قرصنة "أسطول الحرية"... قصص ناشطين اختطفهم الاحتلال

قرصنة "أسطول الحرية"... قصص ناشطين إسكندنافيين اختطفهم الاحتلال

31 يوليو 2018
الاحتلال يضرب القوانين الدولية عرض الحائط (ناصر السهلي/العربي الجديد)
+ الخط -



ما يزال الاحتلال الإسرائيلي، الذي قرصن سفينة "العودة"، يختطف من كان على متنها، من طاقمها والناشطين المتضامنين في محاولة كسر حصار غزة. وقبل القرصنة تحدث "العربي الجديد" مع القبطان الشاب النرويجي، هيرمان ريكستين، كشهادة له ولبعض المشاركين من إسكندنافيا، الذين يشكلون النسبة الكبرة من عدد المختطفين اليوم.

ليس مفاجئاً لهؤلاء المتضامنين أن القرصنة تمّت في المياه الدولية، فقد كان هيرمان يتحدّث قبل القرصنة بوقت قصير عن وجوده على بعد 70 ميلاً بحرياً عن شواطئ غزة، وكان من المتوقع الوصول إلى القطاع مساء الأحد، فيما كل المؤشرات تفيد بأن الانقطاع مع "العودة" تم على بعد 50 ميلاً بحرياً، ما يعني أن القرصنة تمت في المياه الدولية، كما في المرات السابقة.

ومنذ انطلاق "العودة" من ميناء بيرغن النرويجي كان الناشطون يتوقعون حتى "تخريب المراكب في الموانئ الأوروبية قبل أن نصل إلى المتوسط"، بحسب ما ذكر لـ"العربي الجديد" المختطف السبعيني النرويجي، يان بيتر هامرفولد.

القبطان هيرمان لم يكن أقل تحسباً من بقية الطاقم "لهذا كنا نجري حراسات مناوبة، فلا شيء مستبعداً بحسب التجارب السابقة"، بحسب ما ذكر لـ"العربي الجديد"، قبل اختطافه بطريقة قرصنة.

بعد إبحار دام أكثر من 70 يوماً وجد هؤلاء أنفسهم مختطفين في سجون الاحتلال، وقد أرادوا "إرسال رسالة واضحة إلى العالم والحكومات حول حق الفلسطينيين في مستقبل حر"، في كل محطة توقفوا فيها.

اختيار من بقي ومن نزل في ميناء تراباني الصقلي لم يكن سهلاً على الناشطين والطاقم، إذ تم التبادل مع ركاب مركبين أصغر، "الحرية" و"فلسطين" الأصغر حجماً. بعض من أصرّ على التجربة لديه سابقات لها مع دولة الاحتلال، وقد بقوا مصرين على خوض التجربة حتى شواطئ غزة، حاملين تبرعات رمزية، في مجال طبي يرونه الأكثر إلحاحاً، لإثارة انتباه الرأي العام وحكومات الدول الغربية حول آثار الحصار على مدنيي قطاع غزة المحاصر.


سطو وقرصنة

في شهادتها أمس الاثنين قالت الناشطة اليهودية - الإسبانية، التي قادت سفينة العودة "لوجستيا"، زوهر ريغيف، إنه "على عكس ما يدعي الاحتلال بأن الاستيلاء على "العودة" تم بدون وقوع حوادث، إلا أن الطاقم تعرّض للعنف والضرب والقمع من قبل جنود قوات الاحتلال الملثمين، إذ منعوا من أخذ جوازات سفرهم وأغراضهم الشخصية، في تصرف ينافي القانون الدولي بهجوم عسكري على سفينة مدنية هو فعل اختطاف وقرصنة".




وذهبت ريغيف إلى القول: "ثمة دماء شوهدت على متن السفينة، ويحق لنا معرفة أوضاع المختطفين من المياه الدولية نتيجة هذا التصرف غير المشروع بموجب الاتفاقية الدولية لقانون البحار".

فعل "قرصنة الاحتلال الإسرائيلي نمط ونهج لن يتبدلا، طالما أن السكوت مستمر على خرقه القانون الدولي"، بحسب ما قال القبطان ريكستين لـ"العربي الجديد". وليس غريباً أن أول ما يطالعك حين تصعد على متن "العودة" صورة رسمها الشبان الإسكندنافيون لتقابل الجميع، بمن فيهم جيش الاحتلال "حين يقرصن السفينة"، مع رسائل مكتوبة بخط اليد على جدران الأسرة الصغيرة للمشاركين، وهي كذلك موجهة إلى جيش الاحتلال، عن الإصرار على دعم فلسطين.

