صدمة الإنذار الأميركي للقاهرة: دفء ترامب لا يكفي

صدمة الإنذار الأميركي للقاهرة: دفء ترامب لا يكفي

24 اغسطس 2017
آية حجازي لدى استقبالها من قبل ترامب(جيم واتسون/فرانس برس)
+ الخط -
سيطرت حالة من الصدمة على أروقة الحكومة المصرية في أعقاب نشر وكالة "رويترز" نبأ حجب الولايات المتحدة نحو 100 مليون دولار من المساعدات الاقتصادية والعسكرية لمصر، وتأجيل تسليم 200 مليون "في انتظار تحسن في مجال حقوق الإنسان واتخاذ إجراءات تخفف من القيود المشددة على منظمات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية"، بحسب الوكالة المذكورة. ولا يتوقع أن يتم طي صفحة اهتزاز العلاقة الأميركية ــ المصرية بناء على هذا التطور المفاجئ، الذي ربما يمكن اعتباره بمثابة "الإنذار الأولي" من الإدارة الأميركية للقاهرة، من دون أن يكون الرئيس دونالد ترامب موافقاً بالضرورة على الخطوة بناء على ما هو معروف من اختلافات أو خلافات بين الطرفين حيال عدد من القضايا الخارجية.

وأعلنت وزارة الخارجية المصرية ضمنياً صحة النبأ، بإصدارها بياناً يشجب القرار الأميركي ويحذر من تداعياته السلبية على العلاقات الثنائية، ويدعو واشنطن إلى ما وصفه بعدم "خلط الأوراق واتباع نهج يتسم بعدم الفهم الدقيق لأهمية استقرار مصر ونجاح تجربتها". وقال مصدران في مجلس الوزراء المصري ومصدر ثالث في وزارة الخارجية، لـ"العربي الجديد"، إن القرار الأميركي فاجأ نظام الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وإن حالة من الاطمئنان كانت تسود في الأوساط الدبلوماسية والعسكرية وقصر الرئاسة إزاء مطالبات أعضاء في الكونغرس الأميركي في يوليو/ تموز الماضي بالضغط على مصر عبر تقليص أو تجميد أموال المساعدات العسكرية والاقتصادية.

وأضافت المصادر أن الاطمئنان المصري كان نابعاً بشكل أساسي من تفسير السيسي لأسلوب حديث الرئيس الأميركي دونالد ترامب معه خلال اللقاء "الودي والدافئ" الذي جمع بينهما على هامش القمة العربية الإسلامية الأميركية بالرياض، نهاية مايو/ أيار الماضي، والذي تبين فيه للسيسي أن ترامب لا يضع حقوق الإنسان أو المجتمع المدني على رأس أولوياته في التعامل مع مصر. وأوضحت المصادر أن السيسي اعتبر حديث ترامب بمثابة ضوء أخضر لإصدار قانون العمل الأهلي الجديد الذي أثار عاصفة انتقادات من جانب نشطاء المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية، فأصدره بعد ساعات معدودة من لقائه بترامب، رغم مرور 6 أشهر على إقراره من قبل مجلس النواب، و5 أشهر على تلقيه تحذيرات من حكومات أوروبية من مغبة إصدار هذا القانون الذي لا يقيد فحسب عمل المنظمات المصرية، بل يسلط رقابة حكومية وأمنية واستخباراتية غير مسبوقة على أعمال منظمات المجتمع المدني الأجنبية.


واتفقت المصادر على سيناريو واحد لما حدث بين إصدار ذلك القانون وبين قرار تجميد المساعدات، مفاده أن "السيسي فهم حديث ترامب بشكل خاطئ، وتجاهل تحذيرات محلية وغربية له بالتروي في إصدار القانون، أو بمراجعته وإخضاعه لمزيد من الحوار المجتمعي قبل إصداره وتطبيقه على المنظمات المصرية والأجنبية، وأن السيسي تصور أنه قدم لترامب كل ما يحتاجه في هذا الإطار بعد الإفراج عن الناشطة الحقوقية المصرية ــ الأميركية آية حجازي، والسماح بسفرها إلى الولايات المتحدة في إبريل/ نيسان الماضي واجتماع ترامب بها في البيت الأبيض، وهو ما منح ترامب شعبية كان يحتاجها في وقت عصيب". وربما يكمن الخطأ الرئيسي من قبل الطرف المصري أيضاً في تجاهل وجود اختلاف في وجهات النظر وطريقة العمل بين البيت الأبيض من جهة، ووزارة الخارجية من جهة ثانية، وهو ما ينعكس في عدد كبير من الملفات، بدءاً من الأزمة الخليجية مروراً بالتوتر الكوري والتعاطي مع روسيا. وقد وصل الخلاف أو الاختلاف بين الوزارة والبيت الأبيض إلى حد نشر مقالات لا تستبعد استقالة قريبة للوزير ريكس تيلرسون.


