ترامب متمسك بإرث الكونفيدرالية: الجنوب الأميركي "قاعدة" انتخابية

ترامب متمسك بإرث الكونفيدرالية: الجنوب الأميركي "قاعدة" انتخابية

12 يونيو 2020
تعترف غالبية الأميركيين بوجود أزمة عرقية (فيفيان كيليليا/Getty)
+ الخط -

في وقت يعيد فيه مقتل المواطن الأميركي من أصول أفريقية جورج فلويد على يد الشرطة إحياء مطلب إنهاء مظاهر إرث العبودية في الولايات المتحدة، علّقت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كايلي ماكناني، أول من أمس الأربعاء، على الجدل الدائر في البلاد حول إزالة أسماء جنرالات كونفيدراليين عن 10 قواعد عسكرية في الجنوب الأميركي، بقولها إنها سمعت أيضاً بحجب شبكة "أتش بي أو ماكس" التلفزيونية، التابعة لمجموعة "وارنر"، الفيلم الأميركي الكلاسيكي الشهير "ذهب مع الريح"، الذي برأي الشبكة، يرسم صورة غير مناسبة (واقع العبودية) في العصر الحديث. وقالت ماكناني إن "الآباء المؤسسين لأميركا هم من ملاك العبيد، فأين علينا أن نرسم خطاً أحمر؟ هل يجب أن نزيل اسمي توماس جيفرسون وجورج واشنطن عن بعض المباني؟".

كلام المتحدثة باسم البيت الأبيض، جاء بعد وقت قليل، من إعلان الرئيس دونالد ترامب رفضه القاطع لإزالة أسماء الجنرالات الكونفيدراليين، عن تلك القواعد، في إشارة إضافية إلى ابتعاده التام عن الحراك المستمر منذ 26 مايو/ أيار الماضي نتيجة مقتل فلويد في مدينة مينيابوليس، في ولاية مينيسوتا، ورفضه حتى إطلاق لغة تصالحية في البلاد، التي يرتفع فيها التأييد الشعبي المتنوع لمطالب ظلّت حكراً لفترة طويلة على لونٍ واحد. وفيما كان ناشطون من السكان الأصليين يسقطون في مكان ليس ببعيد عن مينيابوليس، في مدينة سانت بول في الولاية ذاتها، تمثال كريستوفر كولومبس، لم يحد ترامب، في آخر أشهر ولايته الأولى، عن السردية التي يلاقي فيها قاعدته الشعبية، والتي يحتاج إليها اليوم بشدة، مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في نوفمبر/ تشرين الثاني. ويعتبر الجنوب الأميركي، معقلاً مهماً لمؤيدي ترامب، وخصوصاً الولايات الكونفيدرالية السابقة. لكن بحسب "أسوشييتد برس"، نقلاً عن خبراء، فلترامب علاقة قديمة جدلية أيضاً مع المواطنين من أصول أفريقية، منذ أوائل أيامه كقطب عقاري، وهو ما حاول ترجمته في إشارته إلى مكان ولادة الرئيس السابق باراك أوباما، ونقل "أفكاره المعلبة" إلى المكتب البيضاوي، واصفاً هايتي ودولاً أفريقية بـ"القذرة". لكن إسقاط ترامب نفسه، لجدل الرموز الكونفيدرالية، على خانة "تراث أميركا"، يؤكد هامش التحرك الضيّق الذي يمكن الحراك تخطيه في الوقت الحاضر، وصعود تحرر أميركا من ماضيها.

وفي تناقضٍ مع ما كانت قد أوحت به وزارة الدفاع قبل يومين، بتأكيدها إمكانية البحث في إزالة أسماء جنرالات من الإرث الكونفيدرالي عن قواعد عسكرية، ضمن مناقشات يشارك فيها الحزبان الجمهوري والديمقراطي، أعلن ترامب أول من أمس، رفضه القاطع لهذه الخطوة. وكتب الرئيس في تغريدة على "تويتر": "البعض اقترح إعادة تسمية ما يصل إلى 10 من قواعدنا العسكرية الأسطورية"، معتبراً أن "هذه القواعد أصبحت الآن جزءاً من التراث الأميركي العظيم"، ومشدّداً على أنّ إدارته "لن تنظر حتى في هذا الاحتمال". وأضاف أن "الولايات المتحدة دربت أبطالنا، ونشرتهم على تلك الأراضي المقدسة، وفازوا بحربين عالميتين". وختم تغريدته قائلاً: "احترموا جيشنا".


ويعتبر نظام العبودية المحرك الأساسي للحرب الأهلية التي مزّقت الولايات المتحدة بين العامين 1861 و1865، حيث انقسمت البلاد بشأنه بين ولايات شمالية حاربت هذا النظام، وأخرى جنوبية رفضت تحرير العبيد، وأعلنت انفصالها عن الاتحاد وتأسيس كونفيدرالية. وهزمت الولايات الشمالية الجنوب في الحرب، واستعادت الوحدة. لكن إرث العبودية لا يزال يطارد العلاقات بين الأعراق في البلاد. وفي التاريخ الحديث، تفجر الجدل حول رموز الكونفيدرالية، مثل تماثيل زعمائها وعلم معاركها. ويقول المنادون بإزالتها إنها ترمز إلى العنصرية والاضطهاد، فيما يصفها معارضو التحرك بأنها دلالات على تراث وكبرياء الجنوب.

