ضجيج في سماء العراق: صراع أميركي-إيراني للسيطرة على الأجواء

ضجيج في سماء العراق: صراع أميركي-إيراني للسيطرة على الأجواء

31 يوليو 2019
الجيش العراقي عمل على الأرض ضد "داعش"(أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -

منذ اجتياح تنظيم "داعش" واحتلاله مساحات واسعة من شمال العراق وغربه، تقاسمت الولايات المتحدة والسلاح الجوي العراقي السيطرة على الأجواء العراقية، وذلك من خلال غرفة عسكرية مشتركة تولت عمليات تنسيق الطلعات الجوية للمقاتلات المشاركة ضمن التحالف الدولي، وأبرزها الأميركية والفرنسية والبريطانية، إضافة إلى سلاح الجو العراقي، الذي بات الآن يملك مزيجاً من المقاتلات الأميركية والروسية الحديثة، تعتبر من بين الأحدث في منطقة الشرق الأوسط. غير أنه ومنذ نحو عام ومع انتهاء صفحة المعارك البرية، هيمن الطيران الأميركي بين خطي عرض 34 و36 شمال وغربي العراق، وأجزاء من دير الزور والحسكة والبوكمال السورية. وهو ما دفع قوى سياسية عراقية، غالبيتها موالية لإيران، إلى الضغط على الحكومة من أجل إخضاع الملف للسيطرة العراقية الكاملة، بعد تقارير تحدثت عن استهداف طيران الاحتلال الإسرائيلي معسكراً لفصائل "الحشد الشعبي"، ونيته استهداف مواقع أخرى لها في العراق، معتبرين أنه "لا يمكن الوثوق بالأميركيين، فهم ليسوا محايدين في الصراع العربي الإسرائيلي".

من جهته، ذكر مسؤول في بغداد لـ"العربي الجديد"، أن "أطرافاً سياسية وأخرى من الحشد تضغط على الحكومة لحسم ملف السيادة على الأجواء العراقية"، لافتاً إلى أن "الضغوط الجديدة تهدف لتقييد الوجود الأميركي في الأجواء العراقية، وإبرام اتفاقية شراء منظومة رادارات خاصة بالعراق ومنظومة استشعار مبكرة لحماية الأجواء العراقية ورصد أي طائرات تدخل سماءه، بدلاً من الاعتماد على الجانب الأميركي".

وأضاف المسؤول أن "الضغوط تأتي ضمن مخاوف عراقية من اعتداءات صهيونية على مواقع داخل العراق تابعة للحشد الشعبي تحت مزاعم ارتباطها بإيران، وأن الولايات المتحدة قد تسهّل بنحو كبير دخول الطيران الإسرائيلي أو التستّر عليه، كونها طرف غير محايد في الصراع العربي الإسرائيلي بل ومساعد للإسرائيليين". وكشف أن "بعض الفصائل تسعى للحصول على صواريخ مضادة للطائرات، تحسباً لأي اعتداء على مقراتها، بعد قيامها بإجراءات أخرى تتعلق بمقراتها خشية من غارات إسرائيلية".

ولفت إلى أن "الحكومة ومن أجل مجاراة هذه الضغوط، قد تقرّر بالأيام المقبلة خطوات لتعزيز منظومة الدفاع الجوي العراقية بشكل عام، ولن يكون خيار التعاقد مع الولايات المتحدة وحيداً، فهناك دول أخرى في هذا المضمار أبدت استعدادها لتزويد العراق بما يحتاجه عسكرياً". واعتبر أن "العراق لا يمكن له حالياً الاستغناء عن المظلة الأميركية، خصوصاً في شمال البلاد وغربها، بسبب سرعة استجابة المقاتلات الأميركية لأي نداء يُوجّه لها من القوات البرية العراقية وفي وقت قياسي. كما أن أي محاولات لإعادة ترتيب الأجواء وإدارتها حالياً ستُعدّ خطوة ذات صلة بالصراع الإيراني الأميركي داخل العراق والمنطقة عموماً".

وعلى خلاف سلاح الجو العراقي الذي شهد قفزات سريعة على مستوى نوعية المقاتلات الحديثة التي يملكها، وهي فعلياً أحدث من تلك الموجودة في إيران وتشابه الموجودة في السعودية على سبيل المثال، فإن منظومة الدفاع الجوي والرصد متواضعة مقارنة بما هو موجود في دول مجاورة له. لا يملك العراق منظومات دفاع صاروخية، ولا أجهزة رصد واستشعار تغطي أكثر من مساحة 100 كيلومتر من أراضيه.



