حلب تواجه مخطط التهجير: رفض الضغوط بانتظار "معركة قريبة"

حلب تواجه مخطط التهجير: رفض الضغوط بانتظار "معركة قريبة"

22 أكتوبر 2016
تظاهرات حلب الشرقية ضد الروس (مأمون أبو عمر/الأناضول)
+ الخط -
شهدت مدينة حلب، شمالي سورية، أمس الجمعة، هدوءاً حذراً، في ظل استمرار الهدنة الروسية أحادية الجانب، بانتظار ما ستؤول إليه التطورات الميدانية والسياسية، لا سيما أن جميع المؤشرات التي تتجمع لدى المعارضة وحتى لدى المسؤولين الدوليين تشير إلى أن روسيا تعد لحملة عسكرية جديدة في حلب، مستفيدة من عجز التحركات السياسية الدولية التي لم تستطع حتى الآن التوصل إلى صيغة تردع روسيا عن الاستمرار في مخططها الهادف إلى تهجير سكان القسم الشرقي المحاصر من المدينة. كذلك يتعزز هذا الاعتقاد في ظل تمسك سكان الأحياء الشرقية في حلب بعدم الاستجابة للضغوط التي تمارس عليهم ورفض العروض التي يقدمها كل من الروس والنظام والأمم المتحدة لتهجيرهم من مدينتهم، على الرغم من تمديد الهدنة المعلنة من الجانب الروسي حتى مساء اليوم السبت بحسب بيان للجيش الروسي، بعدما كان المندوب الدائم لروسيا في مكتب الأمم المتحدة بجنيف، أليكسي بورودافكين، قد تحدث عن تمديد الهدنة حتى يوم الإثنين، حسبما أعلن المندوب الدائم لروسيا في مكتب الأمم المتحدة بجنيف، أليكسي بورودافكين. وأكدت مصادر محلية داخل القسم المحاصر من حلب، لـ"العربي الجديد"، أنه "لم يخرج أحد من المقاتلين أو المدنيين أو الجرحى من أحياء حلب الشرقية المحاصرة، عبر المعابر الثمانية التي تم تخصيصها لخروج المقاتلين والجرحى المدنيين".

وقد قابل سكان المدينة كل الضغوط بتظاهرات عمّت بعض الأحياء، خصوصاً حي الشعار، منددة بالمخطط الروسي، ورافضة الخروج من المدينة المحاصرة. ورفع المتظاهرون منذ يوم الخميس لافتات كتبوا عليها باللغتين العربية والإنكليزية عبارات من قبيل: "سنصمد ولن نترك وطننا"، و"لا يمكن محاصرة حلب". بدوره، أصدر كل من الائتلاف الوطني المعارض والجيش السوري الحر، بيانات ترفض المخطط الروسي وتدين دور الأمم المتحدة في تهجير السكان. كما رفض "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية" و"الجيش الحر"، مساء الخميس - الجمعة، ضمن بيان مشترك "مبادرة الأمم المتحدة بشأن إخراج جرحى الأحياء الشرقية لحلب"، لـ"عدم جديتها في فكِّ الحصار وإدخال المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة". وأكدا في بيان مشترك دعمهما أي مبادرة جدية تهدف إلى فكّ الحصار وإدخال المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة، ومنها حلب، وإخلاء الجرحى والحالات الحرجة، وتطبيق قرار مجلس الأمن رقم 2254 لسنة 2015 بكافة بنوده وباقي القرارات ذات الصّلة، وتقديم المساعدة اللازمة في هذا الصدد.

الأمم المتحدة تتنصل من المسؤولية

في غضون ذلك، حاولت الأمم المتحدة النأي بنفسها عن فشلها في إيصال أي مساعدات إلى المدنية وتأخر "عمليات الإجلاء لأسباب طبية"، فيما عززت تصريحات المسؤولين فيها هواجس المعارضة التي شككت في قدرة الأمم المتحدة على إدخال مساعدات إلى الأحياء المحاصرة أو القيام بعمليات إجلاء طبية. وأوضحت الأمم المتحدة، أمس الجمعة، أن عملياتها "لم تبدأ كما كانت تأمل، للافتقار إلى الضمانات الأمنية والتسهيلات، مما يحول دون استغلال عمال الإغاثة لوقف القصف الذي أعلنته روسيا".

