عرض أدلسون تمويل السفارة الأميركية بالقدس: سياسة خارجية للبيع؟

عرض أدلسون تمويل السفارة الأميركية بالقدس: سياسة خارجية للبيع؟

28 فبراير 2018
أدى أدلسون دوراً في تسريع نقل السفارة(بول ريتشاردز/فرانس برس)
+ الخط -
يحتدم الجدل في الولايات المتحدة حول عرض تقدّم به الملياردير الأميركي شلدون أدلسون، المعروف بتمويله للمستوطنات ومالك صحيفة في إسرائيل والذي ساهم في تمويل حملة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الانتخابية، بتمويل بناء السفارة الأميركية الجديدة في القدس المحتلة، والحديث عن أن إدارة ترامب تعمل على إيجاد حيثية قانونية لقبول عرضه. وتُثار تحذيرات من الموافقة على هذا العرض غير المسبوق، لكن الإدارة الأميركية تمهّد للموافقة المرجحة حتى الآن من خلال الثناء على "كرم" أدلسون والترويج لتبرعه على أنه سخاء أميركي ويوفر على الخزينة مبالغ كبيرة من أصل الكلفة التي قد تبلغ 500 مليون دولار.

لكن هذا التسويغ لا يبدو منطقياً، فموازنة وزارة الخارجية الأميركية تفوق الخمسين مليار دولار، وهي دشنت أخيراً سفارة جديدة لها في لندن بلغت كلفتها مليار دولار. وبالتالي فإن المسألة ليست مالية، بل هي تسليم بمصادرة القرار. وقبل كل شيء يستهدف نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس بهذه الصورة، دق آخر مسمار في نعش عملية السلام، والبعض يقول إنه جاء لإعلان دفنها.

هذا الأمر طرح تساؤلات كثيرة حول هل بات شخص نافذ مثل أدلسون أحد مهندسي السياسة الخارجية الأميركية؟ وهل هو يشتري القرار نيابة عن صديقه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، خصوصاً أنه أدى دوراً أساسياً في إقرار نقل السفارة الأميركية بهذه العجلة بالاشتراك مع السفير الأميركي في إسرائيل ديفيد فريدمان، الذي يتصرف كوزير يتعامل رأساً مع البيت الأبيض وليس مع وزير الخارجية ريكس تيلرسون، والذي تقول أوساط وزارته إنه لم يوافق على نقل السفارة لكنه لم يستطع تعطيل القرار؟ وليس سراً في واشنطن أن أدلسون وفريدمان ومن خلفهما نتنياهو، أصروا على أن يجري النقل ولو إلى مبنى مؤقت في القدس لتدشينه بالتزامن مع مرور 70 سنة على إنشاء إسرائيل في 14 مايو/أيار المقبل.


موضوع السفارة الأميركية جاء ليعزز التساؤلات عما إذا كانت الديمقراطية الأميركية فعلاً في خطر وسياستها الخارجية للبيع؟ قد يبدو هذا السؤال غريباً أو مبالغاً فيه، لكنه يتردد بصورة متزايدة هذه الأيام في واشنطن، ومن قِبل جهات جدية. صحيح أن غالبيتها تنتمي إلى التيار الليبرالي المخاصم لترامب وللمحافظين، لكن منها أيضاً من كان في صفوف الجمهوريين وعمل مع بعض رؤسائهم (جورج بوش الأب ورونالد ريغان) أمثال النائب جو سكاربورو والمؤرخ جون ميتشام والمستشار الرئاسي ديفيد غيرغن، الذين لا يخفون ذهولهم وتخوفهم من عواقب الممارسات غير المسبوقة الحاصلة حالياً، باعتبارها تهدد وتساهم في تآكل المؤسسات الدستورية وآلياتها.

من هذه الممارسات ما يندرج في خانة "تضارب المصالح" الخاصة والعامة، مثل مصالح عائلة ترامب التجارية من جهة ورئاسته من جهة أخرى. ومنها ما يتصل بتقاعس الكونغرس "وتنازله الطوعي" عن بعض صلاحياته، وأخرى تبدو كأنها تجيير للقرار، كما في حالة موضوع القدس الذي أقدمت عليه الإدارة الأميركية وكسرت به تعهداً خطياً من قبل وزير الخارجية السابق، جيمس بيكر، بعدم التصرف في ملف القدس قبل توافق الطرفين على صيغة لتسويته. هذه التجاوزات الكبيرة تدفع جهات أميركية كثيرة للتحذير من تبعاتها، بعد أن بدت كأنها وضعت السياسة الخارجية برسم "الخصخصة"، على حد تعبير مجلة "ناشيونال إنترست" المحافظة.