درب تهجير حلب: غارات ودماء ودمار وحصار

درب تهجير حلب: غارات ودماء ودمار وحصار

23 ديسمبر 2016
مآسي التهجير الحلبي (براء الحلبي/فرانس برس)
+ الخط -

"عندما صعدت إلى الحافلة التي ستحملنا لخارج الحصار، امتزجت لديّ مشاعر المرارة والألم والخوف والقهر معاً، ومع أني كنت أعرف أنني كنت متوجهاً للعيش في مناطق أقل خطراً من التي غادرناها في حلب، لكن النتيجة كثائر، وقبل ذلك كإنسان، هي شعوري بخيبة أمل كبيرة، نتيجة تهجير آلاف الأسر من بيوتهم قسراً. كنت أراقب الأطفال من حولي بمرارة، لقد فقدوا بيوتهم، وحقوقهم الأساسية في التعليم والعيش الكريم". كانت هذه تقريباً، كلمات الطبيب سالم أبو النصر، قالها وهو خارج حصار أحياء شرقي حلب، إذ وصل ليل الإثنين - الثلاثاء، مع مئاتٍ من المدنيين لريف المحافظة الغربي، بعد أن عاش مع أكثر من ربع مليون مدني، حصاراً خانقاً في أحياء حلب الشرقية، بدأ فعلياً، مع فقدان فصائل المعارضة السورية أواسط يوليو/تموز الماضي طريق الإمداد الوحيد من ريف محافظة حلب لشرقي المدينة والمعروف بالكاستيللو.

وصف أبو النصر، وهو واحد من آخر الأطباء الذين تمسكوا بالبقاء في أحياء شرقي حلب، وغادر المنطقة المحاصرة، قبل ساعاتٍ فقط من حديثه لـ"العربي الجديد" ما شاهده من موجات نزوح آلاف المدنيين "كأنه يوم الحشر". وأضاف بأن "مئات الأسر وآلاف المدنيين في حلب قد نُقلوا لريف حلب الغربي، وبقي مئاتٌ فقط من المدنيين الذين يتم إجلاؤهم تباعاً". مع العلم أن يوم الإثنين الماضي شهد أكبر عملية إجلاء ضمن "اتفاق التهجير"

وروى ناشطون وسكان محليون هُجّروا اللحظات الأخيرة قبل خروجهم من الأحياء المحاصرة، إذ كانت حشود المنتظرين لدورهم في الصعود إلى الحافلات، تتجمّع في حي السكري المُحاصر. ووصف إياد جمال الدين لـ"العربي الجديد"، هذه اللحظات قائلاً "لم ينم أحد منا، كان البرد شديداً ودرجة الحرارة تحت الصفر، أشعلنا بعض الأخشاب والحطب واجتمعنا حولها. الكثير من الكبار والأطفال مرضى وقد أنهكهم الجوع والتعب، لا يوجد مواد غذائية، ولا تملك الأمهات إلا أن يعدْن أطفالهم بالطعام فور الخروج من هذه الجحيم".



وبعد الصعود إلى الحافلات، تسيرُ القافلة التي تتألف عادة من عدة حافلات وسيارات إسعاف تحمل جرحى، نحو مناطق سيطرة النظام، وتنتشر قوات الأخير وعناصر من المليشيات المدعومة إيرانياً، وتتوقف الحافلات عند حاجزٍ، قبل صعود ضابط روسي للحافلة ملقياً نظرة على المتواجدين فيها، قبل أن تواصل القافلة سيرها، نحو منطقة الراشدين غربي حلب، وهي أولى نقاط سيطرة المعارضة السورية على الجانب الآخر، ومفتوحة نحو بلدات ومدن ريف حلب الغربي ومحافظة إدلب. هناك يقيم بعض المُهجّرين في مراكز إيواء مؤقتة، فيما يتوجه آخرون للإقامة عند أقاربهم ومعارفهم في مناطق سيطرة المعارضة هذه.

ووصف عيسى العباس وهو أحد المدنيين المُهجّرين من حلب، رحلة خروجه مع آخرين لـ"العربي الجديد"، بقوله: "لم يصعد إلى الحافلات أحد من قوات النظام أو المليشيات الطائفية، وكنّا نرى ضابطاً روسياً ومعه مترجم سوري، يصعد في كل حافلة ويحصي أعداد الموجودين داخلها". وتابع "مترجم الضابط الروسي، كان يقول لنا، إنّ الضابط يسألكم إن كنتم تودون العودة لحضن الوطن وللعيش في حلب (ضمن مناطق سيطرة النظام)"، موضحاً بأن "أحداً من المهجرين لم يستجب لدعوته، ولكنه كان يكرر الكلام نفسه في كل حافلة".