الحدود العراقية السعودية: أبراج وخنادق لا تلغي مخاوف الرياض

الحدود العراقية السعودية: أبراج وخنادق لا تلغي مخاوف الرياض

17 يناير 2020
جنود عراقيون على الحدود مع السعودية (حيدر حمداني/فرانس برس)
+ الخط -

أعاد انفجار سيارة مفخخة على الحدود العراقية - السعودية، أمس الخميس، توجيه الأنظار إلى هذه المنطقة، التي يسيطر عليها خليط من مليشيات عراقية مرتبطة بإيران، أبرزها كتائب "حزب الله"، و"النجباء"، و"الخراساني"، و"الإمام علي".

وقال مسؤولون عراقيون في قيادة قوات حرس الحدود إن ضابطاً قُتل وأصيب خمسة عناصر أمن بانفجار سيارة مفخخة على جانب طريق عام في بلدة النخيب الحدودية مع السعودية، في هجوم هو الأول من نوعه في المنطقة منذ عامين. وأشار مسؤول عراقي رفيع المستوى في قيادة قوات "المنطقة الرابعة"، المكلفة تأمين المنطقة الحدودية العراقية ـ السعودية، إلى انطلاق عمليات تفتيش واسعة بحثاً عن منفذي الهجوم.

ويأتي الهجوم بعد تأجيل غير مفسر من قبل السلطات العراقية لافتتاح منفذ عرعر الحدودي بين العراق والسعودية على الرغم من الإعلان الشهر الماضي عن موعد افتتاح رسمي، غير أنه تم إلغاؤه من قبل الجانب العراقي.

ووفقاً لمصادر رسمية عراقية، فإن المعبر المخصص للأفراد والقوافل التجارية جاهز للافتتاح من الناحية اللوجستية والفنية المتعلقة بطواقم الأمن وغيرها، لكن مكتب رئيس حكومة تصريف الأعمال عادل عبد المهدي أبلغ الجانب السعودي بتأجيل خطوة الافتتاح. وأجّلت السلطات العراقية مرتين، منذ مطلع ديسمبر/كانون الأول الماضي، افتتاح منفذ عرعر لأسباب مجهولة، رغم اكتماله ورغبة السعوديين بافتتاحه.
وكان العراق والسعودية أعلنا، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي استعدادهما لافتتاح منفذ عرعر البري الحدودي بين البلدين، عقب ثلاثين عاماً من إغلاقه. ويقع المعبر البري من جهة العراق في محافظة الأنبار الحدودية مع السعودية في مدينة تُعرف باسم "جديدة عرعر"، ويطلق على المعبر اسم معبر عرعر، من قبل كلا الجانبين. ويتصل العراق بحدود برية مع السعودية تبلغ 820 كلم تقريباً، تمتد من الأنبار غرباً حتى المثنى جنوباً. 

وجاءت الخطوة بعد إطلاق القوات العراقية في 20 سبتمبر/أيلول الماضي، عملية واسعة تحت اسم "إرادة النصر 5"، شملت صحراء الأنبار ومناطق في كربلاء والمثنى تنتهي عند الأراضي العراقية السعودية جنوب وجنوب غربي العراق، استمرت أيام عدة. وأعلن متحدث عسكري عراقي أنها أسفرت عن نتائج مهمة، أبرزها تأمين تلك المنطقة بشكل كامل، وذلك بعد أسابيع على إعلان وزارة الخارجية العراقية عبر المتحدث باسمها أحمد الصحاف، بدء سلسلة اجتماعات للتنسيق الأمني بين السعودية والعراق بحضور مسؤولين أمنيين من البلدين، جرت في الرياض.

كما كان رئيس الوزراء العراقي المستقيل عادل عبد المهدي تعهد على هامش زيارة سريعة له إلى السعودية في أواخر سبتمبر الماضي التقى خلالها بالعاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد محمد بن سلمان، بأنّ العراق لن يسمح بأن تكون أرضه مصدر تهديد لأمن السعودية، مؤكداً أنه نقل رسالة طمأنة إلى السعوديين بأنه لا شيء سيء سيأتي لهم من العراق.

