"التسوية" بعد الحصار: سلاح النظام لتهجير حزام دمشق

"التسوية" بعد الحصار: سلاح النظام لتهجير حزام دمشق

عدنان علي

avata
عدنان علي
30 نوفمبر 2016
+ الخط -
منذ انطلاق الثورة السورية في ربيع عام 2011، شكل الريف الدمشقي مصدر قلق لنظام بشار الأسد، الذي يدرك أن أبناء هذا الريف لا يكنون له كثيراً من الود، بسبب ممارساته المتراكمة بحقهم، خلال العقود الماضية. انتهاكات ومضايقات وإجحاف، كلها عناوين طبعت تعاطي النظام مع سكان ريف العاصمة السورية، سواء من خلال الاستيلاء على أراضيهم بحجج مختلفة، أو بإهمال مناطقهم وحرمانها من الخدمات، على الرغم من أن هذه المنطقة تشكل رئة دمشق ومصدر غذائها. هذه الأسباب وغيرها دفعت، مع بداية الثورة السورية، الكثير من المناطق المُسماة بـ"حزام دمشق"، للخروج ضد النظام. ولذلك سددت أثماناً باهظة ولا تزال، خصوصاً مع تراجع كفة المعارضة السورية بريف دمشق في الفترة الأخيرة. ويستفيد النظام من التقدم الميداني الذي حققه هذه الأيام، لكي يفرض "تسويات" على مناطق التل وخان الشيح بشكل خاص، بعدما أتم تهجير ما تبقى من أهالي داريا ومناطق أخرى بمحيط دمشق.

وتبدو خارطة السيطرة بمحيط دمشق في الفترة الأخيرة، ذاهبة نحو الحسم في معظم المناطق لصالح النظام، لكن تبقى للمعارضة معاقل هامة، كانت ولا تزال الأخطر على النظام. يتعلق الأمر بمواقع سيطرتها في الغوطة الشرقية وصولاً لحي جوبر، شرقي العاصمة، التابع لها إدارياً. لكنّ هناك تخوفاً في مناطق أخرى غربي دمشق، وفي وادي بردى والقلمون، من أن تلاقي مصيراً مشابهاً لداريا والمعضمية وغيرها.

الغوطة الغربية: تهجير داريا
يمكن اعتبار اتفاق تهجير مقاتلي وسكان مدينة درايا الواقعة ضمن ما يُعرف بغوطة دمشق الغربية، في أغسطس/ آب الماضي، بداية انهيار في صفوف جبهة المعارضة غربي دمشق. وتبعت هذه الاتفاقات سلسلة لم تتوقف بعد من "التسويات" المماثلة، والتي تعكس بدء ميل الكفة لصالح النظام في مجمل مناطق الريف الدمشقي. وهذه الاتفاقات تتضمن ترحيل المقاتلين إلى محافظة إدلب في الشمال السوري، وأحياناً الأهالي أو جزء منهم، مقابل فك الحصار، ووقف القصف على تلك المناطق. وبعد داريا، تتالت الاتفاقات المشابهة لتشمل معضمية الشام المجاورة لداريا، ثم قدسيا والهامة اللتين تعتبران إلى جانب داريا، الأقرب إلى دمشق.

ومع إبعاد مقاتلي المعارضة السورية عن هذه المناطق القريبة جداً من قلب العاصمة دمشق، بدأ النظام يتطلع إلى محاولات إبعاد الخطر عنه، في المناطق الأبعد قليلاً عن العاصمة، مثل خان الشيح والتل. ووقّع مع فصائل المعارضة هناك، في الأيام الأخيرة، على اتفاقات مشابهة تقضي بخروج المقاتلين، أو "تسوية" أوضاعهم، في حين يواصل العمل بخطى حثيثة، على تعميم هذه العملية على كل مناطق ريف دمشق الخارجة عن سيطرته. وبعد منطقة خان الشيح التي تخضع للحصار منذ أكثر من سنتين، تسعى قوات النظام لترحيل مقاتلي المعارضة من بلدة كناكر في الغوطة الغربية وإرغامهم على توقيع "اتفاق مصالحة" وفق شروط أرسلتها إليهم، وفي ظل تلويحها بشن عملية عسكرية واسعة على البلدة المحاصرة في حال رفضت المعارضة هذه الشروط.


