عسكرة ملاحة الخليج: حشد أميركي لتحالف يواكب السفن

عسكرة ملاحة الخليج: حشد أميركي لتحالف يواكب السفن

13 يوليو 2019
قضية الناقلة "غريس 1" لا تزال تتفاعل(خورخي غيريرو/فرانس برس)
+ الخط -
بقيت مياه الخليج، أمس الجمعة، محور توتر إيراني ــ أميركي، مع توجّه غربي لتعزيز الوجود العسكري "في وجه التهديدات المحيطة بالملاحة"، بحسب بريطانيا، التي أعلنت أمس زيادة مؤقتة لانتشارها العسكري في الخليج، مقابل عدم حماسة فرنسا لتوسيع وجودها في المنطقة، وهي التي تحاول القيام بوساطة للتهدئة وتخفيف التصعيد. وفي ظل هذا الوضع، يتفاعل أكثر فأكثر الطرح الأميركي بتشكيل قوة مواكبة عسكرية للسفن التي تبحر في الخليج، بعد اتهام لندن قوارب إيرانية مسلحة بتهديد ناقلة نفط بريطانية، وذلك بالتوازي مع تشديد على عدم النيّة بالتصعيد مقابل استمرار التهديدات الإيرانية بالرد على توقيف ناقلة نفط إيرانية الأسبوع الماضي قبالة جبل طارق.

وفي ظل عدم وجود مؤشرات على تراجع التوتر راهناً، أعلنت بريطانيا، أمس، أنها ستزيد مؤقتاً انتشارها العسكري في الخليج بتقديم موعد تناوب مقرر بين سفينتين حربيتين في منطقة الخليج، حيث سيتم نشر السفينتين معاً في الوقت الحاضر قرب المياه الإيرانية. وستقوم السفينة دانكان التابعة للبحرية البريطانية "بالانتشار في المنطقة لضمان الحفاظ على وجود أمني متواصل، فيما توقف السفينة مونتروز مهمتها لأعمال صيانة مقررة مسبقاً وتغيير أفراد الطاقم"، بحسب ما أعلن متحدث حكومي. وأضاف مصدر بريطاني، بحسب وكالة "فرانس برس"، أنه تم تقديم موعد عملية التناوب بضعة أيام وسط تصاعد التوتر في المنطقة.
جاء ذلك بعدما كانت متحدثة باسم رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي قد قالت، أمس، إن المناقشات بين لندن وواشنطن مستمرة لتعزيز وجودهما العسكري في الخليج. وأضافت: "نجري محادثات مع الولايات المتحدة بشأن تعزيز وجودنا في وجه التهديدات الأخيرة التي تواجه الملاحة بالمنطقة".
ولكن على الرغم من ذلك، شدد وزير الخارجية البريطاني جيريمي هنت، أمس، على أن بريطانيا لا تسعى لتصعيد الوضع مع إيران. وقال هنت لتلفزيون "سكاي نيوز": "ما نقوم به، رد فعل على ما يحدث بطريقة محسوبة وحذرة، ونوضح لإيران بأننا لا نسعى لتصعيد هذا الوضع".

هذه التطورات تتزامن مع تصاعد الحديث الأميركي عن السعي لتأمين مواكبة عسكرية للسفن التي تبحر في الخليج. وقال الجنرال الأميركي مارك ميلي، المرشح لتولي رئاسة هيئة الأركان الأميركية المشتركة، إن للولايات المتحدة "دوراً حاسماً" في ضمان حرية الملاحة في الخليج، وإن واشنطن تسعى لتشكيل تحالف "بشأن تأمين مواكبة عسكرية وبحرية للشحن التجاري". وأضاف خلال جلسة للجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ، ليل الخميس: "أعتقد أن ذلك سيتبلور في الأسبوعين المقبلين". من جهته، قال قائد الأسطول الأميركي الخامس، نائب الأميرال جيم مالوي، في بيان، إن الأسطول يعمل عن كثب مع البحرية الملكية البريطانية وشركاء إقليميين ودوليين لحماية حرية الملاحة.