وفي موازاة التطمينات العراقية، اتخذت السلطات السعودية إجراءات مشددة على امتداد الحدود العراقية ــ السعودية، البالغة مساحتها نحو 820 كيلومتراً، تشمل نصب أبراج مراقبة جديدة وحفر خنادق لا ترى منها إلا الجرافات والحفارات العملاقة التي تعلو محيطها الأتربة، وكاميرات مراقبة، فضلاً عن علامات تحذير إضافية، غالبها يمكن أن يقرأ بوضوح من الجانب العراقي: "قوة مخولة بالقتل".
في المقابل، كان العراقيون يكتفون بالمراقبة من خلال قوات حرس حدود المنطقة الخامسة ووحدات من قيادة عمليات الأنبار، وقيادة عمليات الفرات الأوسط، بينما بدا وجود المليشيات في المنطقة أقلّ من قبل، وسط معلومات متضاربة بين أنها أعادت انتشارها في مناطق أخرى على الحدود، وبين أنّ العراق انصاع لرغبة السعودية وسحب تلك الفصائل واستبدل بها قوات نظامية.

وفي السياق، أوضح المقدم أحمد جاسم الفتلاوي، أحد ضباط الجيش العراقي المرابطين على الحدود الفاصلة بين البلدين، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "القوات السعودية قامت بعمليات تحصين واسعة على حدودها مع العراق، هي الأولى من نوعها منذ عام 2014"، مؤكداً أنّ "السعوديين يقيمون تحصينات جديدة وأسوار خراسانية عالية وأبراج مراقبة، ويضيفون علامات تحذير وأسلاك شائكة وكاميرات حرارية".

وتابع الفتلاوي "الحدود منبسطة وعبارة عن صحراء واحدة، لذا يمكن رؤية جميع ما يجري هناك"، مستدركاً "من ناحيتنا (القوات العراقية) ننتشر بشكل جيد، ولا يوجد ما يعبر للسعودية إلا الحباري"، في إشارة إلى طيور الحباري العراقية التي تنتشر في الصحراء الغربية. وشدد على أنّ "القوات العراقية تقوم بدوريات راجلة وأخرى عبر أرتال عسكرية بشكل مستمر، والحدود آمنة".

من جهته، أكد مسؤول في قوات حرس الحدود العراقية، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، أنّ "السعوديين نصبوا في سبتمبر الماضي منظومات دفاع جوي ورصد ومراقبة على الجانب المقابل للعراق". وأضاف "بعد عام 2003، كان العراق يخشى تسلل إرهابيي القاعدة ومن بعدهم داعش إليه، فالكثير منهم فجروا أنفسهم بين الأبرياء، أمّا اليوم، فالصورة باتت معكوسة: السعوديون هم من يخشون من الحدود لا نحن". وأوضح أنّ "الأعمال التي قام بها السعوديون أتت بعد أيام من الهجوم الذي استهدف منشآت أرامكو (في 14 سبتمبر)، واتهام العراق بأنه كان مصدراً أو معبراً للهجوم". وشدد المسؤول على أنّ "بعض الفصائل المسلحة انسحبت من الحدود إلى مناطق أخرى، بناء على رغبة السعوديين، التي وافق عليها العراق".

غير أنّ علي اللامي، وهو مسؤول في هيئة "الحشد الشعبي" بمدينة السماوة عاصمة محافظة المثنى الحدودية مع السعودية جنوبي العراق، نفى في حينه لـ"العربي الجديد" أن تكون هناك عملية انسحاب، قائلاً إن "الحشد جزء من المنظومة الأمنية العراقية، ولا يجب تسميتها مليشيات". وأوضح، في حديث مع "العربي الجديد"، أنها "عمليات تحريك وتنقل مستمرة على طول الحدود التي تمتدّ من النخيب في الأنبار المقابلة لعرعر السعودية، وتنتهي عند مثلث الزبير ونقرة السلمان العراقيتين والمقابلتين لحفر الباطن ورفحاء السعوديين، كما هو الحال مع قوات الجيش وحرس الحدود العراقيين في المنطقة ذاتها".


