النظام السوري يوزّع الألقاب في السويداء لشراء الولاءات

النظام السوري يوزّع الألقاب في السويداء لشراء الولاءات

28 ديسمبر 2016
أراد النظام السوري إذلال أهل السويداء (طلال الأطرش/فرانس برس)
+ الخط -
قام النظام السوري، بالتواطؤ مع أزلامه من وجهاء محافظة السويداء، خلال الأسبوعين الماضيين، بمنح لقبي "الباشا" و"الأمير" إلى إثنين من تجار الحرب التابعين له من أبناء المحافظة، في خطوة اعتبرها الأهالي "إهانة" لتاريخ جبل العرب واستخفافاً برموزه، خصوصاً أنه خلال المائة عام الماضية، كان سلطان باشا الأطرش، قائد الثورة السورية الكبرى، قد حمل لقب الباشا منفرداً، في حين حمل لقب الأمير العديد من وجهاء العائلات الكبرى ذوي المكانة الاجتماعية الجيدة بين الناس.

وكانت المرحلة العثمانية في الوطن العربي قد حفلت بالعديد من الألقاب التي توارثتها الأجيال، وغيّر الزمن وتطوُّر المنطقة من معناها وتأثير أصحابها على الأرض. ومن تلك الألقاب لقب "الباشا" المتكرر لدى العثمانيين، وقد منحوه إلى العديد من رجالاتهم في المنطقة العربية خلال فترة حكمهم. لكن هذا اللقب، بمعناه العثماني، اختفى تقريباً مع تحرر البلاد من الاحتلال العثماني، ليعود الأمير فيصل، في العام 1918، لمنحه، بمعنى وقيمة مختلفين تماماً، لسلطان الأطرش تكريماً له على مشاركته مع مجموعة من ثوار الجبل في الثورة العربية الكبرى ضد العثمانيين. وقاد سلطان باشا الأطرش الثورة السورية الكبرى في العام 1925، وكان له من المواقف والآراء ما جعله من أهم رجالات سورية الحديثة. وقد حمل اللقب منفرداً حتى وفاته عام 1982، وهو ما أعطى لهذا اللقب بالذات قيمة معنوية عالية، خصوصاً لدى أبناء السويداء الذين ارتكزت هويتهم الاجتماعية لزمن طويل على مشاركتهم الفعالة في الثورة السورية الكبرى، وعلى الرمز الوطني الكبير الذي شكله سلطان باشا الأطرش.

ورغم محاولات نظام الأسد المتكررة تهميش رمزية "الباشا"، من خلال تزوير التاريخ والتركيز على دور قيادات أخرى في الثورة السورية على حساب تقليل أهمية دور سلطان الأطرش كشخص، ودور أبناء السويداء كثوار حقيقيين وأساسيين في تلك الثورة، إلا أن هذه المحاولات بقيت خجولة، حتى وفاة "الباشا" في 1982، حيث بدأ نظام حافظ الأسد بعدها محاولات أوضح وأقوى لتحطيم ذلك الرمز، بدأت من المماطلة بإنشاء صرح يناسب قيمة سلطان الأطرش، ليستمر العمل فيه أكثر من عشر سنوات، ثم قامت السلطات بمنع الاحتفال بتاريخ وفاته، الذي يصادف في 26 مارس/آذار، بحجة جمع ذلك الاحتفال مع احتفال عيد الاستقلال في 17 أبريل/نيسان. لكن الأمر في الحقيقة كان أكبر وأعمق، حيث بدأت قوات النظام، بعد عدة سنوات، باعتقال كل من يحاول الاحتفال بتاريخ وفاة سلطان باشا الأطرش، ونشر عناصر مسلحة على مداخل قريته القريا، لمنع وصول أي زائر إلى ضريحه. واستمرت محاولات طمس وتهشيم الرمز الوطني لمحافظة السويداء، مثله مثل كل الرموز الوطنية في سورية، خصوصاً بعد انطلاق الثورة السورية، لتقوية رموز جديدة من أزلام النظام، شملت كل المناصب التقليدية في المحافظة، بما فيها "شيوخ العقل"، وهو المنصب والمرجع الديني الأعلى لأبناء السويداء، التي كرس نظام الأسد كل جهوده لتحييدها عن المشاركة الفعالة في الثورة السورية في 2011.
وخلال الأسابيع الماضية بدأ نظام الأسد الابن بتمرير لعبة جديدة في المحافظة، حيث قامت قياداته الأمنية بمنح لقب "الباشا" لرجل يدعى "سيطان مرشد"، وهو معروف بارتباطاته الأمنية وعلاقاته الوثيقة مع جهات إيرانية، إضافة إلى علاقته المفضوحة مع وئام وهاب، الحليف اللبناني الدرزي لنظام الأسد. ويتاجر مرشد، حسب العديد من الأهالي، بتهريب مادة "المازوت الداعشي" من السويداء وإليها، وهو ما أثار موجة استياء عامة في المحافظة أخذت طابع السخرية والتهكم، خصوصاً مع حدث مشابه آخر سبقه بأيام، وهو منح لقب "أمير" لأحد أذناب النظام أيضاً، وهو "كمال أبو عساف".

