لبنان: "مدرسة المشاغبين" تُنذر بعهد رئاسي صاخب

لبنان: "مدرسة المشاغبين" تُنذر بعهد رئاسي صاخب

01 نوفمبر 2016
فاز عون بأكثرية 83 صوتاً من أصل 127(حسين بيضون)
+ الخط -
لم تعد الحياة إلى دورتها الطبيعية في قصر بعبدا (مقر الرئاسة اللبنانية) من دون بلبلة تحت قبة البرلمان الذي عقد، أمس الإثنين، الجلسة رقم 46 من جلسات انتخاب الرئيس، والتي انتهت بفوز النائب، ميشال عون، بأكثرية 83 صوتاً من أصل 127 نائباً حضروا الجلسة، بعد دورتين متتاليين و4 محاولات للاقتراع. ويأتي انتخاب عون رئيساً للجمهورية في لبنان ليُنهي عامين ونصف العام من الشغور الرئاسي، عطّل خلالها نواب "تكتل التغيير والإصلاح" (كتلة عون) ونواب حزب الله جلسات انتخاب الرئيس، لينتهي الأمر بتسويات ثنائية عقدها عون مع حزب القوات اللبنانية ومع تيار المستقبل سمحت بتبني الحزبين ترشيحه وفك حلقة التعطيل عن مجلس النواب.

مسار جلسة الانتخاب

وعلى مدى أكثر من ساعة ونصف الساعة، علا صوت مطرقة رئيس المجلس، نبيه بري، مراراً خلال عملية الانتخاب التي استغرقت دورتين و4 محاولات للاقتراع، في محاولة منه لضبط مسار الجلسة التي وصفها بـ"مدرسة المشاغبين" على اسم المسرحية الكوميدية الشهيرة.
وعبّر بري عن انزعاجه من استخفاف النواب بمسؤوليتهم. ولم تستقم العملية الانتخابية قبل تعيين النائبين أنطوان زهرا ومروان حمادة لمراقبة عملية وضع المغلفات في صندوق الاقتراع، ودعوة بري النواب إلى "التزام الهدوء والجدية، لأننا لسنا وحدنا في القاعة، كل لبنان يشاهدنا، وكذلك هناك شخصيات دبلوماسية تتابعنا".

ولم يكتفِ بعض النواب بإضافة ظرف فارغ إلى صندوق الاقتراع لتعطيل العملية مرتين، بل لجأ أحدهم إلى التصويت لعارضة الأزياء ميريام كلينك. وبقدر السخرية والفكاهة التي واكب من خلالها اللبنانيون عملية الانتخاب عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بقدر ما تحمل مجريات الجلسة مؤشرات عن شكل العهد المُقبل الذي تفاوت وصفه بين عهد "الجهاد الأكبر" بحسب الرئيس نبيه بري، وبين "عهد الازدهار" بحسب رئيس "حزب القوات اللبنانية" سمير جعجع.
يرى نائب رئيس مجلس النواب السابق، مستشار عون، إيلي الفرزلي، أن ما حدث في الجلسة يُعبر عن "ضيق صدر بعضهم من المسار السياسي الذي أوصل النائب عون إلى الرئاسة"، لكنه طمأن إلى أن ما حدث "لا يزال ضمن شروط اللعبة". يؤكد الفرزلي في حديث إلى "العربي الجديد" أن "العهد الذي افتتحه العماد عون بخطاب قسم جامع، يُشكل مقدمة مريحة لمرحلة الاستشارات النيابية وتكليف رئيس الحكومة المقبل". واعتبر الفرزلي أنه "لا يوجد صعوبات مستعصية في ملف تشكيل الرئاسة".
قابل هذه النظرة الإيجابية للمحيطين بعون في ما يتعلق بالاستحقاقات الدستورية المُقبلة، هواجس من بقاء عصي التعطيل على حالها بانتظار انطلاق دواليب الحكومة ودواليب قانون الانتخابات النيابية. وأبرزها استمرار معارضة رئيس مجلس النواب، نبيه بري، لوصول عون إلى الرئاسة واختيار "صفوف المعارضة خلال العهد الرئاسي". كما يضغط الوقت القصير الفاصل، بين موعد الانتخابات النيابية بعد 6 أشهر وبين فترة الاستشارات النيابية التي يُفترض أن تبدأ غداً الأربعاء، على القوى السياسية التي لا تزال مُختلفة على قانون الانتخاب الجديد. وقد بدأ الحديث عن الأسماء التي ستُوزّر في الحكومة المُقبلة حتى قبل إنجاز انتخاب الرئيس، وبينهم صهري الرئيس، جبران باسيل وشامل روكز.
وقد انتظر الرجلان وصول الرئيس إلى قصر بعبدا مع باقي أفراد الأسرة التي غادرت القصر عام 1990 إثر هزيمة قوات الجيش اللبناني الموالية لعون أمام القوات السورية - اللبنانية المشتركة، بُعيد توقيع اتفاق الطائف ورفض "الجنرال" له. وبعد 26 عاماً عاد عون إلى القصر رئيساً. استعرض قوات الحرس الجمهوري التي تأهبت لاستقباله وارتفع العلم اللبناني فوق القصر مع دخول عون إلى قاعة السفراء لالتقاط الصورة التذكارية.


