الجزائر ما بعد كورونا

الجزائر ما بعد كورونا

25 مارس 2020
سجلت إصابات عدة بكورونا في الجزائر (بلال بن سالم/Getty)
+ الخط -
كيفما كانت النتائج والنهايات، أنجز الجزائريون حراكهم بأقل كلفة ممكنة وتحت عنوان أنّ هذا النظام فاسد ومفسد للمقدرات العامة وزارع للمظالم ويحتاج إلى إصلاح. علّق الحراك مظاهره الاحتجاجية بسبب كورونا، لكن الجزائر جنت أول إسهامات هذا الحراك ولو في مظاهر بسيطة تبدو ذات قيمة في عزّ الأزمة الوبائية وما بعدها.

قد يكون من غير المهم الحديث عن الحراك في زمن الوباء، لكن المقصود هو قياس مدى تأثير مخرجاته كحالة وعي شعبي تمددت على مدار سنة كاملة، وتحوّلت فيها الشوارع إلى جامعات شعبية مفتوحة، على مستويات الإسهام في التنظيم الذاتي للمجتمع في مثل هذه الظروف، ومدى تجلي الانضباط اللازم ومنسوب الالتزام بتدابير السلامة لمواجهة أزمة وبائية دواؤها في الأساس الانضباط.

في هذه الأزمة التي تشمل الجزائر على غرار باقي دول العالم، يسبق المجتمع الدولة بخطوة. حالات التنظيم الذاتي التي يشهدها المجتمع سواء على صعيد القيام بتعقيم الشوارع والفضاءات العامة، أو المساعدة في التوعية وتوزيع الأقنعة والقفازات، والتنظيم في مراكز التجمعات، أو في ابتكار طرق محلية للتكافل ودعم الأسر الفقيرة، أو في مبادرات تطوعية لتموين المشافي بالمعدات الممكنة، كل هذه الحالات تمثلّ جزءاً من تراكم وعي مجتمعي لا يجب تضييعه لاحقاً، ويمكن أن تتأسس عليه الكثير من الخطوات المساعدة في تنظيم وهيكلة المجتمع وتحسين الفضاءات العامة.

ليست نكتة بل حقيقة. البرلمان الجزائري بغرفتيه أخذ عطلة مدفوعة الأجر منذ أسابيع كما المدارس، على الرغم من أنّ لجنة الصحة مثلاً كان يفترض أن تبقى قيد متابعة الوضع. كذلك، اختفت معظم الأحزاب من مشهد الأزمة الوبائية. وفي مثل هذه الأوضاع، تبرز الحاجة إلى المجتمع المدني لمساعدة الدولة على إنفاذ التدابير اللازمة للسلامة، والإجراءات ذات الصلة.

للأسف، دائماً ما كانت الجزائر فقيرة وفي عوز مستمر إلى مجتمع مدني قوي وفاعل في المجالات كلها، ومستقلّ عن الضوضاء السياسية. تعدّ الجزائر أكثر من 72 ألف جمعية معتمدة، تستهلك المليارات من أموال الدعم، لكنها لا تحضر إلا عندما تحتاجها السلطة لتمرير المشاريع السياسية، وهذا مجال آخر يحتاج تطهيره إلى حراك.

ثمّة حراك آخر يتوجّب أن تبدأ به المؤسسة الرسمية ولا بدّ منه، بعد أن تنتهي هذه الأزمة، ويتعلّق بإيلاء اهتمام لمسألة تنظيم الجزائريين في الخارج، بعدما أبلوا حسناً في مساعدة العالقين في المطارات، وتكافلوا لإرسال المعدات الطبية. يضاف إلى ذلك ضرورة إعادة ترتيب الأولويات من حيث توفير الحاضنة العلمية، واسترجاع الآلاف من الكوادر الجزائرية العاملة في الخارج، والتي فرّت من البلد ودُفعت للهجرة دفعاً، بسبب الضيم الذي لحق بها. فآخر تقرير لعمادة الأطباء في فرنسا يشير إلى أنّ ما يقارب الستة آلاف طبيب جزائري يعملون في فرنسا، بينما هؤلاء وغيرهم مكانهم الصحيح هنا.

المساهمون