هواجس أميركية من محاربة "داعش": تحجيمه محلياً يحرّره عالمياً

هواجس أميركية من محاربة "داعش": تحجيمه محلياً يحرّره عالمياً

25 مايو 2016
غارة أميركية على "داعش" بمصراته في فبراير (حازم تركية/الأناضول)
+ الخط -

تتبنى الولايات المتحدة في الحرب التي تقودها ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، استراتيجية ثلاثية الأعمدة، هي الضربات الجوية، والعمليات الخاصة، والشركاء المحليون. ولجأت إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى هذه الاستراتيجية الثلاثية سعياً منها لتفادي التورط في حرب بريّة شاملة غير مضمونة النتائج.

ويعتقد بعض الخبراء من بينهم مؤسس مشروع "غراوند تروث" البحثي في مدينة بوسطن الأميركية، تشارلي سينوت، أن استراتيجية أوباما تحقق نجاحاً في كبح جماح التنظيم، لكن الخبير الأميركي يحذر من تشديد الخناق على التنظيم في معاقله الرئيسية بسورية والعراق خشية أن ينجم عن ذلك تحويل المدن الغربية إلى ساحة بديلة للمجابهة.

ويبرر الخبير الأميركي هذه المخاوف بالقول إن "أي تقدم نحرزه باتجاه سحق التنظيم، فإن النتيجة ستكون لجوء قياداته وعناصره إلى تدابير، تتخذها عادةً الجماعات الإرهابية كافة، وهي تتمثل في البحث عن مكان بديل للانتقام منا من خلال تنفيذ هجمات يزهقون خلالها أرواح أكبر عدد ممكن من مدنيينا". وتعزز الدروس المستفادة من تصعيد الضربات على عناصر التنظيم في سورية والعراق صحة هذا الرأي، إذ إن هجمات باريس وبعدها هجمات بروكسل حدثت عقب تكثيف الضربات الجوية والعمليات الخاصة ضد تنظيم "داعش" واستهداف عناصر قيادية رفيعة المستوى من قياداته.

وكانت استراتيجية الأمن القومي الأميركي التي أعلنها البيت الأبيض أوائل العام الماضي قد تضمنت التشديد على إقامة تحالفات دولية ضد الإرهاب ودعم الشركاء المحليين. وتعهدت إدارة أوباما في الاستراتيجية "بتدريب وتجهيز الشركاء المحليين وتوفير الدعم الميداني لهم لانتزاع الهيمنة على الأرض من الجماعات الإرهابية".


لكن المخاوف من نتائج تصعيد الحرب ضد "داعش"، محلياً، لا تقتصر على بعدها الغربي بل تشمل كذلك احتمال انتشار التنظيم في المنطقة بحثاً عن معاقل بديلة أو ملاذات آمنة خارج العراق وسورية، وعلى وجه الخصوص في ليبيا القريبة جغرافياً من أوروبا.

ليبيا: سباق بين الإرهاب والأغراب
وجود "داعش" في ليبيا أصبح مقلقاً للغرب وأصبح التنظيم يعمل جاهداً على جعل الأراضي الليبية بديلاً جاهزاً لأي رحيل إجباري لقياداته من المشرق العربي إلى المغرب العربي. ومن المؤشرات المؤكدة على ذلك أن وزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون) بدأت تطبيق الاستراتيجية الأميركية ثلاثية الأبعاد دون موافقة الكونغرس، وبزخم يتصاعد يوماً بعد يوم، الأمر الذي ينذر بأن الجهد المبذول ضد التنظيم في ليبيا قد يضاهي يوماً ما العمليات التي تُشنّ ضده في معاقله الرئيسية في العراق وسورية.

وإلى جانب الغارات الجوية، التي تنفذها الطائرات الأميركية ضد أهداف داخل الأراضي الليبية بين الحين والآخر، فقد كشفت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية الأسبوع الماضي أن قوات أميركية خاصة تمركزت شرق وغرب ليبيا منذ أواخر عام 2015، وكلفت هذه القوات بالعمل على تنفيذ البعد الثالث من الاستراتيجية وهو يتمثل بكسب شركاء محليين يمكن التعاون معهم لاحقاً في العمل ضد "داعش". ورأت الصحيفة أن زرع مجموعات من الجنود الأميركيين، مهما كان عددهم محدوداً، في بلد يموج بخطر المتشددين، يعكس مدى قلق إدارة أوباما من "داعش" في ليبيا، ويؤكد استعداد المؤسسة العسكرية الأميركية لشن حرب أكثر شمولاً، مستقبلاً، على التنظيم في ليبيا، خصوصاً في معقله الجديد، مدينة سرت الساحلية.

كما يعكس إرسال مجموعات خاصة إلى ليبيا مدى الأهمية التي توليها إدارة أوباما للعمود الثاني من أعمدة استراتيجيته، وهو العمليات الخاصة الساعية لتدمير الملاذات الآمنة للإرهابيين، وقتل أو اعتقال العناصر القيادية في تنظيماتهم. ويعمل الأميركيون، في هذا السياق، جنباً إلى جنب مع قوات فرنسية وأوروبية أخرى مماثلة.

