أنظار الإمارات نحو شبوة وحضرموت... وضغوط لتقييد حراك الشرعية

أنظار الإمارات نحو شبوة وحضرموت... وضغوط لتقييد حراك الشرعية

19 سبتمبر 2019
فوضى وشلل في عدن منذ سيطرة المليشيات(صالح العبيدي/فرانس برس)
+ الخط -
لا يبدو أن الإمارات في وارد وقف مخططها للسيطرة على جنوب اليمن على حساب الشرعية اليمنية، فبعدما فرضت سطوتها على العاصمة المؤقتة عدن وطردت القوات الحكومية منها تحت مرأى السعودية، وجّهت أنظارها إلى أبين وشبوة وحضرموت، أكان عبر استمرار التعزيزات الأمنية أم محاولة تحريك جماعات داخل هذه المناطق، وذلك بالتوازي مع محاولة الضغط لمنع تدويل قضية الجنوب، وهو ما يبرز في الأنباء المتصاعدة عن عدم مشاركة الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي في اجتماعات الدورة الـ74 للجمعية العامة للأمم المتحدة، وما يتبع ذلك من تساؤلات حول وضعه في السعودية وإن كان يعيش في إقامة جبرية.

وفي استمرار لتحركات أتباع أبوظبي جنوباً، أعلنت قيادات في "المجلس الانتقالي الجنوبي" المدعوم من الإمارات، تبنيها هجوماً استهدف حاجزاً أمنياً للقوات الحكومية في شبوة، وسط البلاد. ووقع الهجوم في وقت متأخر من ليل الثلاثاء في منطقة الريدة بمديرية ميفعة، وقد اندلعت على أثره اشتباكات بين الجنود والمهاجمين. وأعلن القيادي في "الانتقالي" سالم ثابت العولقي، في تغريدة على حسابه في "تويتر"، أن الهجوم نفذته ما يُعرف بـ"المقاومة الجنوبية"، وقال إنه "استهدف حزب الإصلاح رداً على تهديدات بإعلان قوائم سوداء قابلها أحرار شبوة بنيران حمراء". وتسيطر القوات الحكومية على محافظة شبوة النفطية منذ أواخر الشهر الماضي، في أعقاب المعارك التي خاضتها مع القوات المدعومة إماراتياً، وانتهت بسقوط معسكرات الأخيرة.
وتحاول الإمارات وأتباعها إعادة "قوات النخبة" إلى شبوة، بعد إعادة تسليحها وتجميعها، وذلك ضمن المساعي المستمرة للسيطرة على المحافظة الغنية بالثروة النفطية والتي تعد الممر الرئيسي لثروة مأرب من نفط وغاز يتم تصديرهما عبر ميناء بلحاف، في مقابل مساعي قيادة السلطة المحلية في شبوة لإعادة تصدير النفط والغاز عبر ميناء بلحاف، وهو ما تسعى الإمارات إلى عرقلته.

في المقابل، كشفت مصادر في السلطة المحلية ومحور عتق في محافظة شبوة لـ"العربي الجديد"، أن اللجنة الأمنية التابعة للشرعية أقرت ملاحقة مخربين مدعومين من أبوظبي وأتباعها يستهدفون المؤسسات والمرافق الحكومية وأيضاً قوات الأمن والجيش لنشر الفوضى والدفع نحو تأزيم الوضع في المحافظة.
وفي السياق نفسه، اتهم وزير النقل اليمني صالح الجبواني، أمس، في تغريدات على تويتر، الإمارات بالتعاون مع تنظيمي "القاعدة" و"داعش" في اليمن، مضيفاً  "لدينا كل الدلائل على علاقة الإمارات بتنظيمي القاعدة وداعش في اليمن وبالأسماء". واتهم الإمارات بأنها "تستخدم هؤلاء الإرهابيين في ضرب تعزيزات الجيش اليمني بطريق محافظتي شبوه أبين (جنوب)". واعتبر الجبواني أنه  "آن لأبناء محافظتي شبوة وأبين وقبائلها في هذه المناطق تحديد موقف من الإمارات وإرهابييها، قبل أن يقع الفأس برأس الكل بجريرة هذه الجرائم".

يتوازى ذلك مع محاولة أبوظبي تفجير الوضع في أبين، عبر الدفع بقوات جديدة من اللواء أول دعم وإسناد إلى زنجبار. كما وسّعت الإمارات المعركة إلى حضرموت، إذ كشفت مصادر محلية لـ"العربي الجديد" أن أبوظبي أمرت قيادات حضرمية موالية لها في السلطة المحلية وفي مؤتمر حضرموت الجامع بالتصعيد، بحجة تحصيل الحقوق الحضرمية وفي مقدمتها الثروات النفطية، مع تقديمها دعماً كبيراً لهذه القيادات. وتهدف أبوظبي إلى بسط سيطرتها على حضرموت وثرواتها، وفق ما يقول لـ"العربي الجديد" قيادي سياسي حضرمي بارز، كان ضمن مؤتمر حضرموت الجامع ويحضر اجتماعاته قبل أن ينسحب بسبب تدخّلات أبوظبي ومحاولتها تفجير الأوضاع.



