه "لا يوجد ثمة خيار آخر بالنسبة لتركيا سوى زيادة قوتها العسكرية بالمنطقة، والرد على هجمات النظام السوري". وأضافت "في هذه النقطة، تأتي الأهمية الكبيرة لطريقي إم 4 (حلب - اللاذقية)، وإم 5 (حلب - دمشق) البريين الدوليين، اللذين يربطان شرق سورية بغربها". وأوضحت أنه "بفضل العمليات العسكرية الناجحة التي نفذتها تركيا، استتب الأمن بشكل كامل في المناطق الواقعة شمالي وغربي هذين الطريقين، اللذين يمران من جنوبي إدلب وشرقها".

وجددت الرئاسة، في الإصدار، التأكيد أن "تركيا مستمرة في مبادراتها بخصوص تحوّل إدلب إلى منطقة آمنة دائمة من أجل تحقيق وقف إطلاق النار بالحرب الداخلية السورية، وتصدر مساعي الحل السياسي للأزمة، وتبديد مخاوف تركيا بشأن أمنها القومي". وأشارت إلى أن "توازن القوى بمنطقة إدلب مرتبط بخيط هش من القطن. فهناك النظام السوري، المدعوم من روسيا، وكذلك التنظيمات الإرهابية المدعومة من قوى دولية، والجيش السوري الحر المدعوم من تركيا، إلى جانب بعض الجماعات الأخرى".

ونوهت الرئاسة كذلك إلى أن "انتهاء وقف إطلاق النار، الذي دخل حيز التنفيذ بموجب الاتفاق الذي تم التوصل إليه بموسكو في 5 مارس/آذار الماضي، قد يتحول لحقيقة في أي وقت، ولذلك فإن تركيا ستواصل وجودها بإدلب كدولة محورية في المساعي الرامية للتصدي لأي حرب قد تنتقل لحدودها، ولمنع انتقال الأنشطة الإرهابية لداخل إدلب، وعدم فقدان المكاسب التي تم تحقيقها، والتصدي لأي محاولات من شأنها فتح الطريق أمام أزمة إنسانية جديدة، ولإيجاد حلول سياسية، ولتحقيق السلام الدائم بالمنطقة".


إصدار دائرة الاتصال في الرئاسة التركية حول إدلب، سبقته تصريحات مماثلة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خلال ترؤسه اجتماع الحكومة الثلاثاء الماضي، إذ أكد أن بلاده "لن تسمح بتحويل إدلب السورية إلى بيئة صراع مجدداً، رغم زيادة النظام من استفزازاته في الآونة الأخيرة". تصريحات أردوغان جاءت بعد مجموعة استفزازات قامت بها قوات النظام على خطوط التماس في إدلب، عبر عدد من الخروقات المتقطعة، والتي زادت حدتها أخيراً، لتصل إلى استئناف الطيران الحربي لطلعاته فوق القرى الجنوبية والقريبة من خطوط التماس، منفذاً عدداً من الغارات، ما أوقع ضحايا بين صفوف المدنيين. وشدد أردوغان على أن "تركيا لم تسمح بزعزعة الهدوء الحاصل في إدلب عقب مذكرة التفاهم المبرمة بين أنقرة وموسكو في الخامس من مارس الماضي، لإرساء الاستقرار في المنطقة".

كلام الرئيس التركي، وإصدار الرئاسة حول إدلب، يأتيان في إطار التهديد أو التلويح باستخدام القوة في حال عمد النظام لاستئناف العمليات العسكرية مجدداً في إدلب، وهذا خيار لمحت دوائر رسمية وغير رسمية مقربة من النظام مراراً بالإقدام عليه قريباً، بهدف استعادة إدلب كاملة، أو التوغل ضمن مرحلة أولى في منطقة جبل الزاوية الاستراتيجي، بهدف الوصول إلى طريق حلب-اللاذقية الدولي (إم 4) خلال عملية التقدم إلى مدينة أريحا الهامة بالقرب من الطريق.

وتستمر قوات النظام بخرق وقف إطلاق النار المبرم بين روسيا وتركيا، ولا سيما بقصف القرى الجنوبية من إدلب القريبة من خطوط التماس في جبل الزاوية، وهو الخط الذي وقف عنده طرفا القتال عند إبرام الاتفاق. وشهد ريف إدلب الجنوبي، بداية الأسبوع الحالي، تصعيداً من قبل قوات النظام والطيران الروسي، حيث شن الأخير أكثر من ثلاثين غارة، أدت إلى وقوع ضحايا من المدنيين، قبل أن يتوقف قصف الطيران، مع مواصلة المدفعية التابعة للنظام استهداف القرى والبلدات القريبة من خطوط الاشتباك، ولا سيما في كل من الفطيرة وكنصفرة وسفوهن وفليفل وكفرعويد والرويحة وبينين والحلوبة في ريف إدلب الجنوبي، التي استهدفتها المدفعية أمس الخميس.


