فبراير الجزائري والربيع العربي

فبراير الجزائري والربيع العربي

26 مارس 2019
تدرّج المتظاهرون في مطالبهم من جمعة إلى أخرى(العربي الجديد)
+ الخط -

يتقاطع حراك فبراير في الجزائر مع ثورات الربيع العربي في الشعار المركزي. الهمّ العربي موحّد لجهة التطلّع إلى التغيير ورحيل النظام برموزه وأدوات حكمه واستعادة الأرض والمقدّرات، والمطلب الديمقراطي كعنوان كبير تتداخل تحته عناوين ومطالب الحريات وتحرير الإنسان وحق التنظيم والتعبير والهوية وإنهاء منظومات القمع ومحاربة الفساد والهيمنة الاقتصادية وتحرير المبادرة الفردية والجماعية.

لكن حراك فبراير يقطع في الوقت نفسه مع ثورات الربيع العربي، شكلاً ومضموناً وتوقيتاً أيضاً، في جملة فوارق. فثورات الربيع العربي انتهت في مأزق بفعل نجاح الثورات المضادة في استعادة المبادرة واحتواء الفعل الثوري ومحاولات التغيير، لتتحوّل نماذج منها إلى حالات تمزق داخلي مخيف، فيما جاء الحراك الشعبي في الجزائر معاكساً لهكذا منحى، بل إنه أعاد موجة الثورية إلى أعلى ما يمكن، وأوجد لدى الشعوب التي تعثّرت ثوراتها أملاً في تصحيح الخيار.

اتخذ حراك فبراير في الجزائر من المركز ومنطقة الثقل الاجتماعي والسياسي، العاصمة أساساً والحواضر الكبرى، منطلقاً لمهاجمة النظام ورموزه. وتوسع بشكل متزامن إلى الهامش الاجتماعي واستردّ لصالحه كافة الفئات الشعبية والطالبية والعمالية والقضاة والجيش. كان حراك فبراير أكثر جرأة ومباشرة في اختيار مركز ونقطة الانطلاق، وتدرّج في المطالب من جمعة إلى جمعة، بخلاف ثورات الربيع العربي التي انطلقت من الهامش الاجتماعي ثم انتقلت إلى المركز، من درعا في سورية، وسيدي بوزيد في تونس، ومن تعز في اليمن.

يوضع حراك فبراير في سياق تصحيح انتفاضة أكتوبر/ تشرين الأول 1988، التي حادت عن مسارها الديمقراطي. ويعتد الجزائريون برصيد من التجربة المؤلمة في التسعينيات، مهّد لها الاستقطاب السياسي والأيديولوجي، وأدت إلى العنف السياسي والعنف المسلح، ولذلك تلافى استخدام أي من مظاهر العنف والقوة. وبخلاف ثورات الربيع العربي في ليبيا وسورية، صمّم الجزائريون حالة سلمية مبتكرة في الحراك، على الرغم من أن القرار الأمني كان يتجه إلى رد عنيف على الناشطين والمتظاهرين، كرد باقي الأنظمة الشمولية.

كبح حراك فبراير منذ اللحظة الأولى جماح الإسلاميين، أبقى عليهم كمكوّن مجتمعي وسياسي ضمن الشعب، لكنه منع قفزهم إلى صدارة المشهد، وأغلق الحراك على نفسه في الدائرة المحلية لكبح الفاعل الخارجي، رافضاً أي دور لأي جهة كانت في الشأن الداخلي، ولو على صعيد التصريحات السياسية، بل إنه عزل السلطة ودفعها إلى منطقة التسلل والتخابر في الشأن المحلي مع العواصم الغربية.

لا يريد الجزائريون أن يروا الرئيس عبد العزيز بوتفليقة مطارداً في العواصم ومغترباً كالرئيس التونسي المعزول زين العابدين بن علي، الهارب إلى السعودية، ولا في قفص المحكمة كالرئيس المصري المعزول حسني مبارك، ولا طريداً ثم مقتولاً ببشاعة كالعقيد الليبي معمر القذافي، ولا مغدوراً كالرئيس اليمني الراحل عبد الله صالح. يحتفظ الحراك الشعبي في الجزائر بصبر كبير وموقف أخلاقي إزاء رئيس توفرت له كل عوامل الحكم والتنمية، لكنه اهتم بصب رصيد من التاريخ في حسابه بدلاً من الصب في حساب الديمقراطية، وسيحكم له أو عليه التاريخ.

المساهمون