ترامب وصراع البلاط: الأسرة الحاكمة في واشنطن تترنح

ترامب وصراع البلاط: الأسرة الحاكمة في واشنطن تترنح

21 يوليو 2017
ترامب وعائلته خلال مراسم تنصيبه رئيساً (ماندل نغان/فرانس برس)
+ الخط -
على عكس الرؤساء قبله الذين خرجوا من المؤسسات الحاكمة مثل الأحزاب السياسية أو الكونغرس أو الجيش حيث تم اختبار قدراتهم وعلاقاتهم ومواقفهم، جلب دونالد ترامب معه عائلته ومساعديه لاتخاذ قرارات من خارج أطر هذه المؤسسات، ليكون الوضع أمام ما يشبه الدولة السلطانية حيث السياسات تتبلور نتيجة صراع البلاط وليس عبر التنافس البيروقراطي التقليدي في واشنطن. خاض ترامب معركته الرئاسية مستنداً إلى ثلاث ركائز دعم: العائلة، المؤسسة التجارية التي يديرها، ودائرة صغرى من الأصدقاء والمساعدين.

على مشارف استلام السلطة نهاية العام الماضي، بدأت التصفيات تتوالى بين مجموعة كانت غير متجانسة وبدون أي خبرة في الحكم. العائلة أطاحت بالدائرة الصغرى من الأصدقاء النافذين مع تنحية حاكم نيوجيرسي كريس كريستي عن قيادة المرحلة الانتقالية وتهميش كل من عمدة مدينة نيويورك السابق رودي جولياني ورئيس مجلس النواب السابق نيوت غينغريتش. بعدها بدأت التحقيقات في ملف التواطؤ المحتمل مع روسيا تصطاد تباعاً مساعدي ترامب الأوفياء الذين دعموه منذ البداية، ولعل أبرزهم كان مستشار الأمن القومي الأسبق مايكل فلين.

كما تمسّك ترامب بعلاقة ملتبسة مع أعماله التجارية. رئيس مكتب الأخلاقيات الحكومي والتر شاوب أعلن أخيراً استقالته بعد صدام مع البيت الأبيض لأن هذه الهيئة الحكومية المستقلة أوصت الرئيس ببيع المؤسسات التجارية التي يملكها لتفادي "تضارب المصالح". لكن بدل ذلك وضع ترامب ممتلكاته في صندوق ائتماني يديره أولاده أريك ودونالد جونيور، وهو لا يزال يطّلع دورياً على تقارير المؤسسة الربحية.

خلال كل هذه التطورات المتسارعة، بقيت العائلة خطاً أحمر آخر لترامب. قانون المحسوبية الذي يمنع العائلة من تولي أي منصب حكومي لم يردعه من إدخال ابنته إيفانكا وصهره جاريد كوشنير إلى البيت الأبيض. الفتوى التي أصدرتها وزارة العدل أن البيت الأبيض ليس وكالة تنفيذية وبالتالي لا يشمله قانون المحسوبية، ما سمح للثنائي العمل بصفة مستشار بدون راتب لكن مع تصريح أمني في غاية السرية. الطرف الوحيد الذي تجرأ على مواجهة العائلة، وحتى كسب بعض المعارك ضدها، هو التيار المحافظ في البيت الأبيض الذي يقوده كبير المستشارين ستيف بانون.


قضية تدبير اجتماع العام الماضي بين دونالد جونيور ومحامية روسية، باعتبار أن لديها معلومات من المدعي العام الروسي تدين هيلاري كلينتون في خضم الموسم الانتخابي، أعادت تسليط الضوء على كل مكامن الخلل عند ترامب ومحيطه وشبكة الاتصالات والاستثمارات العابرة للقارات. وكيل إعلامي بريطاني يتصل بدونالد جونيور وينقل رسالة من نجم موسيقى البوب الروسي إيمين ألغاروف الذي هو نجل أحد أكبر أقطاب مجال العقارات الروسي المعروف بقربه من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