وشددت المصادر المصرية على أن الأوساط الرسمية في القاهرة كانت تتعامل مع واشنطن طوال الفترة الماضية على "خلفية من الثقة المتبادلة، التي صورتها تحركات السيسي وترامب، ما شجع الخارجية المصرية على أن تطلب من نظيرتها الأميركية في يوليو الماضي أن تتدخل لتعطيل عمل المنظمات والمؤسسات الأميركية المانحة لمنظمات المجتمع المدني غير الحكومية في مصر، بحجة وجوب توفيق أوضاع المنظمات المصرية أولاً مع قانون العمل الأهلي الجديد". وكشف المصدر الدبلوماسي أن "الخارجية المصرية لم تتلق رداً على هذه المطالبة من واشنطن، ما تم تفسيره في حينه بأنه (عدم اعتراض)، وخصوصاً أن بعض المنظمات الأميركية أخطرت بعد ذلك الحكومة المصرية ممثلة في وزارة التضامن الاجتماعي بوقف تمويل عدد من المشروعات والجمعيات المصرية غير الرسمية وكذلك المراكز البحثية والمعاهد، وهو ما فسرته القاهرة بـ(استجابة أميركية) للمطالبة المصرية، وتسليماً أميركياً بوجوب احترام قانون العمل الأهلي".

واستطرد المصدر الدبلوماسي قائلاً: "الأزمة الحالية تكشف سوء أداء وزارة الخارجية وعملها بشكل كامل في ظل رئاسة الجمهورية، رغم أنه من الواجب عليها أن تكون القاطرة التي تحرك العمل الدبلوماسي المصري، وليس أي جهة أخرى". ويضيف المصدر أن "السيسي لم يستطع على ما يبدو فهم اتجاهات ترامب جيداً، فهو لن يضغط كثيراً لمراعاة حقوق الإنسان، لكنه سيسعى بالتأكيد لإرضاء جماعات الضغط المؤثرة حول الحزب الجمهوري"، مذكراً بأن واشنطن لا زالت متهمة بمخالفة القانون المصري في قضية التمويل الأجنبي للمجتمع المدني، التي يتم التحقيق فيها حالياً، من خلال المعهدين الجمهوري والديمقراطي اللذين صدر حكم بحل فرعيهما في مصر عام 2012.

وأشار المصدر إلى أن المعلومات الواردة من الأوساط الأميركية منذ زيارة السيسي إلى واشنطن في إبريل/ نيسان الماضي، تؤكد متابعة دوائر مختلفة داخل الحزب الجمهوري لمجريات قضية التمويل الأجنبي، وأن بعض المسؤولين في وزارة الخارجية لم يظهروا تساهلاً في السؤال عن تبعاتها، ما يؤكد أن وضع حقوق الإنسان وحرية عمل المنظمات ما زالت لها أولوية في السياسة الأميركية بغض النظر عن موقف ترامب الشخصي. وفي سياق قريب يؤكد حالة "الثقة الموهومة" التي كانت تسيطر على النظام المصري، قالت مصادر برلمانية مصرية شاركت في الوفد البرلماني الذي زار الولايات المتحدة، نهاية يونيو/ حزيران الماضي، إن "أعضاء الكونغرس الذين التقيناهم وقتها أكدوا لنا أنه سيكون هناك تحرك من جانهم ردّاً على إصدار قانون الجمعيات الأهلية (العمل الأهلي)، متجاهلاً انتقادات منظمات المجتمع المدني له".


