قتل المدنيين والأزمة المالية يفاقمان عزلة "طالبان" الأفغانية

قتل المدنيين والأزمة المالية يفاقمان عزلة "طالبان" الأفغانية

17 ديسمبر 2016
يدفع المدنيون ثمن جرائم "طالبان" (وائل كوهسار/فرانس برس)
+ الخط -
"ستبدأ امتحانات نهاية الفصل خلال أيام وسأتخرج من الجامعة خلال أقل من شهر"، بهذه العبارات شارك الطالب الجامعي في أفغانستان فيض الرحمن، مع أصدقائه على صفحته في فيسبوك، فرحه باقتراب تخرجه، من دون أن يدرك أن الموت إعداماً على يد مسلحين من حركة طالبان ينتظره. ففي إجازة نهاية الأسبوع ذهب فيض الرحمن إلى منزله في إقليم وردك، المجاور للعاصمة، لكنه سرعان ما وقع في قبضة مسلحي الحركة حين داهموا منزله. وبعد أقل من أربع وعشرين ساعة، نشرت الحركة عبر وسائل التواصل الاجتماعي تسجيلاً مصوراً يظهر جمعاً من المواطنين يشاهدون إعدام الطالب شنقاً. بررت حركة طالبان الإعدام بكون الشاب "قاتلاً لمسؤول استخباراتي فيها يدعى دكتور ميرويس"، لكن أسرة الرحمن والحكومة والقبائل عدت الشاب بريئاً.
قبل يومين من الجريمة، التي حظيت باهتمام كبير في الأوساط الشعبية والإعلامية، قتل 23 مدنيا بيد مسلحي الحركة في مديرة نيش في إقليم قندهار جنوب أفغانستان. وأكدت القبائل أن القتلى كلهم مدنيون. كما ذكر مسؤول أمن قندهار، الجنرال عبد الرازق، أثناء مشاركته في مراسم تشييع الضحايا أن المدنيين قتلوا بعد أن رفضوا التعاون مع "طالبان"، وأن الحكومة الأفغانية ستثأر لهم.



وارتفعت في الآونة الأخيرة حصيلة الضحايا المدنيين الذين يقتلون على أيدي مسلحي الحركة. وما أن أعلن عن وفاة مؤسس الحركة وزعيمها الأول، الملا عمر، في يوليو/ تموز من العام الماضي، حتى تغيرت استراتيجية "طالبان" وبدأت تزيد الهجمات على المدن والقرى. وكان مسلحو الحركة يتجنبون، نسبياً، الدخول إلى الأماكن العامة والتمركز داخل الأحياء السكنية ومحاولة الحفاظ على علاقة هادئة مع السكان.
لكن بعد الإعلان عن وفاة الملا عمر تغيرت استراتيجية "طالبان" وبدأت الهجمات على المدن والقرى بذريعة تمركز القوات المسلحة فيها، على غرار الهجمات على قندوز وأورزجان وهلمند. وغالباً ما دفع المواطنون أثماناً باهظة لهذه الهجمات.

وبدا واضحاً أن الحركة لم تنجُ من تبعات هذه الاستراتيجية، وكلما ازداد عدد القتلى في صفوف المواطنين دفعت الحركة أثماناً أكبر. بالإضافة إلى الخسارة الكبيرة في صفوف مقاتليها خلال الاعتداءات الجماعية التي تنفذها، والتصدعات الداخلية التي نجمت عن انقسام الآراء داخلها، أكدت مصادر الحركة أنها باتت تواجه مشكل مالية كبيرة بعد أن خسرت من رصيدها الشعبي، بما في ذلك في أوساط التجار. كانت الصدقات والأموال التي يقدمها التجار تشكل الجزء الأكبر من دخل "طالبان"، لكنه ضعف إلى حد كبير في الآونة الأخيرة. تراجع يلخصه قول القيادي في الحركة، مسؤول جمع الزكاوات والصدقات في أحد أقاليم أفغانستان، المولوي محمد أكبر، إنه في السابق كان يتعب من جمع الأموال، إذ كان الناس يتصلون به لأخذ أموالهم، أما الآن فالناس يفرون من المسجد بعد أن يشاهدوا مسؤولي الحركة ظانين أنهم سيطلبون منهم المساعدة المالية. ووفقاً لمحمد أكبر كان يتم جمع الملايين من التجار ومن الفلاحين، لكن في الأشهر الأخيرة انعكست الأمور، إذ أن كثر لا يرغبون في منح أموالهم إلى "طالبان" سواء أكانوا في داخل البلاد أو في الخارج.

وأكد القيادي البارز في الحركة، المولوي رحمت الله كاكا خيل، في تصريحات صحافية، أن الحركة تواجه مشاكل اقتصادية كبيرة إلى حد أنها باتت تعجز عن معالجة جرحاها في العيادات الخاصة في باكستان، إذ أن المساندين مالياً لـ"طالبان" بدأوا يتيقنون أن الحرب التي تخوضها الحركة لا طائل من ورائها. كما نقلت صحيفة "ذي غارديان" البريطانية عن كاكا زاده قوله، إن قتل المدنيين بسبب الألغام التي تزرعها طالبان حولت الحرب في أفغانستان إلى حرب يكرهها المواطنون وينفرون منها، وأن السلم والمصالحة يعدان الحل الأمثل والوحيد للعضلة.

ومن الارتدادات الواضحة على "طالبان" أيضاً خسارتها الكبيرة من رصيدها الشعبي، إذ أن القبائل التي كانت تساند الحركة أصبحت تعارضها وتقف مع الحكومة الأفغانية والقوات المسلحة. ووفقاً للصحافي قريب الرحمن شهاب فإن شعبية "طالبان" قد تدهورت إلى حد كبير، إذ يلاحظ أن المناطق التي كانت تعقد فيها الحركة اجتماعات كبيرة قبل سنوات وكانت القبائل تساند فيها الحركة قد بدأت تستقبل القوات المسلحة الأفغانية. كما أشار إلى إقبال الشباب على الجيش الأفغاني والجيش القبلي الموالي له.

المساهمون