ولم يؤكد مسؤولون في بريطانيا وفرنسا أي حديث عن عمليات مواكبة عسكرية للسفن التجارية. وتحافظ واشنطن ولندن وباريس على وجود بحري عسكري في الخليج. وذكرت وسائل إعلام بريطانية أن النشر المحتمل لعدد أكبر من السفن الملكية في المنطقة كان "قيد النظر" خلال اجتماعات الحكومة، الخميس، في أعقاب الحادث الجديد. لكن في باريس أعلن مسؤول حكومي لـ"فرانس برس"، أن فرنسا لا تعتزم في الوقت الحالي توسيع وجودها في الخليج. وقال أحد المسؤولين "فرنسا تسلك مسار وقف التصعيد"، مضيفاً "إرسال قوات عسكرية إضافية إلى المنطقة لا يبدو مفيداً بالنسبة إلينا". كما أوضحت أوساط الرئاسة الفرنسية، الخميس، لوكالة "فرانس برس" أنّ المستشار الدبلوماسي للرئيس الفرنسي، إيمانويل يون، الذي التقى الرئيس الإيراني حسن روحاني، الأربعاء، يسعى للتوصل إلى "تهدئة" سياسية في غمرة التصعيد بين طهران وواشنطن. وأشارت هذه الأوساط إلى أنّ "فرنسا تريد استطلاع سبل حوار حول مجمل المسائل، بينها مستقبل الاتفاق النووي الإيراني بعد 2025".


وفي وقت سابق هذا الأسبوع، قال رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية، الجنرال جوزيف دانفورد، إن الولايات المتحدة يمكن أن تقود أي عملية مرافقة وأن توفر المراقبة في الوقت الذي تقوم فيه الدول الأخرى بحماية الناقلات تحت أعلامها. وقال دانفورد، الأربعاء: "نتواصل الآن مع عدد من الدول لتحديد ما إذا كان بإمكاننا تشكيل تحالف يضمن حرية الملاحة في كل من مضيق هرمز ومضيق باب المندب"، مضيفاً: "من المحتمل أن نحدد خلال الأسبوعين المقبلين الدول التي لديها الإرادة السياسية لدعم هذه المبادرة، وسنعمل بعد ذلك بشكل مباشر مع الجيوش لتحديد الإمكانيات المحددة التي ستدعم ذلك".

وتعيد هذه الخطوة إلى الأذهان العملية الأميركية في 1987-1988 لحماية ناقلات النفط الكويتية من الهجمات الإيرانية خلال الحرب العراقية الإيرانية. ونشرت واشنطن حينذاك ما يصل إلى 30 سفينة حربية في المنطقة، وانضمت إليها خمس حكومات أخرى، بما في ذلك بريطانيا وفرنسا.

في هذا الوقت، لا يزال يتفاعل ملف توقيف السفينة الإيرانية "غريس 1" في الرابع من يوليو/ تموز في مياه جبل طارق الخاضع للسيادة البريطانية في أقصى جنوب إسبانيا. وأكد رئيس حكومة جبل طارق فابيان بيكاردو أمام البرلمان، أمس، أن الإجراء الذي اتخذته حكومته الأسبوع الماضي بالتحفظ على الناقلة "غريس 1" يرجع إلى انتهاكها للعقوبات التي يفرضها الاتحاد الأوروبي وليس بناء على طلب أي دولة أخرى "أو اعتبارات سياسية خارجية".

لكن على الرغم من الأجواء الحربية في الخليج، لا تزال واشنطن تؤكد أنها لا تريد التصعيد. وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية مورغان أورتاجوس، ليل الخميس، إن بلادها تريد حلاً دبلوماسياً، وكررت تعليق الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأنه مستعد للقاء إيران "من دون شروط مسبقة". وأضافت للصحافيين "نسعى لحل دبلوماسي... طلبنا من حلفائنا أن يطلبوا من إيران تهدئة الوضع لا أن تتحرش بحلفاء أميركا أو بمصالحهم ولا أن ترهب المنطقة".

