العراق: ساحات التظاهرات تفرز قيادات شبابية

العراق: ساحات التظاهرات تفرز قيادات شبابية

15 يناير 2020
التأييد الشعبي لهذه الثورة كبير جداً (صباح عرار/فرانس برس)
+ الخط -
على خلاف السنوات الـ16 الماضية التي ظل المشهد السياسي العراقي فيها حكراً على القوى والأحزاب التي أسست نواة العملية السياسية عقب الغزو الأميركي للبلاد، بدا أن الشارع العراقي أنتج هذه المرة وجوهاً شابة من رحم ساحات وميادين التظاهرات، وبات التفاف الشبان حولها واضحاً خلال الأسابيع الماضية. ويؤكد مراقبون أنهم قد يمثلون وجوهاً مهمة في المشهد السياسي العراقي إذا تمكنوا من تنظيم أنفسهم وتبني مطالب الشارع، خصوصاً ما يتعلق بمدنية الدولة ورفض هيمنة الأحزاب الطائفية. وبرزت في بغداد وكربلاء والنجف وواسط والناصرية والبصرة وبابل والمثنى وجوه كمنظمي تظاهرات وكتاب لبيانات وشعارات المحتجين. ويشترك هؤلاء الأشخاص، الذين تتراوح أعمارهم بين العقدين الثاني والرابع، في كونهم يدعون إلى عراق مدني بهوية وطنية وخالٍ من الوصاية والنفوذ الأجنبيين، وبعيد عن المحاصصة وسياسة الطوائف التي دفع العراقيون بسببها ثمناً باهظاً طوال السنوات الماضية على مستوى الأمن والاقتصاد وحتى المجتمع.

وفي خيمة أطلق عليها اسم "خيمة الوطن" في ساحة التربية وسط كربلاء، يقول الناشط محمد عبد الرضا، لـ"العربي الجديد"، إن التظاهرات عرّفتهم على طاقات وأشخاص، مثقفين ومتعلمين، لم يكن أحد يتوقع أنها موجودة، ولديها أطروحات وأحلام قابلة للتحقيق، وقبل كل ذلك تحظى بقبول الناس. ويضيف "الناس تعبوا وملّوا من كل الوجوه الحالية، والأمل الآن بأي جديد عسى أن يخرجهم مما هم فيه. ونرى أن الخطاب الحالي في التظاهرات يناسب كل العراقيين، إذ إن المعيار أصبح المواطنة، والمطالبة بقانون مدني يحترم كل الأديان والطوائف".

نوفل صباح (31 سنة)، أو أبو كوسج، وهو اللقب الذي اكتسبه أخيراً من قبل زملائه الناشطين في البصرة بسبب قدرته على الإفلات من قنابل الغاز وتوجيه المتظاهرين وتنظيم صفوفهم، يقول، لـ"العربي الجديد"، إنه يشعر بالفخر لوجوده في التظاهرات، والشبان يلتفون حوله ويمنحونه الثقة. ويضيف: "شاركت المتظاهرين في اجتماعات مع المحافظ، وكذلك خلال أزمة فتح طريق ميناء أم قصر في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، واكتشفت أنه يوجد بيننا أشخاص أكثر وعياً ممن هم في البرلمان أو الحكومة، لذا يجب منحهم فرصة. ويمكن القول إن الأمل بهم كبير". ويتحدّث صباح، الذي كان يعمل أستاذاً في إحدى المدارس منذ عامين من دون أجر، وهو نظام شاع في العراق أخيراً، إذ يعملون كمتطوعين على أن يتم منحهم الأفضلية في التعيين فيما بعد، عن أهمية ألا يصاب الشارع بخيبة أمل بعد هذه الثورة، وإلا فإن رد الفعل سيكون أكثر عنفاً. ويقول إن "كل القوى والأحزاب الحالية جاءت بدعم الأميركيين والإيرانيين وليس بدعم الشارع".