الصورة المعلقة على جدار "العودة" تختزل واقع أسطول الحرية: سفينة قرصنة، قبطانها رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، بالإضافة إلى رسم الصليب النازي على أداة التحكم بسفينته التي يعلوها علم دولة الاحتلال، الذي يرمز إلى سمكة قرش تبتلع قوارب أسطول الحرية.




الشابة السويدية المختطفة، ديفيان ليفريني، أصرّت على الانتقال من مركب "الحرية"، الذي كانت على متنه منذ البداية، حتى صقلية، إلى "العودة" وأكدت لـ"العربي الجديد"، قبل الانطلاق وقطعها الأميال البحرية الأخيرة، "أملنا حقيقي بالوصول إلى شواطئ غزة قبل المراكب الأخرى. ولكن ليس لدي شك في أننا سنتعرض لعنف وقرصنة، إن تمكنوا من ذلك".

تركت ديفيان أسرتها وحياتها خلفها، وهي تبحر من بلدها نحو غزة: "لأنك لا تستطيع أن تجلس مكتوفاً فيما 2 مليون إنسان يحاصرون لأنهم فلسطينيون يطلبون الحرية". وناشدت قبل الانطلاق "ألا يتوقف الناس في بلدي السويد عن ممارسة إنسانيتهم واستكمال دعم الشعب الفلسطيني، دعماً لكرامة الإنسان وتأكيداً للحرية المطلقة التي ننشدها كبشر".

القبطان النرويجي المختطف، هيرمان ريكستين، قال في وقت سابق لـ"العربي الجديد" إنه "بالتأكيد ما من شيء غير متوقع مع دولة الاحتلال، التي تعيش على القرصنة بالأصل. نحن نبحر كسلميين ولسنا مسلحين، ورغم ذلك نتوقع أن يجري اختطافنا من قبل البحرية الإسرائيلية، وهو ما يعزّز القناعة بأنك أمام احتلال لا يقيم وزناً لأية قوانين".




هذه ليست التجربة الأولى لهيرمان مع قرصنة الاحتلال "لقد جرت قرصنتنا مرتين في السابق، كنت أصر على الوصول إلى غزة، فخبرتي كقبطان أوظّفها لفعل النضال القائم على معرفتي بالبحار والإبحار لإظهار تضامني وإيصال هذه السفينة، العودة، إلى صيادي قطاع غزة، ولا أستطيع أن أعيش في أوسلو مكتوف اليدين أمام معاناة الشعب الفلسطيني، ذلك ليس فيه أية إنسانية....".


لم يكن هيرمان متوهماً بأن الاحتلال لن يقرصن سفينته "فحتى لو قلنا إننا نأتي غير مسلحين ومتضامنين سلميين نتوقع كل شيء. لقد اختطفوني وأبعدوني مرتين لعشر سنوات، ولا أستبعد الاختطاف والتشدد معنا هذه المرة، ثم علينا أن نتذكر أن ما يجري يومياً في فلسطين أفظع مما نتعرض له بأنفسنا، وهي مخاطرة يجب أن نخوضها، وسأبقى أخوضها مهما فعلوا، بالطبع أهلي قلقون عليّ لكنهم يفهمون طبيعتي ولا أستطيع التراجع حتى يحصل الفلسطينيون على حريتهم".

المختطف الدنماركي - النرويجي، ميكل غرونر، ترك أطفاله الصغار وزوجته، وقال في شهادته لـ"العربي الجديد" إنه "كإنسان وأب لصغار أشتاق وأفكر في المصير، لكنني سرعان ما أفكر في أطفال فلسطين، ولا يعني أنك تعيش حياة رفاهية ألا تفكر بغيرك، بل على العكس، يجب أن يكون ذلك دافعاً لك للقيام بشيء لأجل حرية أطفال شعب آخر، وبالنسبة إلي فلسطين هي اختصار لكل الحرية والعدالة الغائبة".

