تظاهرات العراق تحيي قوانين ومشاريع معطلة منذ سنوات

تظاهرات العراق تحيي قوانين ومشاريع معطلة منذ سنوات

21 نوفمبر 2019
ظهرت مشاريع قوانين تم تجاهلها في السابق (Getty)
+ الخط -
لم يتمكّن البرلمان العراقي، طيلة الدورات السابقة، من إقرار حزمة قوانين مهمة، كانت تظهر وتختفي؛ بسبب الخلافات مرة، ولعدم اكتمال النصاب القانوني مرات أخرى، قبل أن يعود إلى طرحها على وقع الاحتجاجات المتأججة، مند أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، في محاولة لامتصاص الغضب المتنامي.

ومن بين القوانين التي كانت عالقة ما يتعلّق بالقضاء وحقوق الإنسان، والأحوال المدنية والفساد، مثل قانون "من أين لك هذا؟"، وأخرى اقتصادية مثل قانون "النفط والغاز" الذي يتضمن تأسيس نظام إدارة العمليات النفطية في العراق، وأمنية مثل ملف التحقيق بسقوط الموصل بيد "داعش" الإرهابي عام 2014، ناهيك عن قانون المحكمة الاتحادية، وهو الأكثر جدلاً، والذي تسبب بمشاكل عديدة بين القوى السياسية، كونه يهدف إلى إنشاء مجلس قضاة برئيس واحد ونائب للرئيس، وأحد عشر عضواً يتم اختيارهم من وحدات قضائية مختلفة، منها القضاء نفسه وخبراء بالفقه الإسلامي، وأعضاء "فقهاء بالقانون"، وكذلك قانون "التقاعد الموحد"، فضلاً عن تعديل بعض فقرات الدستور

ويرجع برلمانيون عدم التصويت على قوانين تهم المواطن العراقي، إلى الخلافات السياسية والمحاصصة الطائفية، وحسابات ترتبط بجهات خارجية إقليمية، في إشارة إلى إيران. 

وشهدت الأيام الماضية، حراكاً سياسياً مصحوباً بالقلق والصدمة، بفعل التظاهرات غير المتوقعة من قبل قادة الكيانات الحزبية وأعضاء البرلمان، وتهدف لفتح الملفات القديمة، التي كانت تشبه الأشباح، تظهر حيناً وتختفي حيناً، بلا مبالاة بأهميتها للعراقيين، والسبب في ذلك بلوغ التظاهرات الشعبية ذروتها، لا سيما أنها لاتزال متواصلة، منذ أكثر من شهر ونصف، في بغداد ومدن الوسط والجنوب. 

النائب السابق في البرلمان العراقي جوزيف صليوا، قال، لـ"العربي الجديد"، اليوم الخميس، إنّ "القوانين التي كانت تظهر وتختفي، ولا تمّرر عبر البرلمان، فيها دلالة واضحة على ضعف المراقبة الشعبية في السابق للأداء الحكومي والنيابي، مع تشتت في القوى المدنية المطالبة بالحقوق، فلم تكن في السابق توجد أي قوة منظمة تتابع جهود البرلمان والخطط الحزبية، مع غياب القوى السياسية التي تعمل وفق مصالح الشعب العراقي وتُرهب السلطة التي تعمل لصالح دول إقليمية".

وبيّن صليوا أنّ "التظاهرات الأخيرة أجبرت الكتل النيابية على اللجوء إلى ألاعيبها القديمة، مثل استعراض سلاسل من الملفات الإصلاحية ومشاريع القوانين المهمة، ولكنها لم تفلح في قراءة الذاكرة القوية للجيل الصاعد، وفي عدم إمكانية الضحك عليه مرة أخرى، وبالتالي فإن حديث بعض القوى عن قوانين مهمة مثل قانون من أين لك هذا، سيضرب قوة الأحزاب التي استغنت من خلال مال العراقيين بطريقة غير شرعية".


أما النائب الحالي عن كتلة "الحكمة" علي البديري، فقد أشار إلى أنّ "التظاهرات التي انطلقت في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، لا تشبه التظاهرات التي كانت تخرج في بغداد عام 2011، والتي كانت تطالب بإصلاحات جزئية وخدمات، إنما بات الحديث عن مشاريع ضخمة من شأنها أن تبدل الحياة السياسية في البلاد، منها إقرار القوانين المرتبطة بحياة المواطن العراقي ومستوى دخله السنوي ورفاهيته".

وأشار البديري، في اتصالٍ مع "العربي الجديد"، إلى أنّ "أبرز القوانين التي من المؤمل أن تُشرّع هو قانون النفط والغاز الذي يعاني من خلافات دستورية بحاجة إلى تصحيح، ومع استمرار التظاهرات حتماً ستُشرع كل القوانين المعطّلة، وستنتهي أسطورة المحاصصة والتوافقات السياسية على حساب الوطن والشعب، ناهيك عن وجود كيانات سياسية مؤمنة بالإصلاح الحقيقي وتسعى بشكل جاد إلى تهدئة الشارع وترضية المتظاهرين". 

من جهته، أكد السياسي العراقي أيهم رشاد أنّ "العراقيين يؤمنون بفشل الأحزاب التي برأيهم تعمل لصالحها فقط، وتحديداً الأحزاب الدينية التي تخدم الطرف الإقليمي الداعم لها معنوياً ومادياً، ومن ثم تخدم نفسها وأفراد عصاباتها، بينما ما تبقى من فتات الخبز يتم توزيعه على المواطنين، وبالتالي فإنّ تشريع القوانين المهمة تعطّل كثيراً، لأنها واقعياً لا تخدم الأحزاب، بل إنها تضرها، وتحديداً قانون مكافحة الفساد ومحاسبة المتورطين بإهدار المال العام واختلاسه".

وأوضح رشاد، لـ"العربي الجديد"، أنّ "التظاهرات الأخيرة، والتي من خلالها تم تهديد الأحزاب بشكل عملي عبر حرق مقراتها في محافظات العراق الجنوبية، كما الإصرار على البقاء في ساحات التظاهر، دفعت أحزاب السلطة إلى الحديث عن القوانين المعطلة، مع العلم أنّ الشعب الذي يتظاهر لا يؤمن كثيراً بما ستُسفر عنه هذه القوانين، لأنّ الحقيقة أنّ القوانين التي تُشرع لا أهمية لها، ما لم تُطبق بشكلٍ كامل ودائم".


إلى ذلك، بيَّن الكاتب والمحلل السياسي العراقي حمزة مصطفى، أنّ "الخلافات والمساجلات السياسية والحديث الطائفي بين الأحزاب الحاكمة في العراق، منذ عام 2003 وإلى الآن، فضلاً عن مبدأ التوافق والتواطؤ المعمول به، أسهم في تعطيل القوانين المهمة، مثل قانون النفط والغاز والمحكمة الاتحادية والضمان الصحي والاجتماعي، ولكن ظهور هذه القوانين من جديد وفي هذا التوقيت جاء بناءً على الضغط الشعبي".

وأشار مصطفى، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "المتظاهرين اليوم يسعون إلى محاسبة الحكومات العراقية المتعاقبة منذ 16 عاماً وليس فقط الحكومة الحالية، كما محاسبة الطبقة السياسية كاملة على قراراتها الخاطئة"، مؤكداً أنّ "تطبيق القوانين يتوقف على تحمل القوى السياسية للعمليات الجراحية التي ستطاول جسم النظام السياسي الحالي وشخوصه، لأنّ الشعب بات يفرض معادلة جديدة في وقتٍ ما تزال بعض القوى السياسية تُمارس حالة الإنكار تجاهها".