والقواعد العسكرية العشر التي يطالب الناشطون الحقوقيون بتغيير أسمائها، تقع كلّها في جنوب الولايات المتحدة، من فيرجينيا إلى تكساس، وتحمل أسماء قادة عسكريين جنوبيين خلال الحرب الأهلية، كان معظمهم مدافعاً شرساً عن نظام الرقيق. وتعززت الأصوات الداعية إلى إزالة هذه الأسماء، بعدما أقدم أحد المؤيدين لنظرية "التفوق الأبيض" على قتل 9 مصلين في كنيسة في كارولينا الشمالية عام 2015، وارتفع النقاش حولها بعد أحداث تشارلوتسفيل عام 2017.

وسميت القواعد بأسماء كونفيدرالية في حقبة "جيم كرو" العنصرية (1877 حتى ستينيات القرن الماضي)، وقبل الجيش بهذه التسميات لحاجته الماسة إلى أراضٍ شاسعة لبناء قواعده بداية القرن الماضي حتى الحرب العالمية الثانية. ومن بين هذه القواعد، قاعدة "فورت براغ" في كارولينا الشمالية، مقر القوات الخاصة، التي تحمل اسم الجنرال براكستون براغ، الذي يعتبر قائداً رئيسياً في الحرب الأهلية، وكذلك قاعدة "فورت بنينغ" في جورجيا، التي تحمل اسم الجنرال هنري بنينغ، الذي حذر في عام 1861 من أن إنهاء العنصرية "سيقود إلى حكام سود، مشرعين سود، قضاة سود، السود في كل مكان"، متسائلاً: "هل بإمكان العرق الأبيض تحمل كل ذلك". وهناك أيضاً قاعدة "فورت هود"، على اسم الجنرال جون هود، الذي استقال من الجيش ليحارب ضده خلال الحرب الأهلية. وكان الجيش الأميركي قد عارض طويلاً أي منحى لتغيير اسم هذه القواعد، معتبراً أن ذلك "تقسيمي وجدلي". أما عن الأسماء المقترحة البديلة، فمنها عسكريون خدموا في حربي فيتنام والعراق، وبعضهم حصل على ميداليات شرف.

ويأتي رفض ترامب، في وقت دعت فيه رئيسة مجلس النواب الديمقراطية نانسي بيلوسي، إلى إزالة 11 تمثالاً لعسكريين ومسؤولين يرمزون إلى الحقبة الكونفيدرالية من مبنى الكونغرس، قائلة إن "تماثيلهم تمجد الكراهية، لا التراث. لا بد من إزالتها". كذلك حظرت سلسلة "ناسكار" لسباقات السيارات، التي عادة ما تشهد تلويح المشجعين بعلم معركة الكونفيدرالية، هذا العلم من سباقاتها. بدوره، أمر حاكم ولاية فيرجينيا رالف نورثام، بإزالة تمثال لروبرت إي لي، قائد جيش القوات الكونفيدرالية في الحرب الأهلية، من مدينة ريتشموند، عاصمة الكونفيدرالية. وقطع رأس تمثال لكولومبوس في بوسطن، وتعرض آخر للتخريب في ميامي، فيما رمي ثالث في بحيرة بفيرجينيا.

وكان مسؤولون في البنتاغون قد أبدوا استعداداً لبحث القضية، التي ظهرت على السطح كسبيل لتحقيق المصالحة العرقية. وقال مسؤولون إن البنتاغون، بما في ذلك وزير الدفاع مارك إسبر ووزير الجيش رايان مكارثي، على استعداد لإجراء محادثات بشأن إعادة تسمية تلك القواعد.

ولم يشارك الرئيس الأميركي بأيٍّ من مراسم تأبين جورج فلويد، حتى إن اتصاله بأخيه فيلونيس فلويد، لم يدم طويلاً، وقال الأخير إن الرئيس لم يعطه فرصة الكلام. ولم يلقَ ترامب بعد خطاباً وطنياً حول عملية القتل التي صدمت العالم، كذلك فإنه رفض الحديث عن "عنصرية ممنهجة" لدى الشرطة الأميركية، التي وضع نفسه بالكامل في صفها، بمواجهة المتظاهرين. لكنه على الرغم من هذا الموقف، الذي يتناسب مع توجه قاعدته، وأساسها شريحة من المواطنين البيض منخفضة الدخل والمستوى التعليمي، التي تشعر بالتهميش، إلا أنه يضع نفسه في مواجهة مع حراك يبدو متنوعاً، وأكثر شمولية، فيما تشير استطلاعات الرأي كل يوم إلى ارتفاع نسبة المعترفين والمؤيدين لحل أزمة العرقية في البلاد. إلا أن المنتقدين له لا يرون عجباً في ذلك، إذ إن مجرد وصول شخص مثل ترامب إلى السلطة، أساسي للنقاش الدائر حول العنصرية. وذكرت "أسوشييتد برس" أن ترامب عقد لقاءً في دالاس أمس الخميس، حول مسألة العنصرية والشرطة، لكن حتى قائد الشرطة في المدينة، ومدعيها العام، وهما من السود، لم يكونا مدعوين. ويناقش صهر الرئيس جاريد كوشنر، وكبير الموظفين في البيت الأبيض مارك ميدوز، حزمة إصلاحات لنظام الشرطة مع الجمهوريين، لكن ليس معروفاً ما سيوافق عليه الرئيس منها.