ويبقى البحث عن شركاء محليين هو العنصر الأكثر صعوبة في ليبيا، حيث تنقسم البلاد بين حكومتين إحداهما في شرق ليبيا والثانية في غربها. وفضلا عن ذلك، فإن الفصائل العسكرية التي يعتقد الغرب أن لديها الاستعداد للعمل ضد "داعش"، بوصفها شريكاً محلياً مناهضاً لهذا "التنظيم"، لا تزال عاجزة عن توحيد جهودها، الأمر الذي يعكس بوضوح التناقضات السياسية التي تفرّق بين هذه الفصائل.

وتبعاً لهذه الانقسامات، توجد ثلاثة فصائل ذات مراكز قيادة منفصلة عن بعضها، معنية بمتابعة وتوجيه الهجوم على "داعش" في سرت، هي فصيل القوات الموالية لمصراتة، التي تعترف بحكومة الوفاق في طرابلس برئاسة فائز السراج، وقوات اللواء خليفة حفتر، فضلاً عن فصيل ما كان يُعرف بحكومة الإنقاذ في طرابلس ورئيسها خليفة الغويل، الذي لا يزال يتمسك بسلطته.


كما يعتقد بعض المسؤولين الأميركيين، وفقاً لما أوردته "واشنطن بوست"، أن الدعم الفرنسي والعربي لحفتر من شأنه أن يقوّض حكومة الوحدة ويجعل مهمتها في مكافحة "داعش" أكثر صعوبة. وخلصت "واشنطن بوست" في تقريرها إلى أنه ليس من السهل العثور على ليبيين مستعدين للشراكة مع قوى أجنبية، وذلك بسبب شدّة حساسيّة الليبيين تجاه أية قوات أجنبية، وكذلك بسبب حراجة الوضع الناجم عن غياب سلطات الدولة الليبية.

تجدر الإشارة إلى أن تحقيق هدف إيجاد شريك محلي قوي، يمكن للأميركيين والأوروبيين الاعتماد عليه، يتطلب حصول خطوات عدة، أهمها أنْ تتمكن حكومة الوحدة، التي تشكلت بعد محادثات السلام برعاية الأمم المتحدة، من إنهاء حالة الانقسام، كي يتسنى لها شرعنة الطريق أمام دخول المزيد من القوات الغربية إلى ليبيا والعمل سوياً مع الشركاء المحليين.

شراكة مع الغرب وبال على العرب
في هذا الصدد، ترى الباحثة الأميركية البارزة، ميشيل دن، أن "شراكة الولايات المتحدة مع حلفائها العرب ضد الجماعات الإرهابية أمر ضروري لكنه يتسم بالإشكالية أيضاً". وأعربت الباحثة في تحليل لها صادر عن مركز "كارنيغي" للأبحاث، عن شكوك أميركية من أن بعض الشركاء العرب يغذون التطرف بالتوازي مع محاربته. وتقترح الباحثة الأميركية على حكومة بلادها أن تتعامل مع الأطراف العربية الأقدر على مكافحة التطرف وليس مع الحكومات القمعية. أما الباحث في المركز نفسه، فريدريك ويري، فيرى أنه يتوجب على الولايات المتحدة السعي لإقناع الأنظمة العربية بمواجهة الأسباب الجذرية للتطرّف، وفي الحدّ الأدنى، وقف تغذيته، كما يحذر من اعتماد أيّ تعريف للإرهاب يمكن أن يُستَغل لاستهداف الخصوم السياسيين للحكومات العربية، لافتاً إلى أن من شأن تعاون واشنطن مع أجهزة المخابرات والأمن العربية، في حد ذاته، أن يؤدي إلى تقويض نجاح الحرب ضد الإرهاب. ويشير الباحث الأميركي دوماً في تعليقاته التلفزيونية وتصريحاته الصحافية، إلى أهمية التعاون الأميركي مع العرب في مواجهة "داعش"، لكنه يحذر في الوقت ذاته من تقديم مساعدات تقنية أميركية للأنظمة القمعية دون فرض رقابة على تلك الأنظمة بشكل يكفل منع استخدام التقنيات الأميركية لأغراض سياسية تزيد من إيقاد مشكلة الإرهاب بدلاً من تسهيل مكافحته.

وفي ما يتعلق بالشراكة مع دول الخليج العربي على وجه التحديد، يعتقد أستاذ دراسات الشرق الأوسط في كلية لندن للاقتصاد، فواز جرجس، حسب تصريحات نقلها عنه راديو "سوا" الأميركي، أن مشاركة الحلفاء العرب للولايات المتحدة في الحرب على تنظيم "داعش" تقلصت بسبب توجه الاهتمام نحو التحالف العربي ضد الحركة الحوثية في اليمن.

لكن محللين آخرين يلفتون النظر إلى أن مخاوف بعض الدول العربية من تعرّضها لأعمال انتقامية من جانب "تنظيم الدولة"، جعلها تحاول تجنب الإفراط في التورط بالحرب ضده. يزعم هؤلاء المحللون، في هذا الإطار، بأن دول الخليج والأردن ومصر تبدو اليوم أقل حماسة لاستهداف "داعش" من ذي قبل، وذلك تفادياً لإسداء خدمة مجانية لأنظمة معادية قائمة في دمشق وبغداد وطهران.