ورقة رئاسة فرنجيّة في لبنان: انقلاب يمهّد لترويكا سوريّة

ورقة رئاسة فرنجيّة في لبنان: انقلاب يمهّد لترويكا سوريّة

27 نوفمبر 2015
الحريري يُحضر حليف الأسد إلى الرئاسة (حسين بيضون)
+ الخط -
يمسك زعيم تيار المستقبل في لبنان، سعد الحريري، بقنبلة سياسية اسمها ترشيح رئيس تيار المردة، النائب سليمان فرنجية، لرئاسة الجمهورية. الأول زعيم فريق 14 آذار وابن الرئيس رفيق الحريري الذي اغتيل في فبراير/ شباط 2005، وخاض معركة إخراج الجيش السوري من لبنان في العام نفسه وإنهاء الوصاية السياسية والأمنية لذلك النظام على الدولة اللبنانية. الثاني أكثر حلفاء النظام السوري وحزب الله ثباتاً وأقربهم إلى الرئيس السوري بشار الأسد على المستوى الشخصي حتى. استضاف الأول الثاني في منزله الباريسي قبل أيام، وقرّر الحريري أنه مستعد لترشيح فرنجية ودعمه في معركة رئاسة الجمهورية، المنصب الشاغر منذ مايو/ أيار 2014. بادر الحريري، كما بات معلوماً، إلى تبليغ حلفائه بهذا الموقف، في حركة أقلّ من استشارية على اعتبار أنه عبّر عن اقتناعه الشخصي بأنّ الحل يبدأ بفرنجية في قصر بعبدا الرئاسي، ويستكمل بتعيين نفسه رئيساً للحكومة والإبحار من جديد في ما اعتبره الحريري نفسه "سفينة الوطن" التي يجب أن تضمن الاستقرار والهدوء في منطقة مشتعلة بحرب إقليمية من جهة وحرب على "الإرهاب" من جهة أخرى. 

اقرأ أيضاًلبنان: الحريري ينسف "14 آذار" باقتناعه بفرنجية لرئاسة الجمهورية 

يقول مسؤولون في فريق 14 آذار، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الحريري مضى في هذه التسوية التي عمل على إعدادها كل من المدير العام السابق للأمن العام، اللواء جميل السيّد (أحد الضباط الذين سجنوا واتّهموا باغتيال الرئيس رفيق الحريري)، ورئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط". وبحسب هؤلاء، تكفّل السيّد بالتواصل مع حزب الله، والثاني مع الحريري، فتمّت هندسة الأمور بهذا الشكل تحت عنوان "المصلحة الوطنية". وعلى الرغم من إصرار فريق الحريري في بيروت على التأكيد على أنّ "الحريري لم يقدم أي التزام لفرنجية في ملف الرئاسة"، لكن إبلاغ الحريري حلفاءه تمّ، وبالتالي هو ينوي الإقدام على هذه الخطوة. الأمر الذي يدعو جميع اللبنانيين، المعنيين المباشرين بهذه الخطوة وغيرهم، إلى التساؤل عن مصير لبنان والمشهد السياسي فيه في حال وصول فرنجية إلى سدّة الرئاسة بدعم من الحريري وبتحالف معه. 

تحالفات جديدة

في فريقي 8 آذار و14 آذار، شخصيات لم تنم منذ أيام نتيجة هذه القنبلة التي طبخها الحريري في باريس. فتوافقٌ مماثل يعني أولاً إنهاء تركيبة الصراع القائم في البلد منذ عام 2005، أي تدمير ثنائية القطبين والسعي لعملية إعادة صياغة تحالفات جديدة قد تقطع رؤوس كثيرين على المستوى السياسي. فتنصيب فرنجية رئيساً، يعني ضرب حلم الزعيم المسيحي الأول في 8 آذار، النائب ميشال عون، بالوصول إلى موقع الرئاسة. ويفتّت هذا الخيار أيضاً الخيارات المسيحية القوية لدى فريق 14 آذار، أي تحديداً رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع ورئيس الجمهورية الأسبق أمين الجميّل.

دعم الحريري لفرنجية في رئاسة الجمهورية يعني إعادة إحياء الأذرع السياسية المباشرة لنظام بشار الأسد المتهاوي في سورية. وتأتي ترجمة ذلك من خلال المقاربة اللبنانية الرسمية للحرب في سورية وغيرها من الملفات الأساسية. كما أنّ تنصيب فرنجية يعني إعطاءه الشرعية اللازمة لقيادة المسيحيين، واستكمال حشر طائفة أساسية في لبنان في خندق ومشروع تحالف الأقليّات الدينية الذي يبشّر به الأسد وحلفاؤه منذ سنوات.

