أهالي سيناء يفتقدون محاكمهم للسنة الخامسة

أهالي سيناء يفتقدون محاكمهم للسنة الخامسة

05 أكتوبر 2019
لم تلق مناشدات الأهالي آذاناً صاغية (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -
بدأ العام القضائي الجديد في كافة المحافظات المصرية يوم الثلاثاء الماضي، عدا محافظة شمال سيناء، التي ستكون مستثناة من حياة المحاكم للعام الخامس على التوالي، إثر قرار وزاري صدر في مايو/ أيار 2015 يقضي بنقل مجمع محاكم المحافظة إلى الإسماعيلية، في أعقاب هجوم إرهابي وقع في مدينة العريش، وأدى إلى مقتل ثلاثة قضاة وإصابة رابع. وأدخل القرار سكان المحافظة والمحامين في دوامة من المعاناة تضاف إلى بقية أنواع المعاناة التي يلقونها منذ عام 2013، دون وجود بصيص أمل لانتهائها.

وفي التفاصيل، قال أحد محامي مدينة العريش لـ"العربي الجديد"، إن "كل أركان السلطة القضائية يدركون جيداً حجم المعاناة التي يلقاها المواطن والمحامي في سيناء جرّاء نقل محاكم العريش إلى الإسماعيلية، ونحن وجهنا لهم عشرات المناشدات للتراجع عن القرار وإعادة تشغيل محاكم العريش مجدداً كبقية المحافظات المصرية، خصوصاً في ظل الهدوء النسبي الذي تشهده المدينة منذ أشهر". لكن هذه المناشدات لم تلق صدىً، بحسب المحامي الذي اعتبر أن "وزارة العدل لا تزال تضرب عرض الحائط بكل هذه الدعوات، على الرغم من الحصول على موافقات أمنية بإمكانية تشغيل المحاكم مجدداً، وقدرة قوات الأمن على تأمين القضاة خلال تحركهم من المحافظة إلى خارج سيناء". واعتبر أنه "من الواضح أن القرار لا يتعلق بالجانب الأمني فحسب، وإنما للأمر خلفيات ومآرب أخرى".


ولفت المحامي الذي فضّل عدم الكشف عن هويته، إلى أن نقابة المحامين "لم تتمكن من إعادة الحق لأهالي سيناء والمحامين فيها، وقبلت باستمرار معاناتهم للعام الخامس على التوالي، وعدم وضع هذا الملف على سلّم الأولويات، والضغط على الوزارة لإعادة المحاكم للعريش". وأشار إلى أن "المحامي والمواطن في سيناء يلقى أصناف العذاب خلال رحلة ذهابه وعودته إلى محافظة الإسماعيلية عند كل جلسة، كما يتعرض للخطر"، ضارباً مثالاً على ذلك ما جرى مع المحامين محمد سعيد لطفي وكمال عوض اللذين ما زالا مختطفين لدى تنظيم "ولاية سيناء" الموالي لتنظيم داعش منذ منتصف يونيو/ حزيران الماضي، خلال رحلة عودتهما من محكمة شمال سيناء الملحقة بمحكمة الإسماعيلية، بالإضافة إلى أكثر من 12 مواطناً كانوا على الطريق ذاته الذي نصب عليه التنظيم حاجزاً لساعات دون وصول قوات الأمن للمكان أو الوصول للمنفذين.

وأظهر قرار نقل محكمة شمال سيناء بكل درجاتها إلى محافظة الإسماعيلية، ضعف قدرة الأمن المصري على السيطرة في المحافظة، وفي مدينة العريش خصوصاً باعتبارها عاصمتها، وكذلك اعتبر القرار في ذلك الحين انسحاباً لجزء أساسي من أركان الدولة المصرية من المحافظة، وعدم قدرتها على بسط سيادتها على كافة أرجاء الجمهورية. هذا الأمر أشعر المواطن السيناوي بالقلق على مصير محافظته خلال المرحلة المقبلة، في ظل الانسحاب التدريجي لأركان الدولة، والإبقاء على السلطة التنفيذية المتمثلة في الجيش والشرطة، اللذين يعملان وفقاً لحالة الطوارئ بشكل دائم، والتي أدت لتجاوزات فجة للقانون، راح ضحيتها عشرات المواطنين في سيناء على مدار السنوات الماضية.

وعن معاناة المواطنين في التنقل من سيناء للإسماعيلية، التي تبعد أكثر من 200 كيلومتر عن مدينة العريش، شرح المواطن خيري أحمد لـ"العربي الجديد"، أنه يضطر في كل موعد جلسة في محكمة شمال سيناء الملحقة بمحكمة الإسماعيلية إلى إغلاق محله في وسط مدينة العريش لمدة يومين على الأقل، في رحلة الذهاب والعودة، مع دفع تكاليف المواصلات التي تزيد من الأعباء المادية للقضية، بدلاً من قضاء الأمر في ساعات كما كانت الحال قبل نقل المحكمة عام 2015 بقرارٍ وزاري. ولفت أحمد إلى أن "الطريق من العريش إلى الإسماعيلية يحيطها الخوف نتيجة الأحداث الأمنية القائمة بين التنظيم والجيش، وكذلك وجود مشاكل فنية على الطريق، أدت إلى وقوع عشرات الحوادث خلال الفترة الماضية، وكذلك استغلال السائقين للركاب من خلال زيادة أجرة المواصلات، عدا عن معاناة معدية قناة السويس". ويضطر المواطنون، في حال تأخر الوقت أو في حال كبر سن رافع الدعوى، إلى المبيت في الإسماعيلية ومغادرتها في اليوم التالي، فيما اضطر عدد من محامي سيناء للاستقرار في الإسماعيلية، لمتابعة القضايا والتواصل مع المواطنين في سيناء عبر الهاتف فقط.

ويشرح المواطن أحمد أنه جرى طرح قضية المحاكم في مؤتمرات عدة عقدت في مدينة العريش خلال السنوات الماضية مع قيادات أمنية وعسكرية ومحافظ شمال سيناء، وتلقى المواطنون وعوداً بمناقشة الأمر مع الجهات المختصة، لتسهيل عملية المحاكم وتأمين القضاة، إلا أن ذلك ظلّ حبراً على ورق، دون أن يكون له أي رصيد على أرض الواقع. ويشكل ذلك، برأيه، تجاهلاً واضحاً لأهالي سيناء ومعاناتهم، ويأتي لإجبارهم على ترك أرضهم تحت حجج واهية، من خلال الضغط عليهم اقتصادياً وأمنياً واجتماعياً، معتبراً أن قمة المعاناة أن تضطر للسفر من محافظتك لإنهاء ملفات طبية أو قضائية أو تعليمية، في ظل افتقار المحافظة لكل مقومات الحياة الأساسية، وكذلك الحال ضعف الجهاز الحكومي فيها منذ عام 2013. وأدى كل ذلك إلى زيادة معاناة المواطنين بشكل حقيقي، دون أي اهتمام من الدولة، وكأنهم في محافظة خارج الجمهورية، على حدّ قوله.

 

دلالات