لقاء الأطراف الليبية في باريس: مبادرة "فاشلة" بسبب حفتر

لقاء الأطراف الليبية في باريس: مبادرة "فاشلة" مسبقاً بسبب الإصرار على حفتر

28 مايو 2018
تصدير حفتر عامل لفشل مبادرات باريس (جاك ديمارثون/فرانس برس)
+ الخط -

عشرة أشهر مرت على اتفاق باريس لحل الأزمة الليبية، بين فايز السراج رئيس حكومة "الوفاق الوطني"، واللواء المتقاعد خليفة حفتر، من دون تنفيذ أي بند من بنوده، بما فيها إجراء انتخابات عاجلة لإفراز أجسام سياسية جديدة موحدة.

ومع ذلك، تعود باريس مجدداً لرعاية لقاء دولي لمناقشة مبادرة جديدة، لا تختلف كثيراً عمّا طرحه مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى ليبيا، غسان سلامة، في إحاطته الأخيرة أمام أعضاء مجلس الأمن الدولي، سوى أنّها حدّدت التيارات والأطياف المستهدفة بتنفيذه؛ وهي أربع شخصيات هم: السراج، وحفتر، ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري.

وقبلت هذه الشخصيات الدعوة لحضور المؤتمر المرتقب، لمناقشة المبادرة الفرنسية، غداً الثلاثاء، باستثناء المشري الذي اشترط قبوله الدعوة بعدم "حضور العسكريين"، في إشارة إلى حفتر.

وغنيّ عن البيان توضيح أسباب فشل الاتفاق السابق، فباريس حصرت الأزمة في شخصي السراج وحفتر، بينما بدت بذور فشله واضحة، عندما علّق السراج في حينه بالقول إنّه سيرجع إلى مناقشة الاتفاق مع الأطراف الليبية المعنية، في اعتراف علني بعدم قدرته على فرض وتحقيق بنود الاتفاق منفرداً، ما دفع باريس، على ما يبدو، إلى دعوة أطراف جديدة إلى اللقاء مجدداً هذه المرة.

وتسعى باريس إلى بحث مبادرتها الثانية بخصوص ليبيا، مع هذه الشخصيات الأربع، لا سيما مع إضافة بند جديد إليها، يتعلّق بإجراء انتخابات عاجلة.

ويبرز سؤال عن سبب حرص باريس على حضور حفتر في كل مسعى سياسي من خلالها، إذ يمكن تفهّم وجود رئيسي مجلسي النواب والدولة، المناط بهما إنشاء قانون للانتخابات أو الاتفاق على الدستور المطروح للاستفتاء، ووجود حكومة "الوفاق الوطني" المناط بها تنفيذ تشريعات النواب والدولة في هذا الصدد، بينما يحضر حفتر اللقاء، وهو لا يتقلّد منصباً سياسياً في ليبيا.

وما يزيد الشكوك حول وجود حفتر، التغييب، ربما المتعمّد، لأي تمثيل عسكري لخصومه، مثل قادة عملية "البنيان المرصوص"، القوة العسكرية الأكبر في غرب ليبيا، المناوئة لحفتر، أو على الأقل، رئيس أركان حكومة "الوفاق"، اللواء عبد الرحمن الطويل، لا سيما وأنّ باريس اعترفت بخصوم حفتر في أحد بنود المبادرة التي نصّت على دعم لقاءات القاهرة، بين ضباط حفتر وغرب ليبيا، ومن بينهم الطويل، من أجل توحيد مؤسسة الجيش.

وكان أحد ضباط حكومة "الوفاق الوطني"، قد علّق على هامش اللقاء الخامس لضباط الجيش الذي ترعاه القاهرة، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، قائلاً إنّ باريس كانت تسعى من خلال الاتفاق إلى عقد صفقة مفادها اعتراف حفتر بسلطة السراج السياسية، مقابل اعتراف السراج بحفتر قائداً للجيش في ليبيا.



