استراتيجيات جديدة لـ"داعش" في سورية: تمسك بالرقة ودير الزور

استراتيجيات جديدة لـ"داعش" في سورية: تمسك بالرقة ودير الزور

06 يونيو 2016
تشييع قتلى أكراد في المعارك مع "داعش" (جون مور/Getty)
+ الخط -
تتسارع التطورات العسكرية على الجغرافيا السورية، خصوصاً في شمالها وشرقها، حيث تدور معارك بين تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) من جهة، وقوات النظام ومليشيات مرتبطة بها، و"قوات سورية الديمقراطية"، التي يُشكّل مقاتلون أكراد عمادها الرئيسي، من جهة أخرى. وتشير معطيات إلى أن "هذه المعارك تتجه نحو التصعيد في الأيام القليلة المقبلة، خصوصاً لجهة تشتيت قوى التنظيم وتقطيع أوصاله، ما قد يؤدي إلى تغيير جوهري في معادلات الصراع.

ولا تزال الحرب سجالاً في محيط مدينة منبج (80 كيلومتراً شرق مدينة حلب) بين "قوات سورية الديمقراطية"، و"داعش"، في مسعى من الأولى لانتزاع السيطرة على المدينة، وهي كبرى مدن الريف الحلبي الواسع، بمساندة مباشرة من التحالف الدولي من خلال مستشارين أميركيين وغطاء جوي كثيف.

كما لا تزال الاشتباكات على أشدها في مدينة دير الزور (شرق سورية) بين "داعش"، وقوات النظام، التي لا تزال تسيطر على أحياء داخل المدينة ومطارها العسكري. وتفيد الأنباء الواردة من هناك أن عناصر "داعش" يحققون تقدماً مطرداً، إثر سيطرته على كامل تلة التيم، المطلة على حقل التيم النفطي، جنوبي مدينة دير الزور، عقب اشتباكات عنيفة مع قوات النظام ومليشياته، قُتل خلالها نحو 50 عنصراً منهم.

مع العلم أنه طرأ تطور عسكري لافت خلال الأيام القليلة الماضية، بعد تقدم مليشيات مدعومة من وزارة الدفاع الروسية من ريف حماة الشرقي، باتجاه الحدود الإدارية لمحافظة الرقة، التي تُعدّ من أهم معاقل "داعش" في سورية. وقد اعتبر مراقبون هذا التحرك "بداية محاولة روسية للوصول إلى طريق الرقة ـ حلب، لتقطيع أوصال التنظيم بين المدينتين، كخطوة أولى في الطريق إلى مدينة الرقة".

كما يواجه "داعش" تهديداً لا يقلّ خطورة عن الآتي من ريف الرقة الشمالي: "قوات سورية الديمقراطية"، التي تتطلع للوصول إلى مدينة الطبقة (60 كيلومتراً غرب الرقة)، حيث سدّ الفرات أكبر السدود المائية في سورية. وكان من الواضح أن "داعش" حسم أمره بالتمركز في المحافظات السورية الشرقية وفي ريف حلب الشرقي، لقرب المنطقة من مناطق نفوذه بالعراق ولغناها بالبترول والموارد الاقتصادية من زراعة ومياه وثروات حيوانية. ولكن التنظيم فشل في السيطرة على محافظة الحسكة (أقصى شمال شرق سورية)، إثر صدّه عن مدينة عين العرب على الحدود السورية التركية، ليبدأ في التمدد غربا في البادية السورية وفي ريف حلب الشمالي.

وتعرّض "داعش" منذ منتصف العام الماضي للعديد من الانتكاسات، إذ اضطر للانسحاب من شمال محافظة الرقة ومركزه مدينة تل أبيض، تحت ضغط من طيران التحالف الدولي وتقدم للوحدات الكردية، كما اضطر للانسحاب من مدينة تدمر وبلدات أخرى في عمق البادية السورية شرق حمص تحت ضغط من الطيران الروسي، وتقدم المليشيات المؤيدة للنظام السوري والمدعومة من الحرس الثوري الإيراني.

كما انسحب التنظيم من مناطق في ريف حلب، أبرزها سدّ تشرين الاستراتيجي، الذي استولت عليه الوحدات الكردية بمساعدة من طيران التحالف، ليتحول إلى قاعدة مركزية انطلقت منها "قوات سورية الديمقراطية" لقضم المزيد من الجغرافيا، في مسعى لإنهاء وجود التنظيم في شمال مدينة حلب وشرقها. وقد بدأ التنظيم بخوض معارك للدفاع عن معاقله في أكثر من مكان في سورية، بعد أن كان مهاجماً ومهدداً أغلب القوى العسكرية الفاعلة في سورية.