أما في عدن، فتتواصل حملات الاعتقالات والمداهمات التي يشنّها أتباع الإمارات في "المجلس الانتقالي الجنوبي" بوتيرة شبه يومية ضد معارضيهم ومؤيدي الحكومة الشرعية، منذ سيطرة قوات "الانتقالي" على العاصمة المؤقتة في العاشر من أغسطس/آب الماضي. وشهدت المدينة، أمس الأربعاء، انفجاراً قرب أحد المقرات الحكومية في حي المعلا، أعقبه إطلاق نار.
وتعيش عدن حالة من الشلل شبه التام، وتعمّ الفوضى فيها مع ازدياد أعداد المليشيات، وسط إغلاق المرافق الخدمية ومكاتب الوزارات والدوائر الحكومية، في ظل توقف رواتب موظفي الدولة المدنية والخدمية والعسكرية والأمنية، وسيطرة القوانين العرفية، منذ هيمنة الإمارات ومليشياتها عليها، بحسب مصادر محلية لـ"العربي الجديد". وأشارت المصادر نفسها إلى أن المدينة تتحول ليلاً إلى مدينة أشباح بسبب مخاوف الناس من المليشيات التي تنتشر فيها. ولفتت إلى أن رواتب موظفي الجيش في المنطقة العسكرية الرابعة، والتي تضم عدن ولحج وأبين والضالع وتعز، متوقفة، إضافة إلى موظفي القطاعات الحكومية الأخرى، فيما غادر مسؤولو وموظفو الدولة بسبب ملاحقتهم من قِبل أتباع الإمارات واقتحام منازلهم ونهبها ونهب العديد من تلك المؤسسات. كما أن سيطرة الإمارات ومليشياتها على عدن أدت إلى توقف الدراسة في الجامعات. كذلك تعطل عمل المحاكم والمرافق التابعة لوزارة العدل، ووزارات الداخلية والخارجية والتعليم العالي والبحث العلمي، ما شل الحركة في عدن.

في موازاة هذه التطورات العسكرية والميدانية، يدور جدل في اليمن بشأن مشاركة هادي في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، في ظل تكهنات بتعرضه لضغوط. وأفادت مصادر يمنية قريبة من الحكومة لـ"العربي الجديد"، بأن اليمن سيشارك في اجتماعات الأمم المتحدة بوفد حكومي من المقرر أن يترأسه نائب وزير الخارجية محمد الحضرمي، الذي يعد بمثابة القائم بأعمال الوزير. وتأتي المعلومات عن عدم مشاركة هادي في الاجتماعات، بعد أيام من إطلاق نشطاء ومدونين من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، حملة تشدد على أهمية حضور الرئيس للاجتماعات، كما يفعل سنوياً، في ظل التحديات التي تواجهها البلاد. وتصاعد الجدل في ظل الشكوك القائمة حول وضع إقامة الرئيس اليمني في السعودية، وعن أنه في ما يشبه الإقامة الجبرية، على الرغم من أنه سافر مرات عدة، أغلبها إلى الولايات المتحدة، التي يخضع فيها لفحوص طبية دورية.

وفي سياق منع تدويل انقلاب الإمارات في عدن، برز تغييب ذكر ممارساتها في الإحاطة الأخيرة التي قدّمها المبعوث الأممي مارتن غريفيث إلى مجلس الأمن الدولي يوم الإثنين الماضي، ودعا فيها "لوضع حد عاجل للصراع" في جنوب اليمن، محذراً من أن "هناك خطراً حقيقياً من انشطار اليمن". كما أعرب عن إدانته لمحاولات "المجلس الانتقالي"، "غير المقبولة" للسيطرة على الدولة، من دون ذكر أبوظبي.

وأسف مصدر سياسي رفيع في الشرعية، تحدث لـ"العربي الجديد"، لتجاهل غريفيث دور الإمارات الذي تحوّل إلى دور تخريبي يدفع إلى انهيار الدولة، ويزيد من المخاوف التي تحدّث عنها المبعوث نفسه في إحاطته، متجاوزاً دوره ومهمته، وفق المصدر. وأضاف أن غريفيث يضع نفسه في دائرة الشبهة حول تعاطيه مع الملف اليمني وتوفير غطاء للدور الإيراني والإماراتي على السواء، فقد تحدث عن مخاوفه من الأحداث الأخيرة وتأثيرها على مسار السلام، لكنه تجاهل المتسبّب في تصاعد الأحداث في الجنوب، لا سيما الحرب التي أعلنتها الإمارات على الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً، واستهداف طائرات أبوظبي لقوات الجيش الوطني التابع للشرعية، وهي أحداث لم يتطرق لها المبعوث الأممي. وأشار المصدر إلى أن الشرعية لا تعرف الأسباب الحقيقية التي جعلت غريفيث يستبعد الإمارات من إحاطته وهل تعرّض لضغوط من الإماراتيين أو غيرهم لعدم نقل الأزمة بين الحكومة اليمنية وأبوظبي إلى مجلس الأمن الدولي، لا سيما بعد الأحداث الأخيرة والتي تطورت إلى مطالب بطرد الإمارات من اليمن، وهو ما كان على المبعوث أن يتنبّه له وألا يغطي أفعال أبوظبي حتى لا يتحوّل إلى واحد من أسباب تعقّد الأزمة اليمنية وعقبة في وجه الحلول السياسية، بحسب المصدر.

المساهمون