ومنذ عام 2015، تنتشر مليشيات متعددة أغلبها ترتبط بالحرس الثوري الإيراني على الحدود العراقية السعودية، أبرزها كتائب "حزب الله" العراقية، و"النجباء"، و"العصائب"، و"الخراساني"، و"المختار الثقفي"، و"الطفوف"، و"سرايا الجهاد"، و"سيد الشهداء"، و"الإمام علي". وتنواجد هذه الفصائل في مناطق مثل النخيب وجديدة عرعر وآبار الحجّاج والواحة، والمعبر والناصية والهبارية والمسلك، والتي تقع تحت نفوذ قبائل عربية يعود تاريخ تواجدها هناك إلى عصور ما قبل الإسلام، مثل عنزة وشمر وقيس وقحطان وزبيد وبطون عربية أخرى. علماً أنّ تواجد هذه القبائل أصبح أقل بكثير في هذه المناطق بسبب عمليات تضييق وانتهاكات واسعة تعرضت لها من تلك المليشيات خلال السنوات الماضية.

في السياق، تحدّث عضو المجلس البلدي في مدينة النخيب، جاسر نايف، عمّا وصفه بـ"قلق السعوديين من حدودهم الشمالية مع العراق"، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "هناك من يحاول شيطنة الملف الحدودي بين العراق والسعودية كمنفذ، لدفع العراق أكثر إلى خانة الصراع الجاري في المنطقة بين طهران والأميركيين وحلفائهم".

بدوره، أكد رئيس لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، محمد رضا، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ حدود بلاده "مؤمنة بالكامل مع السعودية"، مضيفاً: "تم تزويد قواتنا على الحدود بأجهزة وكاميرات حديثة وبقوات مدربة عالية الكفاءة، وهناك تعاون جيّد بين العراقيين والسعوديين على مستوى قيادات قوات حرس الحدود". وتابع "لكن التحصينات التي تجريها السعودية، وهي من حقها بالتأكيد، تنمّ عن توجس أو خوف من هجمات مستقبلية عبر الحدود العراقية تستهدفها، بسبب الأزمة الأخيرة بين السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية"، مشيراً إلى أنّ "تطوّر الهجمات والاتهامات أيضاً استدعى منها هذا الإجراء، فهم يربطون الخطر بما يقولون عنه جماعات موالية لإيران، لكننا نؤكد أنّ العراق يسيطر على حدوده ولن يسمح لأي شخص التجاوز على السعودية ويجب أن يعرف السعوديون بأن هذه سياسة ثابتة لنا كدولة".

أما الخبير في الشأن الأمني العراقي، أحمد الحمداني، فأكد أنّ "إمكانية تسلل مسلحين إلى السعودية من العراق أو العكس باتت فرصها ضعيفة جداً، وأقل من أي وقت مضى، غير أن الخطر الحالي هو المسيّرات والصواريخ المتوسطة، فأقرب مدينة سعودية تبعد عن الحدود العراقية أكثر من 40 كيلومتراً، ما يعني أنّ قذائف الهاون أو صواريخ الكاتيوشا لا تصل إليها".

وتابع الحمداني في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "التعزيزات للسعوديين قد تكون من ناحية أن 800 كيلومتر لا يمكن السيطرة عليها تماماً عبر الجهد البشري، إذ يتطلب ذلك عشرات آلاف الجنود والمراقبين، لذا عمدت إلى حفر خنادق جديدة ورفع سواتر ترابية وأسلاك شائكة، لكن برأيي تعزيزاتها الحقيقة هي ما بعد تلك الخنادق والسواتر، كمنظومات الدفاع الجوي وأجهزة الرصد، تحسباً من هجمات جديدة، على غرار هجمات أرامكو".