وفجرت المصادر مفاجأة بقولها: "أبلغنا تلك الرسائل لجهات عليا في الدولة فور عودتنا من أميركا، لكن مسؤوليها طمأنونا، وأكدوا لنا أن هذه التحركات ليست لها قيمة، وأن السيسي نسق مع ترامب قبل إصدار هذا القانون وأن مصر تؤمّن مصالح أميركية معتبرة لا يمكن لواشنطن المغامرة بها حالياً". وتعليقاً على هذه المستجدات، توقعت مصادر سياسية حزبية أن ينعكس القرار الأميركي على الوتيرة التي كانت تمضي بها خطوات إجراء التعديل الدستوري لإطالة فترة ولاية السيسي أو إلغاء الانتخابات الرئاسية المقبلة المقررة في يونيو 2018. فعلى الرغم من أن هذا الموضوع لا يثير قلق الإدارة الأميركية، إلا أن القرار سيجبر السيسي على التروي قبل اتخاذ خطوات سيتم وصفها في الإعلام العالمي كـ"مزيد من القيود على المجال العام". ورجحت المصادر أيضاً أن يطيل السيسي فترة التحقيق والتجميد الإعلامي لقضية التمويل الأجنبي، وأن تبادر الحكومة قبل نهاية العام الحالي لإجراء تعديل – ولو صوري - على قانون العمل الأهلي، لتخفيف القيود على عمل المنظمات الأجنبية.

ويرى مراقبون أن القانون يحدّ من نشاط الجمعيات الأهلية، ويوجهها فقط للأهداف التنموية التي تحتاجها الحكومة المصرية. ويتضمن القانون عقوبات قاسية جداً في حال مخالفته، وهو ما تعترض عليه جماعات حقوق الإنسان. كما يحظر القانون الجديد على المنظمات القيام بأعمال ميدانية أو استطلاعات رأي أو التعاون مع أي هيئات دولية من دون الحصول على الموافقات التي يحددها جهاز جديد نص عليه القانون مسؤول عن متابعة الجمعيات الأهلية، وهو جهاز يضم أجهزة أمنية رفيعة المستوى بينها الأمن الوطني والقومي والمخابرات العامة، بدلاً من وزارة التضامن الاجتماعي التي كانت مسؤولة عن تلك الموافقات في القانون السابق.

وأصدرت العديد من المنظمات الحقوقية المصرية بيانات دعت فيها للضغط على الحكومة المصرية لوقف إصدار القانون، ثم لتعديله، وذكرت بعض تلك البيانات أن إصدار القانون يأتي في إطار أسوأ حملة لغلق المجال العام وتقييد الجمعيات الأهلية في تاريخها، كما أنه يقوض الحريات التي اكتسبت بعد ثورة 2011 التي أنهت حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك.
وكتبت الناشطة المصرية آية حجازي، التي أفرج عنها السيسي بطلب من ترامب، مقالاً قبل يومين في صحيفة "واشنطن بوست"، دعت فيه الإدارة إلى حجب المساعدات التي تقدمها واشنطن إلى القاهرة وربطها بإحراز تقدم في مجال حقوق الإنسان.

وقالت الخارجية المصرية في بيانها المعارض للإجراء الأميركي، إن مصر تقدّر أهمية الخطوة التي تم اتخاذها بالتصديق على الإطار العام لبرنامج المساعدات لعام 2017، مضيفة أنها "تتطلع لتعامل الإدارة الأميركية مع البرنامج من منطلق الإدراك الكامل والتقدير للأهمية الحيوية التي يمثلها البرنامج لتحقيق مصالح الدولتين، والحفاظ على قوة العلاقة في ما بينهما، والتي تأسست دوما على المبادئ المستقرة في العلاقات الدولية والاحترام المتبادل". وعقب بيان الخارجية المصرية، تم الإعلان عن إلغاء لقاء مرتقب، اليوم، بين وزير الخارجية سامح شكري، ووفد أميركي برئاسة جاريد كوشنير، كبير مستشاري الرئيس الأميركي دونالد ترامب وصهره، قبل أن يتم الإعلان عن أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي هو الذي التقى الوفد الذي يضم إلى جانب كوشنير، جيسون غرينبلات، المساعد الخاص للرئيس الأميركي والمبعوث لمفاوضات السلام الفلسطينية الإسرائيلية، ودينا باول، نائب مستشار الأمن القومي للشؤون الاستراتيجية.
The website encountered an unexpected error. Please try again later.