غرونر أيضاً له تجربتان سابقتان في الاختطاف من الاحتلال، وحين أدلى بشهادته لـ"العربي الجديد" كان يتوقع "الأسوأ أن يحدث في المرة الثالثة". وبما أنه ناشط في حزب يساري دنماركي، حزب اللائحة الموحدة، فقد خرج الحزب وحملة مقاطعة إسرائيل في كوبنهاغن، أمس الاثنين، ببيان موجه إلى الحكومة الدنماركية يدعوها إلى التدخل من أجل إطلاق سراحه وعدم الاعتداء عليه. وكانت الأخبار المسربة قد أفادت بتعرّض ميكل للضرب المبرح بعد الاعتداء على بقية الطاقم، رغم أنه شخص سلمي، وقد واجه بعض لوبيات يهودية أتت لتخريب عمل أسطول الحرية في ألمانيا بكثير من الهدوء والسلمية.

المهندس النرويجي، "طباخ العودة"، يان بيتر هامرفولد، وهو اليوم في الـ75 من عمره، وقام بنفسه بإصلاح وتعديل مركب الصيد "العودة" وأشرف على مجموعة شبان متطوعين لجعله صالحاً للإبحار، له تجربته أيضاً حين كان على "مافي مرمرة" وتم الاعتداء عليه بالضرب المبرح، وعاد مرتين أخريين للإبحار نحو غزة.





ورغم اعتقاله وإبعاده لعشرين سنة في المجمل أصرّ على أنه "مهما تكن النتيجة سأستمر بالعمل، ورغم تفاؤلي بالوصول إلى شاطئ غزة، أتوقع القرصنة، فهي غير مستبعدة من دولة صهيونية لم تقم يوماً سوى على عقلية العصابات، ما أرجوه هو أن يستمر الناس في رفع صوتهم وعدم التوقف حتى ينال الفلسطينيون حريتهم".

شهادة هامرفولد لـ"العربي الجديد"، التي يعترف فيها بأنه كان من أشد المؤيدين لدولة الاحتلال، حتى عام 67، "ليست للأوروبيين فقط، فما أرجوه أن تتوقّف الدول العربية مرة أمام مسؤوليتها الأخلاقية مع الشعب الفلسطيني، وهي قادرة على فعل الكثير لو امتلكت إرادة سياسية، فالشعوب لن تتخلّى عن فلسطين مهما فعلوا".

تجربة السويدي المختطف تشارلي أندرسون لا تختلف كثيراً عن تجربة القبطان هيرمان وبقية الطاقم، أو الإسكندنافيين السبعة الآخرين المختطفين منذ الأحد، فهو له تجربته في قطاع غزة التي وصل إليها وعاش فيها مدة عام كامل يحاول "فعل فارق بسيط لمساعدة الصيادين في غزة الذين يعيشون قرصنة قاتلة يومياً. جرّبنا في 2015 أن نبني سفينة صيد جرى التبرع بها للخروج نحو عرض البحر، نسفها الاحتلال بالقصف لأنه مرعوب من كل خطوة تبرز استقلال الفلسطينيين عنه".

لم تكن توقعات أندرسون، الذي اعتقل مرات عدة سابقاً من قبل قوات الاحتلال "أن تكون هذه المرة مختلفة، فهؤلاء لا يعرفون سوى القرصنة وبعقلية عصابات لا تأبه للقوانين الدولية".
وحتى اليوم الثلاثاء ما زالت تتواصل نداءات التدخل لإطلاق 8 من الإسكندنافيين، إلى جانب 10 من المتضامنين الدوليين، من سجون الاحتلال ومنع المس بكرامتهم، وبينهم صحافيون ومدوّنون وشخصيات عامة في بلادها.


ومن بين المعتقلين من أستراليا الصحافي والمدون كريس غراهام، ومن كندا لاري كومودور، ومن فرنسا سارة كاتز، ومن ماليزيا محمد أفندي صالح، ومن نيوزيلندا مايك تريين، ومن سنغافورة جايسون سوو، ومن إسبانيا ايميليا ناتشر ولوسيا مازاراسا، ومن بريطانيا سويي انغ، ومن الولايات المتحدة جوي ميدورس. هذا بالإضافة إلى عدد كبير من النشطاء الآخرين الذين واكبوا هذا الأسطول على متن القوارب الأخرى وفي الموانئ، من النشطاء على الأرض، ممن أصروا على أن تصل رحلة الأسطول حتى مبتغاها في غزة.

المساهمون