وفي السياق نفسه، نقلت وكالة "رويترز" عن مصدرين مطلعين أن الولايات المتحدة قررت ألا تفرض عقوبات على وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في الوقت الحالي، وذلك في علامة على أن واشنطن تترك الباب مفتوحاً أمام الدبلوماسية. وكان وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوتشين قد قال في 24 يونيو/ حزيران إن ظريف سيوضع على قائمة سوداء في ذلك الأسبوع. ومن شأن إدراج كبير المفاوضين الإيرانيين على القائمة السوداء أن يعرقل أي مسعى أميركي لاستخدام الدبلوماسية لحل خلافاتها مع طهران. وقال أحد المصدرين إن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو كان قد عارض إدراج ظريف على القائمة "في الوقت الحالي". وفي مؤشر على مدى اقتراب واشنطن من اتخاذ إجراء ضد ظريف، وزعت وزارة الخزانة الأميركية في أروقتها مسودة بيان صحافي يعلن العقوبات على الوزير الإيراني. ومن المتوقع أن يحضر ظريف اجتماعاً وزارياً في الأمم المتحدة الأسبوع المقبل بشأن أهداف التنمية المستدامة، والذي يهدف للتصدي لقضايا منها الصراع والجوع والمساواة بين الجنسين والتغير المناخي بحلول 2030. ولكي يفعل ذلك سيتعين على الولايات المتحدة منحه تأشيرة دخول، وهي علامة أخرى على أن واشنطن ترجئ العقوبات في الوقت الحالي.

في المقابل، كان رجل الدين الإيراني البارز كاظم صديقي يقول، أمس، إن بريطانيا ستتلقى قريباً "صفعة على الوجه" لأنها احتجزت الناقلة الإيرانية الأسبوع الماضي. ووفقاً للتلفزيون الإيراني، قال صديقي خلال خطبة الجمعة: "مؤسسة إيران القوية ستوجه قريباً صفعة على وجه بريطانيا لأنها تجرأت واحتجزت ناقلة النفط الإيرانية". وفي السياق، دعا المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية عباس موسوي بريطانيا للإفراج الفوري عن الناقلة النفطية. وقال موسوي لوكالة الجمهورية الإسلامية الإيرانية للأنباء: "هذه لعبة خطيرة ولها عواقب... الذرائع القانونية للاحتجاز ليست سليمة... الإفراج عن الناقلة في مصلحة جميع الدول... على القوى الخارجية مغادرة المنطقة، لأن إيران والدول الإقليمية الأخرى قادرة على ضمان أمن المنطقة". واتهم موسوي بريطانيا باحتجاز الناقلة الإيرانية تحت ضغط أميركي. وتابع "مثل هذه الإجراءات غير القانونية قد تزيد التوتر في الخليج الفارسي".
كذلك وصف وزير الدفاع الإيراني أمير حاتمي، التهديدات العسكرية الإسرائيلية ضد بلاده بأنها "انتهاك صارخ" لميثاق الأمم المتحدة. ونقل التلفزيون الحكومي الإيراني عن حاتمي قوله، أمس، إن "هذه التهديدات تشكل انتهاكاً صارخا للبند الرابع من المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة التي تنص على عدم التهديد باستخدام القوة ضد الدول الأعضاء في المنظمة، منها دول المنطقة وإيران". وأكد استعداد إيران "للرد بقوة على كل المعتدين"، مشيراً إلى أنها تحتفظ كذلك بحقها في الدفاع عن نفسها.

في غضون ذلك، دانت وزارة الخارجية البحرينية "بشدة" ما وصفته بمحاولة إيران اعتراض طريق ناقلة بريطانية في الخليج. ووصفت الخارجية في بيان، تلك الواقعة بأنها "عمل عدائي يجسد إصراراً إيرانياً على تهديد الأمن والسلم والإضرار بحركة الملاحة البحرية وتعريضها للخطر".