بدوره، قال المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، ينس لاركه، إن "المنظمة الدولية كانت تريد الاستفادة من وقف إطلاق النار الذي تبلغ مدته أربعة أيام، لإجلاء مئات المرضى والجرحى من الجزء المحاصر من المدينة، ولتوصيل الطعام والمساعدات".

من جهته، حاول مندوب النظام السوري في الأمم المتحدة في جنيف، حسام آلا، الترويج إلى استعداده للتعاون، بالقول لوكالة "رويترز"، إن "النظام السوري أعطى الضوء الأخضر للمنظمة الدولية لإجراء عمليات الإجلاء لأسباب طبية قبل يومين". وادّعى أن "النظام جهّز حافلات وعربات إسعاف، لكن الإجلاء لم يبدأ لأن إرهابيين يستخدمون قذائف الهاون والقناصة، يهاجمون الممرات الإنسانية والمعابر".


تحشيد عسكري روسي

في غضون ذلك، تواصل روسيا استعداداتها الميدانية للقيام بعملية عسكرية في حلب، في حال فشل مخططها في تهجير سكانها وقبولهم بمصالحة على غرار المصالحات التي أجريت في محيط دمشق. وفي هذا الإطار، عبرت أمس ثماني بارجات حربية روسية، ضمنها غواصة وحاملة طائرات وطراد نووي، بحر المانش، الفاصل بين فرنسا وبريطانيا، باتجاه شرقي المتوسط، قبالة الشواطئ السورية، آتية من بحر البلطيق. وهو ما وُصف بـ"أكبر تحرّك بحري روسي منذ انتهاء الحرب الباردة (1947 ـ 1991)".


وفي السياق، بدا كلام وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أمس الجمعة، كأنه تمهيد لحلّ عسكري لا سياسي في حلب، بقوله أمس "إنه يعتقد بأن الغرب يريد حماية مقاتلي جبهة فتح الشام (جبهة النصرة سابقاً) لاستخدامهم في محاولة الإطاحة بالأسد". وأشار في مؤتمر صحافي، إلى أن "جبهة النصرة ترفض مغادرة مدينة حلب المحاصرة". كما "عبّر" في الوقت عينه عن "قلق" بلاده حيال تقارير عن قصف تركيا أجزاء من شمال سورية. وبسؤاله عن "تهديد النظام السوري بإسقاط أي طائرة تركية تنتهك المجال الجوي للبلاد"، أجاب "سورية دولة ذات سيادة".

أما الأميركيون، فيبدو أنهم منشغلون عن القيام بدور فاعل في القضية السورية، مكتفين ببعض التصريحات، وآخرها دعوة وزير الخارجية الأميركي جون كيري روسيا إلى "الجلوس على طاولة المفاوضات في جنيف والتعامل بجدية بشأن إيجاد السبيل للتأكد من فصل الإرهابيين الحقيقيين وعزلهم، واحترام الأطراف التي ترغب في الالتزام بوقف إطلاق النار". وأفاد بيان صادر عن الخارجية الأميركية أمس، أن "كلام كيري جاء خلال مؤتمر صحافي يوم الأربعاء، بعد لقائه مع نظيره الكوري الجنوبي يون بيونغ سي في زيارة للأخير إلى نيويورك". وأضاف الوزير الأميركي "أعرف أن هناك تحريكاً للسفن وعرضاً كبيراً للقوة". ولم يستبعد استخدام تلك القوة في سورية، موضحاً أنّ "العالم سيكون له حكم على ما يختارون القيام به". وحذّر من أنّه "سيحاسب من يخرق قوانين وقواعد الحرب الحديثة".

بدورها، سعت بريطانيا لإدانة روسيا أمس، بسبب ضرباتها الجوية على حلب، وذلك خلال جلسة خاصة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، دعت إليها لندن بهدف تشكيل لجنة تحقيق خاصة في الانتهاكات. في هذا السياق، توجّه وزير شؤون أفريقيا والشرق الأوسط بالحكومة البريطانية توبياس إلوود، في كلمة أمام منتدى جنيف إلى المسؤولين الروس قائلاً "هذا عمل شائن لا يصدر من القيادة التي نتوقعها من عضو دائم بمجلس الأمن الدولي".