فمنذ نحو أسبوعين تعرّض مقر لـ"الحشد الشعبي" في بلدة آمرلي بمحافظة صلاح الدين، شمالي بغداد، لقصف من طائرة مجهولة تسبب بخسائر. وتضاربت روايات قيادات في "الحشد" حول ما إذا كانت الطائرة إسرائيلية أم أميركية، قبل أن تعلن الحكومة نسف تلك الروايات معتبرة أن ما حدث هو "انفجار وقود صلب عرضي"، ما زاد الأمر تعقيداً وتساؤلات أكثر، خصوصاً أن الوقود الصلب يُستخدم بالصواريخ بعيدة المدى. كما أن الإعلام الإسرائيلي نشر تقارير تحدثت عن أن "طائرة تابعة للاحتلال الإسرائيلي هي التي نفذت الهجوم". وذكرت صحف إسرائيلية أن "المجال الجوي العراقي يقع ضمن سيطرة القيادة المركزية الأميركية"، مؤكدة أن "قصف مقر الحشد الشعبي كان يحمل رسالة"، لافتة إلى قيام إيران بتزويد مليشيات عراقية بصواريخ باليستية.

هذا اللغط سبقه جدل واسع حول الاتهامات بأن الطائرات المسيرة التي ضربت مصالح نفطية داخل السعودية في مايو/ أيار الماضي، لم يكن مصدرها اليمن بل العراق، وأن فصائل قريبة من إيران تقف وراءها، إضافة إلى حديث عن ضغوط إيرانية على العراق لمنع تحليق الطيران الأميركي فوق المحافظات الحدودية مع إيران مثل ديالى والبصرة وميسان.

وعزا عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان، سعران الأعاجيبي، الإرباك في الأجواء العراقية إلى "الضعف الكبير في منظومات الرادار والدفاع الجوي"، مؤكداً لـ"العربي الجديد"، أن "كشف الطائرات الغريبة يحتاج إلى رصد جوي عراقي حصراً". وتابع: "عمليات الرصد والمراقبة في العراق ضعيفة جداً، والطائرات الأميركية تحلق في العراق ضمن التحالف الدولي المسموح بعمله في البلاد، وكان لطيرانه دور كبير في تحقيق النصر على تنظيم داعش".

واعتبر الأعاجيبي أن "الحل لتفادي أي إرباك أو السماح بتداول تقارير ومعلومات غير دقيقة، هو تطوير منظومة الدفاع الجوي العراقية"، مقراً بأن "منظومة الدفاع الجوي العراقية حالياً ليست بالمستوى المطلوب". ولفت إلى "حاجة بلاده لمنظومات دفاعية متطورة"، وأن لجنته تحدثت مع رئيس أركان الجيش بهذا الشأن. وختم بالقول "آن الأوان لبناء الجيش العراقي، فضلاً عن تطوير الرادارات والطائرات وسبل الحصول على المعلومات الاستخبارية".

ووفقاً لضابط بالقوة الجوية العراقية، فإن "الطيران الدولي والأميركي تحديداً ينحصر في محافظات دون أخرى"، مؤكداً لـ"العربي الجديد"، أن "الطلعات الدولية والأميركية لملاحقة داعش تركّز على الصحراء الواسعة الممتدة في محافظتي الأنبار ونينوى وصولاً إلى الحدود مع سورية، فضلاً عن ملاحقة عناصر التنظيم في محافظات أخرى كصلاح الدين وكركوك وديالى". وبيّن أن "طيران التحالف الدولي لا يمارس أي طلعات في جنوب العراق لأسباب عدة، أبرزها عدم وجود خلايا لداعش هناك، فضلاً عن الرغبة بعدم الاحتكاك بفصائل مسلحة تنتشر في مناطق جنوبية"، موضحاً أن "بعض هذه الفصائل تمتلك طائرات مسيرة حصلت عليها بدعم إيراني".

وأشار أستاذ الاستراتيجية في جامعة النهرين عمار الزبيدي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الأساس والواقع الذي لا يمكن إنكاره هو تشارك في ملف الأجواء العراقية بين العراقيين والأميركيين". ولفت إلى أن "المعلومات التي يتم تداولها من قبل نواب وسياسيين تشير إلى سيطرة التحالف الدولي وخصوصاً الأميركيين على أجواء محافظة الأنبار بشكل شبه كامل، بالإضافة إلى مناطق أخرى شمال البلاد". وأوضح أن "خير دليل على ذلك هو زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى قاعدة عين الأسد بمحافظة الأنبار نهاية العام الماضي، من دون علم السلطات العراقية التي علقت على زيارته بعد رحيله".



المساهمون