ورأى المحلل التركي حمزة تكين، المقرب من حزب "العدالة والتنمية" الحاكم، أن "لإدلب أهمية بالنسبة إلى تركيا انطلاقاً من نقطتين، الأولى متعلقة بالموقف العام لتركيا تجاه سورية والشعب السوري، بالوقوف إلى جانب حقوقه المشروعة بنيل حريته، ولذلك هي تناصر سكان إدلب والنازحين فيها، وستقف إلى جانبهم في أي تطورات مقبلة، كما فعلت ذلك سابقاً سياسياً وأمنياً وعسكرياً وإغاثياً وتنموياً. والكل يعلم أن قوات ومعدات الجيش التركي أصبحت كبيرة جداً، والمنظمات الرسمية وغير الرسمية التركية تنشط بكثافة لمساعدة الأهالي في عدة جوانب صحياً وإغاثياً. أما النقطة الثانية، فتتلخص بأن إدلب الآن هي بالنسبة لتركيا أمن قومي، وأي زعزعة للأمن والاستقرار فيها تهدد الأمن القومي التركي، وأي تصعيد سيؤدي لمخاطر على أنقرة، ونزوح آلاف، وربما ملايين، المدنيين، إلى الداخل التركي، وهي لم تعد تتحمل مزيداً من اللاجئين. ومن هاتين النقطتين تكمن أهمية إدلب بالنسبة لتركيا، وهي ملف غير قابل للتراجع عنه بالنسبة للحكومة". وأوضح تكين، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الرسائل التركية حول إدلب في الآونة الأخيرة أصبحت كثيفة، إعلامياً وعسكرياً وسياسياً، ولا سيما من خلال تصريحات المسؤولين الأتراك، وعلى رأسهم أردوغان. والخلاصة واضحة: تركيا لن تتخلى عن إدلب. ورأينا أخيراً حجم التعزيزات التي زج بها الجيش التركي في إدلب، ولا سيما منذ مطلع هذا الشهر، والتي وصلت إلى تسعة أرتال ضخمة جداً، وهذا يفسر تمسك تركيا بالاستعداد لكل الخيارات".

وحول مطالب أنقرة السابقة بانسحاب قوات النظام إلى ما وراء نقاط المراقبة التركية المحيطة بـ"منطقة خفض التصعيد" (إدلب وما حولها)، أشار تكين إلى أن "هذه المطالب هي مطالب المدنيين في إدلب أساساً، وتركيا ملتزمة بتطبيقها، وعلى النظام أن يعود لحدود اتفاق سوتشي المبرم بين روسيا وتركيا نهاية 2018، وهذا المطلب ما زال قائماً بالنسبة لتركيا ولم تتراجع عنه، وتتعامل اليوم مع روسيا على تنفيذه وتحقيقه، بناء على الاتفاق الأخير بين أردوغان وبوتين. ويمكن القول إن تركيا ماضية حتى النهاية بالحفاظ على إدلب، وإن لزم الأمر فإنها ستقدم على الخيار العسكري للتصدي لمن يريد زعزعة الأمن والاستقرار هناك من النظام وحلفائه". وأضاف "يبقى السؤال، هل تنجح تركيا في ذلك؟ والإجابة ستكون نعم، فقد رأينا كيف نجحت سابقاً، وكبدت النظام السوري خسائر في العتاد والأرواح، وهي قادرة على سحق النظام في إدلب، وقادرة كذلك على استمالة الطرف الروسي إلى جانبها، على الأقل لدفع موسكو إلى الصمت عما ستقدم عليه من خيارات عسكرية اتجاه النظام".

ومنذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار حول إدلب في موسكو في 5 مارس الماضي، والذي أوقف العمليات العسكرية بعد التقدم الكبير لقوات النظام، بإسناد روسي وإيراني، في "منطقة خفض التصعيد" التي تضم كامل محافظة إدلب وأجزاءً من أرياف حماة الشمالي والغربي، وحلب الجنوبي والغربي، واللاذقية الشرقي، لا تزال التعزيزات متواصلة إلى مناطق التماس من الطرفين، تركيا والمعارضة من جهة، والروس والإيرانيين والنظام من جهة أخرى، ما يشير إلى هشاشة الاتفاق وإمكانية انهياره في أي لحظة.

المساهمون