تدوير المعتقلين: معارضون مصريون ضحايا تنكيل النظام

تدوير المعتقلين: معارضون مصريون ضحايا تنكيل النظام

15 ديسمبر 2019
يمضي المعتقلون فترات طويلة في السجن الاحتياطي(محمد الشاهد/فرانس برس)
+ الخط -
تحوّل مصطلح "التدوير"، في ما يتعلق بملف المعتقلين السياسيين في مصر، إلى تعبير يلخص شراسة النظام المصري في خصومته مع المعارضين الذين يتعمد التنكيل بهم. والتدوير مصطلح أطلقه المعتقلون على ذمة تحقيقات القضايا الملفّقة لهم. والتدوير نوعان: الأول، يبدأ بعد صدور قرار إخلاء السبيل، لكنه لا ينفّذ، بل يظل المعتقل لدى السلطات، وفي اليوم التالي أو بعدها بعدة أيام يُقدَّم للنيابة بمحضر تحريات جديد، ويُضَمّ إلى قضية جديدة. وآخر مثال على هذا النوع من التنكيل، المعتقل السياسي محمد القصاص، نائب رئيس حزب مصر القوية، الذي ضُمّ إلى قضية جديدة بعد صدور قرار بإخلاء سبيله على ذمة القضية رقم 977 لسنة 2017، المعروفة إعلامياً بقضية "مكملين 2" بعد 22 شهراً من سجنه احتياطياً.

هذا النوع من التدوير حصل مع عدد كبير من المعتقلين السياسيين، لعل أبرزهم، المحامي الحقوقي، مؤسس رابطة أسر المختفين قسراً إبراهيم متولي، الذي وجد نفسه متهماً على ذمة القضية 1470 لسنة 2019 حصر أمن دولة. واتُّهم بالانضمام إلى جماعة إرهابية وارتكاب جرائم تمويل الإرهاب، وذلك بعد يومين من قرار نيابة أمن الدولة العليا، بإخلاء سبيله على ذمة القضية رقم 900 لسنة 2017 حصر أمن دولة، في 14 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. وظل المحامي الحقوقي في يد الأمن منذ قرار إخلاء السبيل وحتى مثوله للتحقيق على ذمة القضية الجديدة.

مثال آخر فجّ على هذا النوع من التدوير، حصل مع علا القرضاوي، ابنة العالم الإسلامي يوسف القرضاوي، التي سُجنت في 1 يوليو/ تموز 2017 على ذمة القضية 316 لسنة 2017 حصر أمن دولة عليا، بتهمة الانضمام إلى جماعة إرهابية، وظلت في السجن الاحتياطي الانفرادي الانعزالي حتى صدور قرار من محكمة الجنايات الدائرة الـ28 برئاسة المستشار حسن فريد، باستبدال الحبس الاحتياطي بأحد التدابير الاحترازية في 3 يوليو الماضي. وبدلاً من تنفيذ قرار إخلاء السبيل وإطلاق سراحها، فوجئت في اليوم التالي بإحضارها إلى نيابة أمن الدولة، والتحقيق معها في القضية رقم 800 لسنة 2019 حصر أمن دولة. ووُجّهت إليها تهمتا "الانضمام إلى جماعة إرهابية"، وهي ذات التهمة في القضية التي سُجنت بسببها عامين، وحصلت على قرار إخلاء سبيل. والتهمة الثانية "تمويل جماعة إرهابية"، وكان التمويل في أثناء فترة سجنها، بحسب ادّعاء السلطات، عبر استغلال علاقاتها داخل السجن.

هناك مثال على معتقل آخر تعرّض لهذا النوع من التدوير، هو الناشط السياسي إسلام الرفاعي، المعروف بـ"خرم"، الذي تعرّض للاختفاء القسري منذ 16 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017 قبل أن يعلن مقرّبون منه ظهوره في نيابة أمن الدولة بالتجمع الخامس. وظلّ محبوساً طوال هذه الفترة حتى 19 أغسطس/ آب الماضي، منتظراً إخلاء سبيله على ذمة القضية المعروفة بـ"مكملين 2" بعد سداد كفالة مالية قيمتها 2000 جنيه (124 دولاراً)، فوجد نفسه محبوساً 15 يوماً على ذمة قضية جديدة رقمها 441، وهي المحبوس على ذمتها حتى اليوم.

