فض رابعة... بداية انفراط "30 يونيو" وانقلاب حلفاء السيسي

فض رابعة... بداية انفراط "30 يونيو" وانقلاب حلفاء السيسي

14 اغسطس 2016
أكد بعض الرافضين للفض أن ما حدث "مذبحة"(إد جيلز/Getty)
+ الخط -
كان مشهد البطش باعتصامي رابعة العدوية والنهضة، خطاً فاصلاً بين نظام عبدالفتاح السيسي وبعض حلفائه، الذين ساعدوه على الانقلاب. التجربة كانت اختباراً قاسياً لأولئك الذين ظنوا أن المستقبل القريب كفيل بأن يسحب السلطة من نظام مُنتخب من دون إراقة دماء، وهم الذين اعتادوا الكلام عن حقوق الإنسان في التظاهر السلمي والاعتصامات، واستخدموهما بكل حرية في عصر الرئيس المعزول محمد مرسي.
محمد البرادعي، الحاصل من قبل على جائزة نوبل للسلام، كان على رأس قائمة الشخصيات التي قطعت علاقتها بالنظام بسبب أحداث فض رابعة، فالحرج الدولي البالغ كان يصعب تجنّبه أمام صورة الرصاص الحي والأجساد المتفحمة والتمثيل بالجثث وبقاياها وإزالتها بالجرافات وتكدس بعضها وهي ضائعة المعالم داخل ثلاجات المشرحة وخارجها لعدم توافر أماكن لحفظها.

قدّم البرادعي استقالته من الحكومة التي كان يشغل فيها منصب نائب رئيس الجمهورية. وقال آنذاك في بيان الاستقالة: "لقد أصبح من الصعب عليَّ أن أستمر في حمل مسؤولية قرارات لا أتفق معها وأخشى عواقبها، ولا أستطيع تحمّل مسؤولية قطرة واحدة من الدماء أمام الله ثم أمام ضميري ومواطنيّ، خاصة مع إيماني بأنه كان يمكن تجنب إراقتها". كان بديهياً أن يتعرض البرادعي لحملة من أجهزة الانقلاب الإعلامية والسياسية، لدرجة اتهامه بالخيانة العظمى، والمطالبة بسحب جنسيته المصرية، لأنه لم يوافق على القرار بفض اعتصامي رابعة والنهضة بالقوة.

كذلك، فإن بعض الشخصيات المعروفة بمعارضتها الشديدة للإسلام السياسي، والتي كانت تنتقد اعتصام رابعة، مثل الكاتبة فاطمة ناعوت، تبعت البرادعي وأشادت برفضه لفض الاعتصام بالقوة، حين قالت: "البرادعي يقف ضد فض اعتصام رابعة بالقوة، هذا هو البرادعي الذي شوّهه الإخوان واغتالوه معنوياً بكل قسوة... الفارق بين الليبرالي والمتأسلم". متابعة ناعوت للبرادعي في موقفه لا يمكن الخروج منه بموقف إنساني واضح المعالم، فهي تقول إن "ممارسات المعتصمين لم تترك لنا خياراً آخر غير القوة"، وإن "الإخوان هم من اضطروا صانع القرار لذلك"، وإنها ضد فكرة أحكام الإعدام عموماً، وإن كان "الإخوان يستحقون الإعدام مائة مرة". كما أنها كانت قد انتقدت هذا الاعتصام قائلة: "سكان رابعة يستحقون قلادة النيل على تحمّلهم كل هذه المأساة التي يعيشون فيها منذ أكثر من شهر، ويجب أن تعوضهم الدولة تعويضاً محترماً".
بعض رفاق البرادعي الذين انتقدوا توقيت استقالته، وشاركوا في سلطة العسكر، تبعوه بعد ذلك، مثل عصام حجي، أحد مستشاري الرئيس المصري المؤقت عدلي منصور، الذي أعرب أخيراً عن ندمه على المشاركة في تلك الحكومة، قائلاً إنه كان عليه أن يتخذ قرارات أكثر صرامة في وقتها. كذلك كان موقف نائب رئيس الوزراء السابق زياد بهاء الدين، الذي وصف اللحظات التي مرت عليه أثناء فض اعتصامي رابعة والنهضة بالصعبة. وقال: "لا يمكن لأحد في مصر الاستهانة بحجم الخسائر البشرية التي ترتبت على فض هذين الاعتصامين، لأن جميع الضحايا في النهاية هم جزء من المجتمع المصري". فيما كان موقف خالد داود، عضو "جبهة الإنقاذ"، ثم القيادي في حزب "الدستور"، وأحد الداعين للتظاهرات المناهضة لحكم "الإخوان"، أكثر صرامة ووضوحاً، فلم يكن موارباً حين أعلن أن فض رابعة كان مذبحة بكل المعاني وأنّ موت ألف مواطن ليس له وصف "غير مذبحة".

كما خرجت أصوات من حزب "النور" السلفي تندد بهذا الإجراء، مثل المتحدث باسم الحزب شريف طه، الذي صرح بأن فض الاعتصام بالقوة لن يساعد على حل الأزمة بل يعقدها. لكنه سرعان ما ظهر على الفضائيات ليثني على وزير الداخلية محمد إبراهيم ويشيد بدوره في فض اعتصامي رابعة والنهضة. بينما نشر على لسان أمين حزب "النور"، جلال مرة، قوله إن "الحزب يبرأ إلى الله مما يحدث ويتبرأ منه ومن كل من شارك وساعد فيه".


