اعتراف ترامب بضمّ الجولان لإسرائيل: أخطر من هديّة لنتنياهو

اعتراف ترامب بضمّ الجولان لإسرائيل: أخطر من هديّة لنتنياهو

22 مارس 2019
مهدت الإدارة الأميركية لخطوة الاعتراف بضم الجولان (Getty)
+ الخط -

أثار اعتراف الرئيس الأميركي دونالد ترامب بـ"سيادة إسرائيل على هضبة الجولان" السوري المحتل، الكثير من الدهشة والخشية في الدوائر الأميركية المعنية بالسياسة الخارجية، لما ينطوى عليه هذا الاعتراف من خفّة وتجاهل لتداعياته وأبعاده الإقليمية والدولية المحتملة على المديين القريب والبعيد. ولهذا كاد أن يتحوّل إلى حديث الساعة في واشنطن، لولا الانشغال بمعلومات وإشارات في وقت متأخر أمس، عن احتمال صدور تقرير المحقق الخاص روبرت مولر اليوم الجمعة.

خطوة الجولان لم تكن بعيدة الاحتمال، ولو أنها لم تكن متوقعة بهذه السرعة، فالإدارة الأميركية مهدت لها أخيراً بتلميحات ناطقة.

في تقريرها الأسبوع الماضي عن "حقوق الانسان في 2018"، صنّفت وزارة الخارجية الأميركية الجولان في خانة  المنطقة "الواقعة تحت السيطرة الإسرائيلية"، وليس تحت الاحتلال، كما جرت العادة في ظلّ كافة الإدارات السابقة. وعند الاستفسار، زعمت وزارة الخارجية بأن التقرير "يصف" الوقائع كما هي على الأرض، وأن الاحتلال "حالة قانونية" لا علاقة للتقرير بها. كما زعمت بأنه "لا تغيير" في السياسة الأميركية تجاه الهضبة.

وأمس، أعطى وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، ومن إسرائيل، إشارات أوضح في حديثه مع الصحافة الأميركية المرافقة له في زيارته. حرص بومبيو على عدم نفي التسريبات عن الاعتراف المحتمل، كما لم يأت على ذكر التمسك بالسياسة المعمول بها، بل شدّد على أن وزارته تعمدت في تقريرها عن حقوق الإنسان استخدام عبارة "الجولان الواقع تحت السيطرة" وليس الاحتلال، "فقد فعلنا ذلك لسبب" كما قال. وبعد حديثه بساعات قليلة، كشفت تغريدة ترامب عن هذا السبب.


الرئيس الأميركي يقول إنه "بعد 52 سنة، حان وقت الاعتراف"، لأن الهضبة حاجة "استراتيجية وأمنية هامة لإسرائيل". حيثية واهية، وكأنّ لسارق المصرف أن يتذرع بحاجته إلى المال لشرعنة فعله.

الردود في واشنطن ربطت بين الخطوة، وبين وضع بنيامين نتنياهو غير المضمون في الانتخابات الإسرائيلية، بما اقتضى تقديم الاعتراف له كهدية لمساعدته على الفوز. ويندرج في هذه الخانة أيضاً توجّه بومبيو أمس مع نتنياهو إلى حائط المبكى، في مرافقة رمزية غير مسبوقة غرضها أن تصب في رصيد رئيس حكومة دولة الاحتلال.

لكن المسألة أبعد وأخطر من دواعيها الانتخابية والأمنية والرمزية. حصولها في زمن انهيار كيانات في المنطقة، لا ينفصل عن المداولات الجارية منذ فترة عن "إعادة رسم الخرائط" في المنطقة، ومنها ما تسرب أخيراً عن "صفقة القرن"، التي يُقال إنها تطرح سيناريو تبادل أراض يقوم على "أخذ مساحات من الأردن لضمها إلى كيان فلسطيني والتعويض على الأردن بمساحات من السعودية". تزامن الاعتراف مع هذا الحديث، حتى ولو على سبيل جسّ النبض، يشي بأن إعادة تشكيل المنطقة مطروحة، وتكريس ضمّ الجولان قد يكون الحلقة الأولى، مع كل ما ينطوي عليه ذلك من ترخيص وتسويغ للاحتلال والضمّ في المنطقة وخارجها، بحيث تصبح طريق العودة إلى شريعة الغاب سالكة. وربما يكون ترامب، المولع بنسف الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، قد أراد من خلال "الاعتراف" بالجولان، الإطاحة باتفاقية جنيف الرابعة التي تحظر التصرف بوضع الأراضي المحتلة، أو التسبب بالأذى لسكانها.

استهدف ترامب مرة أخرى، نقطةً رخوة لإحداث صدمة. قدم خدمة لصديقه نتنياهو الذي بات يشارك بالتعاون مع السفير الأميركي في إسرائيل ديفيد فريدمان، في رسم السياسة الأميركية في المنطقة. ومن جهة ثانية، فرض تكريس سياسة الأمر الواقع على الأرض. فلا شك أنه لولا تمرير الاعتراف بالقدس المحتلة من دون ثمن، لما كان بالإمكان الاعتراف بضمّ الجولان.

المساهمون