هناك أيضاً حالة المعتقل السياسي البارز جهاد الحداد، الذي ألقي القبض عليه في سبتمبر/ أيلول 2013، وأُدرج اسمه في أكبر قضيتين يحاكم فيها قيادات جماعة الإخوان المسلمين، وهما قضيتا التخابر مع قطر وغرفة عمليات رابعة. وبعدما حصل على حكم البراءة في القضيتين، أبى النظام المصري أن يخرج إلى النور؛ ففيما كان أهله ينهون إجراءات إخلاء سبيله في 21 أكتوبر الماضي، فوجئوا بأن النظام المصري أدرجه على ذمة قضية جديدة رقم 1400/ 2019 حصر أمن دولة عليا باتهامات "تولي قيادة جماعة ومدهم بمعلومات وتعليمات خلال سجنه"، رغم أنه كان في حبس انفرادي طوال سنوات سجنه في العقرب، وممنوعاً عنه الزيارة.
أما النوع الثاني من التدوير، فيحصل بعد انقضاء العقوبة وتنفيذها أو انتهاء الحبس الاحتياطي، ويطلق سراح المعتقل فعلاً، وبعد شهر أو عدة أشهر، يُقبَض عليه في قضية جديدة. ومن الذين نُكِّل بهم بهذا النوع من التدوير، الناشط السياسي البارز، علاء عبد الفتاح، الذي ألقي القبض عليه يوم 29 سبتمبر الماضي، خلال أحدث حملة قمع شنّتها السلطات، من قسم شرطة الدقي بعد خروجه من القسم حيث يقضي المراقبة الشرطية يومياً من السادسة مساءً للسادسة صباحاً.

وكان علاء عبد الفتاح قد أُفرج عنه في 29 مارس/ آذار الماضي، بعد قضائه خمس سنوات في السجن، في قضية عرفت إعلامياً باسم "أحداث مجلس الشورى". لكن الحكم القضائي كان يشمل خمس سنوات من المراقبة الشرطية، أي إنه مطالب بتسليم نفسه للسلطات من السادسة مساءً حتى السادسة صباحاً كل يوم لقسم الشرطة التابع له عند انتهاء عقوبة السجن، ضمن ما يسمى الإجراءات الاحترازية. ثم ألقي القبض عليه وضُمّ إلى القضية الجديدة من قسم الشرطة في أثناء تنفيذ حكم المراقبة الشرطية.

الأمر نفسه حدث مع المحامي الحقوقي والناشط العمالي البارز هيثم محمدين، الذي ضُمّ إلى القضية 741 لسنة 2019 حصر أمن دولة، بتهمة مشاركة جماعة إرهابية في تحقيق أغراضها. ونُفِّذَت التدابير الاحترازية المقررة عليه في قسم الصف بمحافظة الجيزة، حيث ألقي القبض عليه في 17 مايو/ أيار 2018 وحبسه على ذمة القضية رقم 718 لسنة 2018 أمن دولة، التي عُرفت إعلامياً بقضية المترو. واجه محمدين في تلك القضية اتهامات بالاشتراك مع جماعة إرهابية مع العلم بأغراضها والتحريض على التظاهر لتعطيل المواصلات العامة والإضرار بمصلحة المواطنين، واستخدام شبكة المعلومات الدولية للتحريض على أعمال إرهابية. وأُخلي سبيله بعد ذلك واستُبدلت بالحبس الاحتياطي التدابير الاحترازية، وهي الذهاب إلى قسم الصف مرتين أسبوعياً. ثم خُفِّفَت التدابير بعد ذلك من محكمة الجنايات في 5 يناير/ كانون الثاني الماضي لتصبح يوماً واحداً فقط في الأسبوع. لكن محمدين فوجئ بمكالمة هاتفية من القسم تفيد بتحرير محضر ضده بتهربه من التدابير الاحترازية، وحمل المحضر رقم 22 لسنة 2019. وحين توجه محمدين إلى القسم لتبيّن أمر محضر التهرب من التدابير، احتُجز داخل القسم. وفي صباح اليوم التالي توجه محامي المفوضية إلى قسم الصف للسؤال عن محمدين، وأنكر القسم وجوده في البداية، ثم بعد ذلك أخبروه أنه موجود بالداخل، ولكنه لن يتمكن من رؤيته. ظل محمدين مسجوناً في قسم الصف حتى يوم الخميس 16 مايو الماضي حين فوجئ محاموه بوجوده في نيابة أمن الدولة بالتجمع الخامس، والتحقيق معه على ذمة القضية رقم 741 واتهامه بمشاركة جماعة إرهابية في تحقيق أغراضها.

