رحيل عبد الله مرسي... نهاية سنوات من الملاحقة والتنكيل

رحيل عبد الله مرسي... نهاية سنوات من الملاحقة والتنكيل

06 سبتمبر 2019
بات عبدالله منذ ديسمبر 2016 مسؤولاً عن قضية والده(الأناضول)
+ الخط -
ست سنوات من حصار النظام المصري لعبد الله مرسي، نجل الرئيس الراحل محمد مرسي، انتهت ليلة الأربعاء بوفاته عن عمر 25 عاماً، ليضع الموت حداً لممارسات النظام الظالمة بحق الابن الأصغر للرئيس الراحل، ويحرره من الحصار كما حرر والده من سجون الانقلاب العسكري في 17 يونيو/ حزيران الماضي.

منذ التاسع من ديسمبر/ كانون الأول 2016، وجد عبد الله، الابن الأصغر للرئيس المصري الراحل محمد مرسي نفسه مسؤولاً عن ملف قضية والده ونقْل تفاصيل التنكيل بوالده في السجن إلى العالم، في أعقاب القبض على شقيقه الأكبر المحامي أسامة، والذي كان يتولى تلك المسؤولية، كما كان بمثابة المتحدث الرسمي باسم الأسرة وممثلها القانوني، قبل أن يزج به النظام المصري في القضية المعروفة إعلامياً بفض اعتصام رابعة العدوية.

كان أسامة مرسي قبل إلقاء القبض عليه وتوجيه اتهامات له بالتحريض على العنف، على الرغم من ابتعاده تماماً عن أي عمل سياسي وانشغاله بالجوانب القانونية بقضية والده منذ اللحظة الأولى، مهتماً بتدويل قضية الرئيس الراحل وكشْف ما يجري معه من انتهاكات للعالم أجمع في محاولة لوقفها. وكان أسامة قد دعا قبل القبض عليه، المنظمات الحقوقية الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة إلى الالتفات لملف انتهاك حقوق والده، مؤكداً في تصريحات مع عدد من وسائل الإعلام الأجنبية التي لجأ إليها لكسر عملية التعتيم الإعلامي المحلي، أن السلطات دأبت على منْع الأسرة من لقاء مرسي من دون سند على الرغم من تكرار المحاولة كل أسبوعين. وأضاف أن إدارة السجن ترفض أن تشرف الأسرة على طعامه أو علاجه.
خلال تلك الفترة كان أسامة يتابع أيضاً قضية شقيقه الأصغر عبد الله البالغ من العمر وقتها 19 عاماً، بعدما لفّقت له أجهزة النظام المصري اتهامات بحيازة مواد مخدرة، في محاولة بائسة للضغط على والده وثنيه عن صموده لانتزاع اعتراف منه بالانقلاب العسكري وإضفاء شرعية على قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي.

قضى عبد الله عاماً داخل أسوار السجن، بحكم قضائي وُصف وقتها بالمسيّس. خلال ذلك العام تعرّض عبد الله بحسب شهادات وروايات أصدقاء مقربين منه عاصروا فترة سجنه، لانتهاكات عدة، كان من بينها إلحاقه بزنازين مخصصة لعناصر تنظيم "داعش" في سجن العقرب، في ظل تكفير هذه العناصر لأعضاء جماعة "الإخوان المسلمين" ومحمد مرسي، وهو ما كان يعرّض حياته للخطر.

في منتصف عام 2015 خرج عبد الله من السجن ليكون على موعد بعد ذلك مع تصدُّر المشهد عقب القبض على شقيقه الأكبر أسامة، ويقود مهمة التعريف بقضية والده للعالم والتواصل مع وسائل الإعلام الأجنبية في ظل ظروف سياسية هي الأصعب على مصر بالكامل، وسط مضايقات أمنية وتهديدات من جانب أجهزة النظام الذي لم يعد لديه أي خطوط حمراء في الخصومة مع الرئيس السابق وقتها محمد مرسي وأسرته.

تصدُّر عبد الله للمشهد وقيادة دفة قضية والده والسعي خلفه في المحاكم لحضور الجلسات على أمل نظرة اطمئنان ينتزعها من خلف القفص الزجاجي، لم تكن بالأمر الهيّن على المستوى النفسي والعملي، خصوصاً أنه الأصغر بين أشقائه الآخرين أحمد وعمر والشيماء إضافة لوالدته نجلاء محمود.



يروي خالد، أحد الأصدقاء المقربين من عبد الله، عقب وفاته عن الأيام العصيبة التي عاشها برفقة صديقه، قائلاً "عشت مع عبد الله أيام ربنا وحده يعلم بشدّتها ومُرها، وهو وحده العالم باللي كان بيمر بيه وقتها، كنا ننزل أنا وهو نلف عالمحلات نشتري لبس الإعدام لوالده!!". في إشارة إلى محمد مرسي عقب صدور عدة أحكام بالإعدام بحقه، متابعاً "متخيل يعني إيه ابن ينزل يلف ع المحلات علشان يجيب لبس إعدام لأبوه، ويفضل يدور ويلف على حاجة مناسبة بحيث إدارة السجن ماترفضاهاش ومايكنش عليها أي علامة تجارية أو براند معروف، في حين أن مبارك، كان بيدخل قاعة المحكمة متشيّك".