تظاهرات العراق، التي تقترب من شهرها الرابع منذ انطلاقتها في مطلع أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أوجدت كثيراً من القيادات الشبابية التي يؤمل أن تكسر قاعدة الأحزاب السنية وأخرى شيعية وفقاً للخبير بالشأن السياسي العراقي أحمد الحمداني، الذي يعتبر أن "وجودهم في الساحات غير كافٍ وبقاء تأثيرهم هناك غير صحيح، بل يجب أن يرتّبوا أنفسهم ويزيدوا التنسيق، كأن تكون هناك لجنة موحّدة بين المحافظات، اسمها لجنة تنسيق التظاهرات العراقية، وإن كانت موجودة في الواقع الافتراضي حالياً من خلال مجموعات واتساب لتنسيق الشعارات والردود ودحض الافتراءات الموجّهة للمتظاهرين من قبل أحزاب السلطة والمليشيات". ويوضح أن "الصبغة المدنية تغلب على الوجوه الجديدة، وهذا مهم جداً، والأهم أنهم مؤثرون في الوسط الشبابي، وطروحاتهم لا تتعارض إلا مع القوى السياسية الحالية التي أوجدت نظاماً طائفياً وحالة احتقان مذهبي طوال السنوات الماضية أسهم في بقائها بالمشهد السياسي".

المتظاهر أحمد عبد الحسين، وهو من أبرز وجوه متظاهري ساحة التحرير في بغداد بعد عام 2011، يقول، لـ"العربي الجديد"، إن "أكثر ما فاجأتنا به ثورة تشرين الأول (أكتوبر) هو وجود هذا العدد من الشبان الواعين، الذين يتجاوزون بفهمهم وإدراكهم من سبقهم من الأجيال الماضية. ولن أستغرب إذا ظهر بينهم تنظيم سياسيّ أو عدة تنظيمات، وأنا واثق أنهم سيكتسحون الساحة". ويضيف "الشباب لديهم فرصة عظيمة لقيادة العراق، فهم يمتلكون فهماً جديداً لممارسة السياسة، ويمتلكون الصدق والإخلاص وحب العراق الذي لم يعبروا عنه بالكلام وإنما بالدم وتقديم أرواحهم قرباناً له. إذا كان أبو التكتك أصبح أيقونة شعبية الآن، فإن ثائر أكتوبر سيصبح أيقونة سياسية في المقبل من الأيام. بكل تأكيد ستكون هناك قوائم للشباب المحتج وستنجح في قيادة الوطن".

من جانبه، يؤكّد المتظاهر والناشط المدني علاء ستار، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أنه "قبل فترة، انطلقت أول نواة لتنظيم الفعل الاحتجاجي وفعاليات الانتفاضة، بين بغداد والمحافظات المنتفضة، وهناك اجتماع موحد وكبير مرتقب لكل المحافظات". ويقول إن "أغلب المشاركين في هذه الانتفاضة، وأنا منهم، لا يثقون بأي حراك سياسي حالي لتشكيل تكتل سياسي يُمثل المتظاهرين إلا بعد الاعلان عن موعد الانتخابات المبكرة". ويشدد على أنه "يجب أن يكون هناك بديل سياسي ينافس هذه الأحزاب الفاسدة، وهذا ما سيحدث بالتأكيد أثناء الفترة الانتقالية، إذ سنعمل بجد لظهور هذا البديل".

في المقابل، يقول المراقب للشأن السياسي العراقي محمد التميمي، لـ"العربي الجديد"، إن "ثورة أكتوبر انطلقت دون أي قيادة أو تنسيقية، لكن بعد اعتصام الشباب في ساحات الاحتجاج، تم ترتيب تنسيقيات في ما بينهم، وأصبح لكل مجموعة خيم تحمل اسماً، وهناك تنسيق بين جميع تلك الخيم، التي تمثل قوة التظاهرات والشباب المنتفض". ويضيف أن "ساحة التحرير فيها تنظيم عالٍ جداً، يختلف تماماً عن الأيام الأولى لانطلاق ثورة أكتوبر. فهناك شباب ينظم كل الأمور في الساحة، وهناك اجتماعات يومية بين ممثلي الخيم، لتوحيد المواقف والتوجهات، ومناقشة آخر مستجدات الوضع السياسي، خصوصاً أن لدى هؤلاء وعياً سياسياً كبيراً جداً، وأغلبهم يفقه في القضايا القانونية والتشريعية". ويتوقع التميمي أن "تشهد الانتخابات المقبلة قائمة تمثل ثورة أكتوبر، تكون شخوصها من شباب هذه الثورة. وبكل تأكيد هذه القائمة، إن رشحت، سيكون لها دور مؤثر في العملية السياسية، وستغير المعادلة، وربما تكتسح الانتخابات، فالتأييد الشعبي العراقي لهذه الثورة كبير جداً".