ولا يبدو أنّ المناخ الحالي الذي سيجري فيه اللقاء المرتقب، مواتٍ لوصول باريس وحليفها حفتر إلى أهدافهم، فعلى الصعيد الداخلي لا يبدو أنّ الخلافات بين صالح وحفتر انتهت، خصوصاً أنّ الأول يُعد من الرافضين لإحكام حفتر قبضته على قرار مجلس النواب، من خلال نقل مقرّه إلى مدينة بنغازي، كما أنّ موقف مجلس الدولة الذي عبّر عنه، في بيان، أمس الأحد، واضح لجهة رفض عملية حفتر للسيطرة على مدينة درنة.

أما عن السراج، فقد شهدت طرابلس حراكاً عسكرياً متسارعاً، يومي الجمعة والسبت الماضيين، حيث سيطرت كتائب مسلحة على مواقع مهمة لجهاز الحرس الرئاسي التابع مباشرة للسراج، في خطوة تعبّر عن رفض حضور السراج اللقاء الباريسي.

وتمركزت "الكتيبة 301" من ثوار طرابلس، حول مقر حكومة "الوفاق الوطني" في طريق السكة، وأقدمت على طرد جنود الحرس الرئاسي من مواقعهم بمطار طرابلس القديم جنوبي العاصمة، تعبيراً عن عدم رضاهم عن قبول السراج دعوة فرنسا للقاء، وذلك توازياً مع بيان أصدرته 14 كتيبة مسلحة من مدن غرب ليبيا، مساء الأحد، أكدت فيه رفضها للمبادرة الفرنسية التي تهدف إلى "توطين حكم العسكر"، بحسب تعبيرها.



سعي باريس لتصدير حفتر كممثل للجانب العسكري في ليبيا، يبدو أنّه سيكون العامل المباشر لفشل مبادرتها مجدداً، فبيان 14 مجموعة مسلحة، من بينها المجلسان العسكريان لمصراته والزنتان و"قوة الردع" في طرابلس، يعكس وعي هذه الأطراف إلى تغييبها المتعمد، وفهم ما يجري وراء الكواليس من مساعٍ فرنسية.

وعلى المستوى الخارجي، لم يصدر عن دول الجوار الليبي؛ لا سيما تونس والجزائر، ما يفيد بتغيّر سياستهما تجاه أزمة ليبيا، حيث ما زالتا تؤكدان ضرورة إجراء حوار داخلي لحل الأزمة من دون تدخّل خارجي، بينما يرجّح أن تعترض مصر، على الحضور القوي لتيار "الإخوان المسلمين" ممثلاً في خالد المشري رئيس المجلس الأعلى للدولة، وبالتالي عدم التعاطي مع نتائج المبادرة الفرنسية.

أما على الصعيد الدولي، فلا يبدو الملف الليبي في أولويات أغلب الفاعلين، باستثناء إيطاليا التي تحرّكت في طرابلس من خلال سفيرها جوزيبي بيروني، والذي عقد لقاء مع المشري، على هامش اجتماع المجلس الأعلى للدولة، أمس الأحد، لمناقشة المبادرة الفرنسية، وعلّق المكتب الإعلامي للمجلس بالقول إنّ اللقاء "كان لبناء رؤية موحدة تجاه مبادرة باريس".

ويرى مراقبون كذلك، أنّ تحرّك باريس، في هذا التوقيت بالذات، جاء لاستثمار فترة تغيّر المشهد الحكومي الحالي في إيطاليا، المعروف بقربه من السراج، وإمكانية بروز شخصيات سياسية أخرى في روما قد تكون أقل رغبة في دعم حكومة "الوفاق الوطني"، وبالتالي تحقيق فرنسا فوزاً بأقل النتائح يمكّنها من الإمساك بالملف الليبي، بعيداً عن المنافسة الإيطالية، حالياً، على أقل تقدير.