كان عبد الله الذي وافته المنية مساء الأربعاء عن عمر 25 عاماً إثر أزمة قلبية مفاجئة، أكثر أبناء الرئيس الرحل شبهاً على مستوى الشكل بوالده وأكثرهم ارتباطاً وتعلقاً به بحكم أنه الأصغر، حتى إن ذلك التشابه وصل حد التشابه في الميتة بأزمة قلبية.
حمل عبد الله على عاتقه كشْف محاولات القتل البطيء لوالده في محبسه ومنع الدواء والزيارة عنه، للدرجة التي دفعت سلطات النظام إلى الزجّ به مجدداً في قضية جديدة، ولكن هذه المرة كانت التهمة نشر أخبار كاذبة، في أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي عقب إدلائه بتصريحات لوسائل إعلام أجنبية حول ظروف سجن والده ومنع الزيارة والدواء عنه.

في مارس/ آذار 2018 أثارت تصريحات أدلى بها عبد الله لصحيفة "واشنطن بوست" الأميركية ضجة كبيرة، تبعتها مطالبات من جانب منظمات دولية بزيارة محمد مرسي في محبسه، وأكد عبد الله أن النظام يتمنّى موت والده في سجنه، مشدداً على أن أول رئيس منتخب ديمقراطياً يعاني أوضاعاً خطيرة في محبسه.

وفي 10 أكتوبر 2018 مثُل عبد الله أمام جهات التحقيق مجدداً عقب إلقاء القبض عليه من منزله في مدينة السادس من أكتوبر لمواجهته باتهامات وُصفت وقتها بأنها كيدية هدفها الأساسي ترهيبه لدفعه هو وأسرته إلى الصمت إزاء ما يتعرض له والده، قبل أن يصدر النائب العام المصري نبيل صادق قراراً بإخلاء سبيله من سراي النيابة بكفالة قدرها 5 آلاف جنيه (نحو 300 دولار)، لتظل القضية مفتوحة وبمثابة سيف على رقبته يتم استدعاؤه بحال استمر في فضح ممارسات النظام وأجهزته.



ولم يتورّع أركان النظام المصري عن الإمعان في التنكيل بأسرة الرئيس الراحل، بعدما أكد نادي قضاة مصر أنه سيلاحق ورثة مرسي وأسرته لتحصيل مليون جنيه (نحو 60 ألف دولار) قيمة غرامة ضمن حكم صدر ضده في القضية المعروفة إعلامياً باسم إهانة القضاء، على الرغم من وفاة الرئيس الراحل.

جاء الموت المشابه ليحقق لعبد الله ما تمناه عقب شهر واحد من وفاة والده، عندما غرّد قائلاً "والله يا أبي لا يشفي صدري ويجبر روحي المكسورة ويذهب حزني إلا أن ألحق بك على دربك وطريقك، فلم تعد لديّ رغبة في الحياة من بعدك يا أبي، فارقت الحياة فكيف لي أن أعيش بدون وجودك فيها، كنت أصبّر نفسي بأنك يوماً ستعود ونجتمع مرة أخرى". وتابع حينها "ألف كلمة وكلمة لا تزال عالقة كالغصة لم أخبرك عنها قبل رحيلك، فقدانك يا أبي موت على قيد الحياة، برغم كونك رحلت من الدنيا إلا أنّك لم ترحل مني ما زلت تسكنني، وما زلت أراك في كل مكان وأسمع صوتك طوال الوقت يا أبي، عزاؤنا الوحيد يا أبي أنك شهيد وحي عند ربك ترزق.. نحسبك كذلك ولا نزكيك على الله، وإلى لقاء يا أبي تحت ظل عدالة قدسية الأحكام والميزان".

وشهدت القاهرة وعدد من المحافظات المصرية، أمس الخميس، تشديدات أمنية، بعد وفاة عبد الله. فيما شنّت الأجهزة الأمنية في محافظة الشرقية، مسقط رأس أسرة محمد مرسي، حملة اعتقالات بعد توسيع دائرة الاشتباه السياسي، مما دفع البعض إلى الاختفاء خوفاً من عملية الاعتقال التي تتم على إطار واسع. كما طوّقت الأجهزة الأمنية قرية العدوة مسقط رأس مرسي، بقوات الأمن المركزي والأمن العام وقوات الأمن الوطني، ونبّهت الأجهزة الأمنية عمدة القرية ومشايخها والقرى المجاورة بعدم إقامة أي صلاة جنازة أو صلاة غائب على روح أصغر أبناء الرئيس الراحل، وتحوّلت القرية خلال الساعات الماضية إلى وضع أشبه بـ"حظر التجوال" بسبب كثرة وجود القوات الأمنية بها، كما منعت كل وسائل الإعلام المحلية والدولية أو أي شخص غريب من دخول القرية خلال هذه الأيام، ومنع أي حوارات صحافية أو إعلامية مع أي من أهالي القرية.