الموقف الرمادي لحمدين صباحي الذي يبدأ دائماً بإدانة "الإخوان المسلمين"، كان هو سيد الموقف. صرح صباحي مبكراً، قبل الفض، أنه ضد الإجراءات العنيفة في الفض، وأن الطرق السلمية للفض هي الطريقة التي يراها صائبة، لأنها ستكون من دون إراقة دماء. وأعلن صباحي أنه موافق تماماً على فض رابعة والنهضة، لكنه استدرك قائلاً: "ولكن كنت أتمنى ألا ندفع في رابعة هذا الثمن من الدم المصري الغالي". ووصلت الأمور بصباحي إلى حد القول إن "عملية فض رابعة العدوية لم تكن بالمهنية ولا الكفاءة التي تليق بقوات الأمن لدولة بحجم مصر"، معترفاً بأن "هناك أبرياء قُتلوا في هذا الفض".

أما عبد المنعم أبو الفتوح، رئيس حزب "مصر القوية"، وأحد الداعين لتظاهرات 30 يونيو/ حزيران من أجل المطالبة بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، فكان فض الاعتصام بالنسبة له أمراً خارجاً عن حدود الإنسانية والقانون. ولعله كان أحد الأسباب الرئيسية لتأكيد الخروج عن تحالف 30 يونيو. وقد علّق على التظاهرات بقوله: "التظاهر السلمي أحد مكتسبات ثورة يناير، مقدّرات ومنشآت الوطن ودور العبادة ملك لنا جميعاً، يجب الحفاظ عليها وعدم المساس بالأرواح". وترحّم على ضحايا الفض، قائلاً إنه "يوم أسود في تاريخ مصر". كما أعلن تأييده لحيادية تقرير منظمة "هيومان رايتس ووتش" الذي انتقد عنف الدولة وبطشها غير المبرر في مواجهة معتصمين سلميين. عمرو حمزاوي، المغضوب عليه من السلطة حالياً، والذي كان من أنصار 30 يونيو أيضاً، تنصّل من المسؤولية عن الدماء التي أريقت، على الرغم من إدانته المبكرة للاعتصام، وقال عن ذلك: "كنت أعلم تماماً أن هذا الاعتصام به ما يهدد الأمن القومي للبلاد، إلا أنني لم أكن مع فضه بالقوة بسبب الدم. كان لا بد من استنفاد كل الوسائل السياسية ومصارحة الرأي العام بذلك بكل شفافية".

كذلك، فإن بعض الإعلاميين في قنوات فضائية محسوبة على النظام، خرجوا بين الحين والآخر لاستعادة أحداث الفض وإعادة تقييمها إنسانياً، مثل موقف الإعلامي مجدي طنطاوي الذي استنكر ما حدث في فض الاعتصام، قائلاً: "اللي حصل في رابعة، شاء من شاء أن يسمع، وأبى من أبي: فيه بني آدمين مصريين ماتوا فيه، واحنا بطبيعتنا كمصريين لا نحب الدماء". فيما كان موقف الإعلامية ريم ماجد من فض رابعة سبباً رئيسياً في إقالتها، وعدم ظهورها على أي فضائية مصرية منذ ذلك الحين، إذ قامت باستضافة مصوّرة شاركت في تغطية لمجزرة رابعة، وبثّت صوراً لجثث القتلى أثناء البرنامج الذي كانت تذيعه إحدى الفضائيات المملوكة آنذاك للملياردير نجيب ساويرس. يذكر أنّ ريم ماجد كانت من أنصار حركة 30 يونيو، وكانت لها تصريحات مؤيدة لتولي السيسي السلطة، حين قالت: "لست ضد ترشيح الفريق السيسي للرئاسة، بالعكس أرى أنه لازم يترشح ولازم ينجح ولازم يدير شؤون البلاد".

أما السيناريست والإعلامي بلال فضل، الذي كان يرى أنّ "30 يونيو كانت فرصة لإنقاذ البلد لولا عناد الإخوان وطمع السيسي"، فقد كتب بعد عملية الفض مباشرة: "لن أوجّه أسئلتي للرئيس الفاترينة عدلي منصور بل سأوجهها لمن يديرون البلاد فعلياً ويتحمّلون مسؤولية قتل المواطنين المصريين؛ وعلى رأس هؤلاء رئيس الوزراء حازم الببلاوي ووزير الدفاع عبدالفتاح السيسي، وسأسألهما: إذا كنتما حريصين على العدالة، فلماذا سمحتما بالاعتداء على مسرح جريمة فض الاعتصامين والقيام بتنظيفهما في نفس اليوم قبل معاينة أجهزة العدالة ومنظمات حقوق الإنسان للمكانين؟ هل فجأة تذكرت الدولة التي تركت أكوام الزبالة لشهور في الشوارع أن النظافة من الإيمان؟ أم أن المطلوب إخفاء آثار وحشية الفض التي ستظل تطاردكما إلى الأبد وستتحملان مسؤولية ما حدث أنتما وكل من شارك في ذلك أو برره أو باركه أو صمت عليه؟".

المساهمون