وفي هذا الصدد، أكدت الناشطة الإعلامية، نورا الباشا، لـ"العربي الجديد"، أنه كان لهذه الألقاب تأثير على المجتمع المحلي في المحافظة في الماضي، "لكن التطور الفكري أبطلها، لا سيما بعد وفاة أشخاص كانوا يحملونها، وكانت لهم مكانة كبيرة واحترام لدى سكان المحافظة". وأشارت إلى أن "النظام اختار أزلاماً له ومنحهم ألقاباً فارغة، لكن سرعان ما تحول هؤلاء إلى مادة للسخرية، والتندر". وبحسب منصور العياش، أحد أبناء السويداء، فإن "لقب الباشا أطلق فقط على قائد الثورة سلطان الأطرش، أما لقب الأمير فكان يطلق على أصحاب المضافات الكبيرة في الجبل، ومعظمهم كانوا من عائلة الأطرش الإقطاعية، أو من عائلات كبيرة أخرى، بينها عائلة مرشد. أما لقب الباشا فيعني لأهل السويداء سلطان الأطرش، كما أن سلطان الأطرش يعني الباشا". وأضاف "هذا اللقب لا يمنح إلا لمن قام بالثورة وحرر البلد من الاستعمار، لأنه لقب يفتخر به أبناء المحافظة". وعن "الباشا" الجديد، يقول العياش "يريد النظام أن يذل أهل السويداء بإعطاء هذا اللقب لأكثر الناس سوءًا في المحافظة، فاختار اللص مهرب المازوت الداعشي ومنحه هذا اللقب. وما أريد قوله على الملأ أن لا باشا سوى سلطان الأطرش".

من جهته، قال الناشط في السويداء، الدكتور فاضل الخطيب، "يبدو أن ظهور ألقاب، مثل أمير وباشا، اليوم، بما تحمل من اختلاف جذري عما كانت عليه قديماً، والترحيب بها من قبل فئة من الناس، استمرار لمحاولة تفكيك البنية الاجتماعية للجبل بغلاف عشائري، ظاهره خلق مركز أو مراكز لالتفاف الناس حول شخصية زعامية، في غياب نخبة ثقافية وسياسية وعلمية لها حضورها وتأثيرها. وما يؤكد وجود أيادٍ مخابراتية، كالتي عملت سابقا على تهميش سلطان الأطرش، أن الكثير من أنصار هذه الصرعة، كانوا بالأمس يعتبرون أن إطراء على سلطان الأطرش ورمزيته، ضرب من التخلف الاجتماعي".

لقد لعب النظام الأمني في السويداء، منذ بداية الثورة، على تفكيك البنية الاجتماعية للمحافظة، وذلك بهدف زعزعتها داخلياً، ما يسهل التحكم فيها وإبعادها بطرق مختلفة عن المشاركة في الثورة مع بقية المحافظات. وقد استطاع فعلاً خلال السنوات الخمس الماضية زرع أشكال مختلفة من الفتن بين أبنائها، مع تحطيم شبه كامل للزعامات التقليدية والدينية فيها وإفراغها من قيمها، عن طريق التخلص المباشر من بعض القيادات الوطنية أو بعض الزعامات التي كانت تشكل خطراً عليه، مثل "الشيخ أحمد الهجري، الذي عرف برفضه لدعم النظام وموقفه الحاد ضد وئام وهاب الذي حاول تسليح المحافظة وإدخالها عنوة في حرب طائفية مع جارتها درعا، وكذلك الشيخ وحيد البلعوس، الذي رفض تجنيد أبناء السويداء في الجيش السوري والمشاركة في قتل الشعب السوري"، أو إلحاق العديد من الزعامات الموجودة حالياً في أجهزته الأمنية المختلفة، عن طريق منحهم سلطات واسعة أو إغراءات مادية كبيرة، أو حتى عن طريق التهديد في حالات أخرى، وهو ما تسبب بحالة فراغ حقيقي في المرجعيات، وانقسامات كبيرة بين أبناء المنطقة. واعتبر الخطيب أن "الفراغ السياسي والفوضى التي تعم الجبل، ساهم في محاولة الأمن لملئه بما هو أسوأ من الفراغ ذاته، بعد أن حوّل الأمراء الأصليين (أمراء الأطرش في دار عرى) إلى ديكورات صورية فقط، كما سمح لبعضهم بتهريب المازوت، كما يُشاع، ليتحولوا إلى مجموعة ليست خارجة على القانون فقط، بل خارجة عن العادات والأخلاق الجبلية".

ومن اللافت للنظر تزامن إطلاق الألقاب الجديدة من باشا وأمير مع زيارة العقيد الروسي في قاعدة حميميم في ريف اللاذقية يوري زامانوف، برفقة نائب رئيس المكتب التنفيذي التابع لحكومة النظام في محافظة السويداء، المهندس أنور زين الدين، وعدد من مسؤولي النظام في السويداء، "مضافة" سلطان باشا الأطرش في قرية القريا، ذات القيمة الاجتماعية الكبيرة لدى سكان المحافظة، في خطوة أخرى لكسر مقدسات المنطقة وتشويهها، خصوصاً أن هذه "المضافة" كانت يوماً غرفة عمليات حقيقية في مقاومة الاحتلال الفرنسي، وقام الفرنسيون بإحراقها عند ملاحقتهم لسلطان باشا الأطرش، ما أعطاها قيمة رمزية تتمثل بدحر المحتل الفرنسي عن البلاد، وهو أيضاً ما أكد أن زيارة الوفد الروسي إلى هذا المكان بالذات ما هي إلا إهانة جديدة وواضحة من النظام والاحتلال الروسي لكل مقدس وتاريخ يشكل هوية السوريين هناك.