"خطاب الاستقرار"

وفور انتخابه وأدائه القسم الدستوري، تعهد الرئيس الجديد للبنان بـ"الولاء للأمة" وحماية الدستور والبلاد وسلامة الأراضي اللبنانية، وذلك في خطاب القسم الذي وجهه من البرلمان. وشدد عون في كلمته على أهمية تحقيق الاستقرار على مُختلف الصعد، مُعتبراً أن أول خطوات الاستقرار السياسي هي: "احترام الدستور والشراكة الوطنية، وضرورة تنفيذ وثيقة الوفاق الوطني بكاملها من دون استنسابية مع تطويرها وفقاً للحاجة من خلال التوافق الوطني. كما يجب إقرار قانون انتخابي يؤمن عدالة التمثيل قبل موعد الانتخابات المقبلة". وسبق لعون أن عطّل الحكومة بعد تعطيل مجلس النواب تحت عنوان "حماية حقوق المسيحيين وتطبيق الميثاقية".
وعلى صعيد علاقات لبنان الخارجية أكد عون التزامه بـ"ميثاق جامعة الدول العربية، واعتماد سياسة خارجية مستقلة تقوم على مصلحة لبنان العليا مع احترام القانون الدولي". ويأتي هذا الموقف المُستجد لعون بعد اتهام سابق وجهته السعودية للبنان بـ"الخروج عن الإجماع العربي" في اجتماعات جامعة الدول العربية. وكان صهر عون، وزير الخارجية جبران باسيل، أحد أبرز وجوه هذه الأزمة.

وفي الشأن السوري استطاع الرئيس الجديد، أن يوازن في خطابه بين تحالفه مع حزب الله الذي يقاتل في سورية وبين الدعوة لـ"تحييد لبنان عن الأزمة السورية". كما شدد الرئيس على "عدم توفير أي جهد أو مقاومة في الصراع مع إسرائيل".
وربط عون بين الوضع الأمني وبين اللجوء السوري والفلسطيني في لبنان، معتبراً أنه "لا يمكن أن يقوم حل في سورية إلا بعودة النازحين، وسنعمل خلال وجودهم على منع تحول مخيماتهم إلى محميات أمنية"، وذلك في استكمال للنظرة الأمنية التي تعاطى من خلالها ممثلو عون مع ملف اللجوء في الحكومة وفي البرلمان.
وقد رفض عون وفريقه في مراحل اللجوء الأولى إنشاء مخيمات منظمة على الحدود المشتركة بين لبنان وسورية، وهو ما أدى إلى انتشار مئات آلاف اللاجئين بشكل عشوائي في مُختلف المناطق اللبنانية. وبالنسبة للاجئين الفلسطينيين، اعتبر عون أن "تثبيت حق العودة خطوة أولى نحو تنفيذ هذا الحق".
ووصف الرئيس اللبناني تطوير الجيش بـ"هاجسه"، مع التأكيد على أهمية "التنسيق بين القضاء والأمن لتكامل مهامهما وتحذيرهما من التبعية السياسية".
وعلى الصعيد الإنمائي تطرق عون إلى "اعتماد نهج اقتصادي تنسيقي بين الوزارات مع وضع خطة اقتصادية شاملة تساهم في تأمين الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي". ووضع عون ملامح الخطة الاقتصادية التي تشمل "تكبير حجم الاقتصاد الحر من خلال استثمار الموارد الطبيعية وإشراك القطاعين العام والخاص، مع الاستثمار في الموارد البشرية في قطاع التربية والتعليم والمعرفة". وأكد الرئيس وجوب "إرساء نظام الشفافية للوقاية من الفساد وتفعيل أجهزة الرقابة".
يذكر أن النواب الذين انتخبوا عون، أمس الإثنين، كانوا قد مددوا ولايتهم لدورة كاملة على مرحلتين من دون الرجوع إلى الشعب، بعد توافق كل الأطراف السياسية على تأجيل إجراء الانتخابات النيابية. ويُفترض إجراء هذه الانتخابات العام المُقبل بعد إقرار قانون انتخابي جديد. وهي واحدة من أوليات العهد المُقبل إلى جانب تأليف الحكومة ومعالجة الشؤون الأمنية والاقتصادية في البلاد.