هناك أيضاً المحامية الحقوقية ماهينور المصري، وهي مثال آخر على هذا النوع من التدوير، بعد إلقاء القبض عليها من أمام المحكمة عقب الانتهاء من عملها، في 23 سبتمبر الماضي، بتهمة مشاركة جماعة إرهابية وإذاعة أخبار وبيانات وإشاعات كاذبة، ويُجدَّد حبسها كل فترة. وسبق أن ألقي القبض على المصري في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي على خلفية قانون التظاهر، قبل أن تخرج من السجن في 14 أغسطس 2016. وتعرّض الصحافي حسن القباني لهذا النوع من التدوير أيضاً، إذ ظهر بعد اختفاء قسري دام 69 يوماً، في 26 نوفمبر الماضي في نيابة أمن الدولة العليا، منذ أن احتجزته قوات الأمن بمحكمة جنايات القاهرة، يوم 18 سبتمبر الماضي، في أثناء حضوره جلسة تجديد التدابير الاحترازية، على ذمة القضية التي أخلي سبيله منها في نوفمبر 2017، واستُبدِلَت بالحبس الاحتياطي تدابير احترازية. مع العلم أن السلطات اعتقلت القباني في 22 يناير 2015 واتهمته بالاشتراك في جريمة التخابر مع من يعملون لمصلحة دولة أجنبية، والانقلاب على الدستور والنظام الجمهوري والانضمام إلى جماعة أسست على خلاف القانون. ثم أعلنت انتهاء حبسه الاحتياطي في يناير 2017، لكنها لم تفرج عنه إلا في 30 نوفمبر 2017.

نموذج آخر لهذا النوع من التدوير، هو صاحب مدونة أكسجين مصر، محمد إبراهيم محمد رضوان، المعروف بـ"محمد أكسجين"، الذي اعتُقل للمرة الأولى، في 6 إبريل/ نيسان 2018، بعد 24 ساعة من إجرائه حواراً صحافياً مع السفير معصوم مرزوق. واختفى بعدها لمدة 11 يوماً ليظهر في 17 إبريل 2018 في نيابة التجمع الخامس، على ذمة القضية رقم 621 لسنة 2018 حصر أمن دولة عليا، ووجهت إليه اتهامات بالانضمام إلى جماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة. وسُجن لمدة عام ونصف عام ليُطلق سراحه في العام الحالي، قبل اعتقاله مجدداً بعد أقل من شهر ونصف شهر من إخلاء سبيله، وعقب قضائه التدابير الاحترازية المقررة عليه، في 21 سبتمبر الماضي، حين احتجزته قوات الأمن على خلفية تغطيته صور وفيديوهات تظاهرات 20 سبتمبر عبر صفحته على "فيسبوك". وبعد اختفاء 18 يوماً، ظهر محمد أكسجين في نيابة أمن الدولة العليا، ليُحبَس 15 يوماً على ذمة قضية جديدة، وهي القضية رقم 1356 لسنة 2019 حصر أمن دولة، بعد توجيه اتهامات مشاركة جماعة إرهابية في تحقيق أغراضها، وإذاعة أخبار وبيانات كاذبة، وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في نشر أخبار كاذبة.