انقلاب سياسي

يخوض الحريري شخصياً تجربة إحداث توافق لبناني بدون رعاة إقليميين وداعمين محليين، عكس ما سبق وحصل بين عامي 2009 و2010، يوم حلّ التقارب السعودي ـ السوري، أو ما عُرف حينها بالـ"سين سين"، الأزمة، وحقّق تفاهماً داخلياً بين القطبين الآذاريين. في تلك الحقبة، ترك الحريري خطاب 14 آذار وزار دمشق للقاء الأسد ثلاث مرات. حافظ حلفاؤه على المسافة المفترضة من الحدود السورية، ليعود الفريق الآخر ويقيل الحريري من رئاسة الحكومة بفعل انسحاب وزراء حزب الله وعون وأمل منها. منذ ذلك الحين ترك الحريري بيروت واستعاد خطاب العداء لحزب الله، وانضمّ بعدها إلى المحور الطبيعي في معاداة النظام السوري مع انطلاق الثورة في سورية. وكانت العبارة الأوضح التي قالها عام 2013، إعلانه "لن أعود إلى بيروت سوى من مطار دمشق"، أي بعد سقوط النظام في سورية وتسلّم المعارضين الحكم. لكن يبدو أنّ الحريري أجرى التعديلات اللازمة على كل خطابه، وباتت عودته مرهونةً بوصول ممثل النظام السوري في لبنان إلى القصر الرئاسي.

بهذه الخطوة، إنْ سار بها الحريري حتى النهاية، يطوي الحريري مرحلة شعار "لا للسلاح غير الشرعي" ويخوض مرة جديدة رحلة تأمين الغطاء اللازم لسلاح حزب الله، ليتحوّل بذلك أيضاً شعار "العبور إلى الدولة" إلى الحفاظ على ما تبقى من تحالف المنظومة السياسية اللبنانية التي عملت في عهد الاحتلال السوري للبنان. جميعها شعارات حملها تيار المستقبل وحلفاؤه في 14 آذار منذ عام 2005 إلى ساعات قليلة سبقت لقاء الحريري بفرنجية. كل هذا يتمّ من دون رعاية عربية وإقليمية ودولية، على الأقل ظاهرياً، ومن دون ضمانات سياسية داخلية واضحة وبلا سند سياسي لطالما قدّمته أحزاب وشخصيات 14 آذار للحريري نفسه. أما الساحة السنية، التي يعتبر الحريري نفسه ممثلها وقائدها، فمن المفترض أن تتجلّى فيها تبعات تجربته الجديدة أيضاً، إذ لا يمكن لهذه البيئة أن تقبل بحليف بشار الأسد رئيساً للجمهورية وحليفاً طالما أنّ المواجهة مستمرة مع هذا النظام خلف الحدود السورية.

اقرأ أيضاً: تفجيرات ضاحية بيروت تمهّد لتفاهمات سياسية... ومنافسة أمنية بالتحقيقات 

عودة الترويكا

تدلّ قنبلة الحريري أيضاً على أنّ في لبنان من يعمل على إعادة إحياء "ترويكا" جديدة تمسك بزمام الأمور وتستبعد عن القرار كل المكوّنات الأخرى. ترويكا بثلاثة أحصنة سياسية، الحريري ـ فرنجية ـ بري، تماماً كما كانت الحال شبيهة بزمن الوصاية السورية: رئيس الجمهورية الراحل إلياس الهراوي ورئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري ورئيس مجلس النواب نبيه بري الذي لا يزال صامداً في منصبه على الرغم كل المتغيّرات الداخلية والخارجية. دفعت القوى المسيحية، التي كانت في الأساس منبوذة في عهد الوصاية، ثمن الترويكا الأولى، ومن المفترض أن تدفع هي أيضاً ثمن الترويكا الجديدة أو أي مشروع شبيه قد يحصل في المستقبل.

فإذا كان الحريري الزعيم السني الأول، وكذلك بري على المستوى السياسي الشيعي، فإنّ فرنجية في المرتبة الرابعة على المستوى المسيحي بعد ميشال عون وسمير جعجع وآل الجميّل. إضافة لكون الترويكا المفترضة تقضي على الحياة السياسية وتلزّم عملية اتخاذ القرارات والتحكّم بالمسار الرسمي. كما أنّ هذه الترويكا السياسية ستمهّد لترويكا أمنية أيضاً، فيتجسّد التوافق السياسي المزعوم بتوافق الأجهزة الأمنية الثلاثة الأقوى، أي الجيش (والاستخبارات العسكرية) وفرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي والأمن العام. بذلك تستعيد هذه الأجهزة سلطتها المطلقة وسلطة التنسيق في ما بينها لتمرير المقاربات السياسية لأي ملف ذي طابع أمني، تماماً كما كانت الحال عليه في عهد الوصاية السورية على لبنان.​

المساهمون