تناغم إسرائيلي ـ أميركي ـ مصري لإفشال مؤتمر باريس

تناغم إسرائيلي ـ أميركي ـ مصري لإفشال مؤتمر باريس

03 يونيو 2016
يحضر كيري مؤتمر باريس كمستمع للطروحات الجديدة (Getty)
+ الخط -
تواصل الحكومة الإسرائيلية، برئاسة بنيامين نتنياهو، الإصرار على موقفها الرافض لعقد مؤتمر دولي للسلام، بما في ذلك المؤتمر الذي يبدأ أعماله في باريس، اليوم الجمعة، بمشاركة وزراء خارجية 29 دولة أوروبية، للبحث في المبادرة الفرنسية، كخطوة أولية نحو تحديد ملامح اتفاق إطار للمفاوضات بين إسرائيل والجانب الفلسطيني على أساس حلّ الدولتين.

وجدّد نتنياهو، أمس الأول الأربعاء، موقفه الرافض لأية مفاوضات دولية، بزعم أن مثل هذه المحادثات تحث الفلسطينيين على التصلّب في مواقفهم ولا تقرّب سبل الحل. بينما يمكن، وبحسب التجربة الإسرائيلية مع كل من الأردن ومصر، التوصل إلى اتفاقية سلام من خلال المفاوضات المباشرة فقط، وفقاً لنتنياهو. وجاءت تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي هذه، بعد مناورة إعلامية سابقة، يوم الاثنين الماضي، زعم فيها في مؤتمر مشترك مع وزير الأمن الجديد، أفيغدور ليبرمان، أن إسرائيل ملتزمة بحلّ الدولتين، وأن المبادرة العربية تشمل نقاطاً إيجابية.

وبموازاة ذلك، أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، جون كيربي، أن "مشاركة وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، في لقاء باريس تتمثل، أساساً، في استعداده للإصغاء لكل الأفكار التي تخدم التوصل لحلّ الدولتين، بما في ذلك المبادرة الفرنسية". وأضاف كيربي أن "كيري سيكون في باريس لفحص طرق وفرص دفع فكرة حلّ الدولتين، ولن يعارض اقتراحات تُقدّم لهذه الغاية"، مضيفاً أنّ "كيري يعتبر أن المسؤولية تقع على عاتق الزعماء الإسرائيليين والفلسطينيين الذين يُفترض بهم اتخاذ قرارات صعبة".

ويشكل هذا الموقف، عملياً، تبنيّاً للموقف الإسرائيلي الرسمي ولتصريحات نتنياهو، خلال لقائه الشهر الماضي، في 22 مايو/ أيار الماضي، رئيس الحكومة الفرنسية، مانويل فالس، عندما قال نتنياهو إنه "على استعداد لعقد لقاء ثنائي في باريس، وحتى في قصر الإليزيه أو أي مكان آخر، مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس ومناقشة كل القضايا، بما فيها الحدود والمستوطنات والتحريض"، وأن ذلك "ممكن إذا توفرت الرغبة عند الزعماء".

ووفقاً لمراقبين، فإنّ التناغم في تصريحات كل من كيري ونتنياهو، هو، في واقع الحال، تبنٍ للموقف الإسرائيلي، وإفراغ مؤتمر باريس من أي دور حقيقي محتمل، من خلال اقتصار دور وزير الخارجية الأميركي على الاستماع لأية أفكار يمكنها دفع حلّ الدولتين قدماً. علماً أن كيري فشل بين عامَي 2013-2014 في تحقيق تقدم في المفاوضات التي رعاها، وفق مبادرته، بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني. وفجّر نتنياهو تلك المبادرة في إبريل/ نيسان 2014، عندما رفض تنفيذ إطلاح سراح الدفعة الأخيرة من الأسرى القدامى الذين وقعوا في قبضة الاحتلال قبل توقيع اتفاقية أوسلو، خصوصاً الأسرى من الداخل الفلسطيني الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية.






وتشي تصريحات كل من كيري ونتنياهو، بحسب هؤلاء المراقبين، بأنّ المشاركة الأميركية هي رسمية من باب المجاملة الدبلوماسية لتفادي أي توتر في العلاقات بين واشنطن وباريس في الظروف الحالية، خصوصاً على ضوء الحرب ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) من جهة، ومقدّمة لتحجيم المبادرة الفرنسية وتحويلها إلى مجموعة أفكار للدراسة من جهة ثانية، أسوة بالمبادرة المصرية. وأطلق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مبادرته، غداة لقاءات نتنياهو ـ فالس الأخيرة، داعياً إلى لقاء ثلاثي بين نتنياهو وعباس والسيسي في القاهرة، كخطوة لإطلاق مبادرة إقليمية. ورافقت ذلك تحركات ومحاولات مصرية وبريطانية للضغط على زعيم المعارضة الإسرائيلي يتسحاق هرتسوغ، من حزب "المعسكر الصهيوني"، للدخول لحكومة وحدة وطنية تحت مبرر وجود تحرك إقليمي ودولي.

واضطر نتنياهو، إثر فشل مفاوضات الائتلاف مع هرتسوغ وتوسيع الائتلاف الحكومي عبر ضمّ ليبرمان للحكومة، إلى إطلاق تصريحاته بشأن التزامه بحل الدولتين، كمحاولة لتلطيف الأجواء مع الرئاسة المصرية، خصوصاً أن ضم ليبرمان للحكومة وليس زعيم معسكر اليسار، اعتُبر صفعة للرئيس المصري، نظراً إلى تصريحات ليبرمان من سنوات سابقة بوجوب تفجير السد العالي إذا لزم الأمر. وشكلت هذه التصريحات وإعلان التزام ليبرمان بحل الدولتين جسراً لاستعادة الدفء في العلاقات بين السيسي ونتنياهو، لا سيما أنّ الأخير تحدث، ولأول مرة منذ إطلاق المبادرة العربية في بيروت عام 2002، عن وجود نقاط إيجابية في المبادرة.

وبالعودة إلى باريس، فإن مشاركة كيري في اللقاء الأوروبي بالعاصمة الفرنسية كـ"مستمع لأفكار جديدة"، لن تحدث أي تغيير في الموقف الإسرائيلي، طالما أنّ الموقف الأميركي "محايد" من طروحات المبادرة الفرنسية، على الرغم من أن واشنطن اطلعت عليها مسبقاً، وفقاً لمراقبين.

أمّا في تل أبيب، فذكر موقع "معاريف" الإسرائيلي، أمس الخميس، أن "هيئة الأمن القومي"، ووزارة الخارجية الإسرائيلية، وديوان رئيس الحكومة الإسرائيلية، أطلقوا مشاورات محمومة بهدف بلورة استراتيجية إسرائيلية لمواجهة مؤتمر باريس. كما تستعد إسرائيل، وفقاً لـ"معاريف"، إلى مواجهة التقرير الدوري الرسمي للرباعية الدولية، بشأن سياسة الاستيطان الإسرائيلية، والذي من المقرر أن يصدر الأسبوع المقبل، وتخشى تل أبيب من موقف دولي جديد أشد انتقاداً لها. ونقل الموقع عن مصدر سياسي إسرائيل رفيع المستوى قوله إن إسرائيل بوغتت ولم تستعد بما فيه الكفاية لمواجهة مؤتمر السلام.







المساهمون