لا تحمّلوا تونس كل الذنب

لا تحمّلوا تونس كل الذنب

26 ديسمبر 2016
أنيس العامري لم يتشدد في تونس (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
انكمش التونسيون من جديد، مع عملية برلين ومقتل أنيس العامري، وانبرت الأصوات في عملية جلد للذات، ما زاد من جراح السؤال المحيّر الذي لم يجد التونسيون له إجابة مقنعة تشفي الغليل إلى اليوم: كيف يتحوّل تونسي إلى إرهابي؟ وهو الذي أجمعت قرون من التاريخ والاختلاط مع الآخر على تسامحه وانفتاحه وتمدّنه وسلميته؟ وتحول السؤال إلى أشمل، وأصبح كيف تحولت تونس إلى أكبر مصدري الإرهابيين والانتحاريين؟ ومع كل عملية انتحارية في أوروبا، يحبس التونسيون أنفاسهم، ويتوسلون الله ألا يكون المجرم تونسياً، خوفاً على الصورة المهتزة يوماً بعد يوم، وخوفاً على مصير مئات الآلاف الذين يقيمون في هذا البلد الأوروبي أو ذاك، وخوفاً أيضاً من انعكاس هذه العمليات على مناخ الاستثمار في تونس، ومصير سياحة عليلة، بدأت بالكاد تستعيد عافيتها.

ولعل لكل هذا الخوف ما يبرره، وفيه مسؤوليات تونسية بالتأكيد. لكن العملية تجاوزت ذلك إلى تحميل التونسيين لأنفسهم كل ذنوب الأرض. غير أن بعض الأصوات تعالت لتمنع هذا السقوط المستمر في تعذيب الضمير، والإحساس بالذنب كلما وقعت عملية إرهابية في أي نقطة من العالم، وذكّٰرت بأن إرهابي عملية برلين، أنيس العامري، لم يتلقّ دروس تشدده في تونس، وإنما خرج منها منحرفاً فقيراً إلى إيطاليا، يحلم بالجنة الموعودة كآلاف التونسيين، الذين سقط غالبيتهم في البحر، وأصبح يتدرج في الإرهاب في أوروبا، في سجونها، وشوارعها المظلمة من أي رحمة، وبسبب تنكرها لالتزاماتها تجاه بلدان ظلت تصرخ على مدى سنوات أن الاستثمار في الشباب أفضل من السياج الحديدي، وأن المنظومة الأمنية العالمية تبدأ من الحدود البعيدة، وأن لأوروبا ولكل الدول الغنية، مسؤولية جسيمة، تاريخياً وأخلاقياً وسياسياً وعسكرياً، في دول الجنوب التي ساهمت في تمزيقها وتشتيت جهود أهلها للتصالح وإفقارها وسرقة خيراتها... لكن أحداً لا يسمع، بل إن لوبيات المال والأعمال تمعن في التآمر على كل نقطة بترول وغاز، ويذهب، في ظنها، أن إبقاء الشعوب الفقيرة فقيرة ومتخلفة هو الحل، والنتيجة...؟ مأساة كل يوم يدفعها أبرياء.