في هذا السياق، يرى محللون عسكريون أن "داعش ليس في وارد تسليم مواقعه بسهولة في المناطق التي يسيطر عليها في محافظتي الرقة ودير الزور، بل يسعى إلى فرض سيطرة كاملة على الأخيرة، كونها ملاصقة لمحافظة الأنبار، أبرز معاقله في العراق. ما يعني توحيد جغرافيتين، والاستحواذ على واحدة من اهم محافظات سورية الغنية بالبترول، والهامة زراعياً. كما يخوض داعش منذ أشهر عدة معارك ضارية على أسوار مطار دير الزور العسكري، ما يؤكد أن لها أهمية استراتيجية لديه".

من جانبه، يرى الكاتب والمعارض السوري أحمد الرمح أن "داعش سيسلّم مواقعه في ريفي حلب الشرقي والشمالي، بعد أن يتفق اللاعبون الأساسيون على بديله في تلك المناطق". ويضيف في حديث مع "العربي الجديد": "في محافظة الرقة اتُخذ القرار بخروجه منها، وسيُسلّمها من خلال مسرحية ما للبديل المُتفق عليه دولياً، الذي لم تتضح هويته حتى اللحظة".

ويعرب الرمح عن اعتقاده بأن "هناك تفاهماً مشتركاً أميركياً روسياً، على استعادة السيطرة على محافظة الرقة من قبل قوات النظام، أو قوات سورية الديمقراطية، لكنه تم تأجيله في الوقت الراهن، حتى يتم ترتيب الأوضاع في ريف حلب". ويبدي اعتقاده بأن "مصير محافظة دير الزور في أقصى شرق سورية، سيبقى مؤجلاً حتى يتم التوافق على وفد للتفاوض من قبل المعارضة السورية يوقّع التسوية السياسية، لإيجاد بديل عسكري وطني يتم اختياره أميركياً".

كما يرى الرمح أن "الترتيبات الميدانية لا تزال غير ناضجة وعليها يتوقف الإسراع بالتسوية السياسية"، مشيراً إلى أن "الإدارة الأميركية منحت الضوء الأخضر للروس، لإنهاء ما تبقى من جيوب ثائرة (غير منضبطة) وفق رؤيتها". ويعرب عن اعتقاده بأن "الأيام المقبلة شديدة الخطورة في إدلب وحلب".

من جانبه، يرى المحلل العسكري محمد سامر الصالح (ضابط برتبة مقدم منشق عن جيش النظام)، أن "الروس والأميركيين توزّعوا الأدوار في سورية، وعليه، باتت المنطقتين الوسطى والجنوبية مناطق نفوذ للروس، والشمالية والشرقية للأميركيين". ويعتقد الصالح بأن "موسكو وواشنطن تحددان مصير ومستقبل سورية، لا أي طرف أو لاعب آخر في سورية"، مشيراً في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أن "الرقة لن تشهد معارك كبرى حالياً".

أما المحلل العسكري فايز الأسمر، فيرى أن "لريف حلب الشمالي أهمية خاصة لدى داعش"، مستبعداً أن "يخلي مواقعه منه إلا إذا اتّبع طيران التحالف، والطيران الروسي سياسة الأرض المحروقة". ويضيف أن "منطقة مرج دابق شمال حلب، لها أهمية فكرية لدى التنظيم، لاعتقاده بأن معركة كبرى ستحدث في هذه الأرض بين المسلمين والكفار، لذا لن يتنازل عنها بسهولة".

ويلفت الأسمر في حديث مع "العربي الجديد" إلى أن "التنظيم يتبع استراتيجية سمكة الصحراء، فينسحب من مواقع لا تُشكّل أهمية لديه ليظهر في أماكن أخرى"، لافتاً إلى أن "هناك تنسيقاً روسياً أميركياً جواً، وعلى الأرض في قتال التنظيم".

ويُردف بأنه "جرى في الآونة الأخيرة فتح معارك عدة لتشتيت قوى التنظيم، وتقطيع أوصاله، ووضعه بين فكي كماشة، وقطع طرق امداده وانسحابه". ويستبعد الأسمر حدوث معارك في الرقة في المدى المنظور، لافتاً إلى أنه "لا توجد قوة قادرة على انتزاع السيطرة على الرقة من التنظيم، فالرقة في سورية، والموصل في العراق تشكلان أهمية كبرى لداعش".

المساهمون