بالإضافة إلى البعد القانوني ودخول المحقق الخاص روبرت مولر على خط التحقيق، قضية اجتماع دونالد جونيور تهز "تحالف العائلة". أولاً هناك الشكوك حول من سرّب البريد الإلكتروني حول عقد هذا الاجتماع لصحيفة "نيويورك تايمز"، هل هو كوشنير أم مكتب التحقيق الفيدرالي "أف بي آي" أم الطرف الروسي؟ ثانياً، كوشنير لم يكشف عن حضوره هذا الاجتماع خلال الاستجوابات لنيل تصريحه الأمني وهذا يعتبر جناية بحسب القانون الأميركي، لكن يمكن لكوشنير القول إن هذا الاجتماع سقط سهواً من باله. إيفانكا أيضاً تواجه مشاكلها الخاصة لكن بعيداً عن ملف التحقيق الروسي. خلال قمة مجموعة العشرين الأخيرة في ألمانيا، خرج ترامب لبعض الوقت من القاعة لتحضر ابنته نيابة عنه جلسة حول تمكين المرأة في العمل التجاري، وهذا أمر غير مسبوق في العرف الأميركي أو حتى الدولي.

طبعاً هذه ليست أول مرة تؤدي العائلة دوراً في حكم الرئيس. جون كينيدي اعتمد على نصائح أخيه روبرت الذي كان مستشاره ووزير العدل، بعدها أقر الكونغرس قانون مكافحة المحسوبية عام 1967 للتأكد من عدم تسلم أفراد من العائلة الرئاسية مناصب حكومية حساسة. في ولاية بيل كلينتون كانت هيلاري مستشارة بدون راتب لقضايا الرعاية الصحية. وخلال عهد جورج بوش الابن، أدى بوش الأب دوراً خلف الكواليس، لا سيما بعد تعثر ابنه في العراق وخسارته انتخابات الكونغرس النصفية عام 2006.

لكن في حالة ترامب دور العائلة يتضخم ويتقاطع مع المصالح التجارية ومع ملف التحقيق الروسي الذي يحول دون قدرة الرئيس على الحكم. وبعد ضغوط متواصلة منذ شهر مارس/آذار الماضي، سيدلي كوشنير بشهادة بعيدة عن الاعلام أمام لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ يوم الاثنين المقبل في أول محاولة جدية للتحقيق في طبيعة الأدوار التي لعبها. وفي اليوم ذاته، سيدلي دونالد جونيور بشهادة مماثلة أمام اللجنة القضائية في مجلس الشيوخ لكنها ستكون على الأرجح مفتوحة للإعلام. الأسبوع المقبل ستكون عائلة ترامب تحت المجهر، ما يفسر المواقف التصعيدية التي يطلقها الرئيس الأميركي ضد وزارة العدل التي تشرف على التحقيق في الملف الروسي.

المعركة الرئيسية لبقاء الأسرة الحاكمة في البيت الأبيض هي رهينة مصير كوشنير، لأنه نقطة تقاطع رئيسية في شبكة اتصالات ترامب وفي إدارة ملفات داخلية وخارجية يتابعها البيت الأبيض.

التحقيقات في الملف الروسي التي تقودها وزارة العدل والكونغرس تركز الآن على احتمال وجود تنسيق ما بين العمليات الرقمية لحملة ترامب (التي كان كوشنير يشرف عليها) والقراصنة الروس خلال الحملة الرئاسية، وبالتالي أصبح صهره "شخصا ذا اهتمام" في التحقيق. والمعركة تتمحور الآن حول إنهاء مفعول التصريح الأمني لكوشنير أي إنهاء نفوذه في البيت الأبيض، وإذا ما سيتدخل الرئيس لإنقاذه أم، في حال تصاعد الضغوط بشكل لا يُحتمل، هل يضطر الرئيس لتقديم صهره كبش فداء؟

تقول كاتبة سيرة ترامب الذاتية، غويندا بلير، إنه شخص "لا يثق إلا بعائلته". نحن أمام رئيس يأتي من عقلية أن البيروقراطية الفيدرالية فاشلة، وبالتالي يعتمد على العلاقات الشخصية أكثر من المؤسسات. ترامب بدون الأسرة الحاكمة سيكون منعزلاً وغير قادر على الحكم أو على الثقة بمستشاريه.