أما رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، فاعتبرت أن "على الاتحاد الأوروبي أن يدرس كل الخيارات للضغط على روسيا والرئيس السوري بشار الأسد لوقف الهجمات على حلب". وخلال مؤتمر صحافي بعد أول قمة لها في الاتحاد الأوروبي منذ توليها منصبها قالت ماي إنها "دعت لإرسال رسالة قوية وموحدة بشأن سورية"، مشيرة إلى أنه "إذا استمرت الفظائع، فإن الاتحاد الأوروبي يدرس كل الخيارات وهذا بالضبط ما سنقوم به".

من جهته، دان المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، زيد رعد الحسين، "الجرائم ذات الأبعاد التاريخية" التي تحصل في سورية، خصوصاً في حلب، والتي تحوّلت إلى "مسلخ"، على حد تعبيره. واتهم في افتتاح دورة خاصة لمجلس حقوق الإنسان، مخصصة للوضع الإنساني في حلب في جنيف، "كل أطراف النزاع بانتهاكات للقوانين الإنسانية الدولية"، التي تشكل برأيه "جرائم حرب". وأكد أن "حصار حلب وقصف شرق حلب ليسا مجرد مأساة بل يشكلان جرائم ذات أبعاد تاريخية".

المعركة قريبة

أما نائب رئيس الهيئة العليا للتفاوض يحيى القضماني، فكشف لـ"العربي الجديد"، أنه "على الرغم من الحراك السياسي المتعلق بحلب، إلا أنه في حال لم تحدث تحولات دراماتيكية على الأرض فلن تحصل مفاوضات". وأوضح أن "العودة للجمعية العامة للأمم المتحدة، لا يمكن التعويل عليها كثيراً". ونفى علمه بـ"التحضير لعمل عسكري لفك الحصار عن حلب"، مبيّناً أنه "لا يمتلك معلومات أكيدة عن هذا الموضوع". 
في سياق متصل، رأى المتحدث الرسمي لحركة أحرار الشام، أحمد قره علي، في حديث لـ"العربي الجديد" أن "الحراك السياسي يفتقر إلى أمور عدة، ما تجعل منه عاملاً مساهماً في تعقيد الأزمة بدلاً من حلّها". وأشار إلى أن "الانتهاك الصارخ لحقوق الإنسان من قبل دول لا يزال المجتمع الدولي صامتاً عنها، بل متواطئاً معها، يأتي في مقدمة هذه الأمور. فضلاً عن الانهيار القانوني لآليات تطبيق قرارات الأمم المتحدة وجميع مؤسسات المجتمع الدولي". وأضاف أن "هذا الأمر بدا واضحاً من خلال الامتناع عن تطبيق الكثير من القرارات المبدئية في قانون مبادئ المجتمع الدولي، سواء العامة أو القرارات الخاصة بالقضية السورية".

وكان المتحدث العسكري باسم "حركة أحرار الشام"، أبو يوسف المهاجر، قد أفاد "العربي الجديد" بأن "المدنيين في أحياء حلب الشرقية يرفضون الخروج من منازلهم، لعدم ثقتهم بالنظام وروسيا"، نافياً أن "يكون مقاتلو أحرار الشام، أو غيرهم، قد منعوا المدنيين من المغادرة". وحول التصعيد العسكري الروسي الأخير فقد اعتبره "الأسوأ، وأن سبب رفض المعارضة الخروج هو علمها بأن المعركة قريبة جداً". وأشار إلى أن "هدف المعركة المقبل سيكون كسر الحصار وتوسيع الطريق، وليس كما حصل في المرة السابقة، وستكون المحاور واسعة". من جهته، اعتبر عضو المكتب الإعلامي في "جبهة فتح الشام" أبو موسى الشام لـ "العربي الجديد"، "أنهم لا يعولون على تركيا حتى تؤثر معركة حلب عليهم"، مشيراً إلى أن "الحصار الأول كُسر، من دون أن تقدّم تركيا أي دعم للمعركة".