آخر وصايا بيريز: كل شيء في سبيل الدولة اليهودية

آخر وصايا بيريز: كل شيء في سبيل الدولة اليهودية

05 أكتوبر 2016
من تظاهرة ضد مشاركة عباس بجنازة بيريز(محمود حمس/فرانس برس)
+ الخط -


لم يتوقف الضرر الذي ألحقته مشاركة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، في جنازة الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز، على الكرامة الوطنية الفلسطينية سواء بمفهومها العميق أم بمفهومها الشعبي العام، بل تجاوز ذلك إلى منح صك غفران لبيريز وتتوجيه رجل السلام، وإن كان أنهى حياته الحزبية في الكنيست شريكاً ونائباً عن حزب كاديما الذي شارك في تأسيسه مع أريئيل شارون. بل تجاوز ذلك إلى منح شرعية، مهما كانت ضئيلة، للرواية الإسرائيلية التي يمثلها على الأقل بيريز، والتي ظل يعتنقها حتى أيامه الأخيرة.
في المقابل، أحدثت المشاركة الفلسطينية الرسمية ضرراً مباشراً بجزء حي من الشعب الفلسطيني ممن ظل أهله يعيشون في فلسطين الداخل، وعلى مجمل نشاطهم السياسي في الداخل، وفتحت الباب على مصراعيه لعملية الشيطنة التي يتعرضون لها بفعل عزوفهم عن المشاركة في جنازة بيريز، وكل ذلك عبر تلويح الإسرائيليين، من كبيرهم إلى صغيرهم، بمشاركة عباس، مما كان يوجب على ممثلي الفلسطينيين في الداخل "أن يكونوا تلقائياً" في الجنازة وفق المنطق الإسرائيلي، وربما أيضاً وفق المنطق السائد لدى قيادة السلطة الفلسطينية في مقر العزاء لاستقبال الوفد الفلسطيني برئاسة عباس.
عباس، الذي يقول موقفه المعلن بعدم الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية أو البيت القومي للشعب اليهودي، منح بيريز صفة رجل السلام "سلام الشجعان"، مع أن مقابلة أجريت مع بيريز في مركز أبحاث الأمن القومي، أظهرت أن الرجل يرى واقع إسرائيل ومكانتها اليوم، كتحصيل حاصل لما حدث في العام 1948.
وبيّن تسجيل فيديو للمقابلة التي أجريت مع بيريز قبل عامين، مع افتتاح مؤتمر مركز أبحاث الأمن القومي السابع، أن الرجل، وخلافاً للوهم الذي شارك عباس في محاولة تكريسه، لا يقيم للسلام الأهمية التي ادعاها من شارك في جنازته، بقدر ما يرى أنه "يجب إخضاع كافة الاعتبارات لتحقيق هدف الدولة اليهودية"، مستنكراً في الوقت ذاته محاولات "تخويف الإسرائيليين من أن يهوداً سيُقتلون اليوم، وقد أصبحت إسرائيل تملك جيشاً من أكثر جيوش العالم تطوراً وتسلحاً".
وفي المقابلة التي أجراها معه المؤرخ الإسرائيلي إيتمار رابينوبيتش، مع افتتاح المؤتمر المذكور في 18 يناير/ كانون الثاني 2014، وبعد سرده للحسم الذي أقره بن غوريون، بالقبول بقرار التقسيم لإقامة دولة يهودية على جزء من فلسطين التاريخية، وأفضلية ذلك على قيامها على كامل فلسطين (أرض إسرائيل حسب تعبيره طبعاً) بدون أغلبية يهودية، قال بيريز: "المسألة ليست مسألة أغلبية وأقلية (داخل الحركة الصهيونية وبين تياراتها). إذا كنا نريد أن نكون شعباً يهودياً فنحن بحاجة لدولة يهودية. وإذا كان هذا هدفنا، فيجب إخضاع كل الاعتبارات الأخرى من أجل تحقيق هدف إقامة الدولة اليهودية".


وأبدى بيريز سخطه الشديد على ما سماه ترهيب الإسرائيليين من خطر قتل اليهود، قائلاً بلهجة مستنكرة وغاضبة: "ما الداعي لهذا الخوف من أن يتم قتل اليهود اليوم، كان هذا الخوف في محله عام 1948 عندما كنا 600 ألف يهودي فقط مقابل أربعين مليون عربي، ولم يكن لدينا ولو حتى مدفعية واحدة، ولا دبابة أو طائرة في مواجهة جيوش سبع دول عربية، يومها لم نخف، ما الداعي لهذا الخوف الآن، هل صرنا أكثر ضعفاً، من أين يأتي هذا الخوف، قد تقع عمليات إرهابية في إسرائيل، نعم، ولكنها تقع أيضاً في روسيا ونيويورك".
وأضاف بيريز في المقابلة المذكورة: "ما حدث هو العكس من ذلك، فمنذ ذلك اليوم تغيّر كل شيء للأفضل، ولصالحنا، فبدلاً من 600 ألف تضاعف عددنا عشر مرات. نحن 6 ملايين وهم مليونان من الأقليات، وبدلاً من الهاغاناة التي كانت تملك سراً بضعة بنادق عادية وبعض البنادق الرشاشة، نملك اليوم أحد أفضل جيوش العالم. صحيح أننا عانينا من مشكلة انعدام العمق الجغرافي والخاصرة الضيقة، لكن لا يوجد اليوم شيء اسمه عمق جغرافي فقد تغلبت عليه الصواريخ". ما سر هذا الخوف كله، تساءل بيريز قبل أن يجيب: "يومها سمّينا أنفسنا دولة يهودية وكنا دولة يهودية، لذلك لا أرى سبباً لهذا التوجه في تخويف الناس".
وخلص بيريز إلى القول: "زيادة على كل ذلك، لم يفكر أحد في ذلك الوقت، ولم يجرؤ على أن يفكر، بأن تبرم دول عربية اتفاق سلام معنا، واليوم عندنا اتفاقيات سلام مع دولتين عربيتين، الأولى هي الأهم بين الدول العربية، مصر، والثانية هي الأقرب جغرافياً، صحيح أنه ليس سلاماً مثالياً لكن السلام أفضل من عدمه". وأشار في هذا السياق إلى أن تصريحات مصر اليوم ضد ما سماه "إرهاب حماس"، هي قاطعة، وكذلك الأمر بالنسبة للسعودية ودول الخليج.
أما في ما يتعلق بالحل المستقبلي للنزاع، فهو اكتفى بالقول في المقابلة المذكورة، إنه "لا توجد دولة في العالم لا تؤيد حل الدولتين، ونحن قادرون على ذلك رغم الصعاب والتحديات"، والتحديات الأساسية، بحسبه، هي بالذات الاقتصادية وليست الأمنية.