وعلى غرار "المصالحات" في البلدات الأخرى، يقضي اتفاق بلدة كناكر، بتسوية أوضاع من يرغب من فصائل المعارضة، وترحيل القسم الآخر إلى مناطق المعارضة شمالي سورية. وتنص أيضاً على تسليم كامل السلاح داخل البلدة لقوات النظام، و"تسوية" أوضاع المنشقين عن الجيش، والمتخلفين عن الخدمة العسكرية، مقابل رفع الحصار ووقف القصف، مع وعود ببحث مصير المعتقلين من أبناء البلدة في سجون النظام. وتبعد كناكر عن خان الشيح حوالي 10 كيلومترات فقط، وفي حال إتمام عمليتي "المصالحة" في هاتين المنطقتين، ستصبح الغوطة الغربية خالية تقريباً من مقاتلي المعارضة.

الغوطة الشرقية والقلمون
هذا التراجع في موقف فصائل المعارضة السورية، شمل في الأشهر الماضية أيضاً الغوطة الشرقية، التي يسيطر عليها بشكل رئيسي، فصيلا "جيش الإسلام" و"فيلق الرحمن". لكنهما يعيشان حالة تنافس وصراع، ساعدت قوات النظام على تحقيق اختراقات متتالية في جبهات الغوطة. هكذا باتت تلك القوات على بعد نحو كيلومترين فقط من مدينة دوما، كبرى مدن الغوطة، والمعقل الرئيسي لـ"جيش الإسلام". وبدأ الخرق في إبريل/ نيسان الماضي، حين تمكنت قوات النظام من فصل بلدات شمال الغوطة عن القطاع الجنوبي منها. وهذا القطاع يضم عدة بلدات، مثل دير العصافير وزبدين وبالا وركابية وحوش دوير وبياض. هكذا تمكن النظام من قضم المناطق الزراعية، وبالتالي حرمان المناطق الأخرى، الآهلة بالسكان، من محاصيلها، ما زاد من محنة الحصار المفروض على الغوطة منذ ثلاث سنوات.

ومن المناطق التي تحظى باهتمام خاص لدى النظام وحزب الله اللبناني، منطقة القلمون، الواقعة بين العاصمة دمشق والحدود اللبنانية، وهي تخضع بشكل منتظم لمحاصرة وتهجير سكانها بغية تأمين التواصل بين مواقع حزب الله في لبنان ودمشق. وفي هذا الإطار، جاء اتفاق "الزبداني ـ كفريا والفوعة" الذي قضى بترحيل جزء من سكان الزبداني إلى إدلب، فيما يتواصل حصار بلدة مضايا المجاورة، بهدف التضييق على أهلها، ودفعهم إلى الرحيل، أو توقيع اتفاق مشابه لما جرى في الزبداني وداريا. وتقصف قوات النظام وعناصر حزب الله مدينة الزبداني المحاصرة بشكل شبه يومي، بالإضافة إلى حرق المزيد من الأراضي في سهل الزبداني ومضايا التي تُستهدف بالقنص بهدف دفع أهلها للرحيل. وتسيطر قوات النظام على الريف الشمالي الغربي لدمشق، والذي يمرّ منه الطريق الدولي من العاصمة السورية نحو معبر جديدة يابوس ثم الأراضي اللبنانية، والذي يعد الرئة البرية الوحيدة للنظام بعد فقدانه السيطرة على المعابر الأخرى مع الأردن والعراق وتركيا.

وتحظى مناطق شرق دمشق باهتمام خاص من جانب إيران وحزب الله، لا سيما منطقة السيدة زينب وما حولها. وحجّتهما تتمثل في حماية مقام السيدة زينب هناك. ومن خلال هذه الذريعة، سيطرت المليشيات التي تدعمها إيران، على كثير من البلدات المجاورة لضريح السيدة زينب، منها: شبعا والذيابية وحجيرة والسبينة، والتي كان يعيش فيها مئات آلاف المواطنين. لكن تم تهجيرهم ولم يسمح لهم بالعودة إلى ديارهم، بعد أكثر من ثلاث سنوات من استعادة مناطقهم من جانب قوات النظام والمليشيات. وهذا المنع يندرج في إطار ما يعتقد أنها سياسة تغيير ديمغرافي ممنهجة تقوم بها إيران وحزب الله بتواطؤ من سلطات نظام بشار الأسد. وعلى الرغم من تمكن قوات النظام والمليشيات من استعادة تلك المناطق في شرق دمشق منذ أواسط 2013، إلا أنها لم تتمكن من استكمال هذه السيطرة باتجاه الغوطتين اللتين تضمان الجزء الأكبر من مقاتلي المعارضة. ولم يبدأ ميزان القوى يميل لصالح النظام في هاتين المنطقتين، إلا قبل عام، وذلك مع التدخل العسكري الروسي اعتباراً من سبتمبر/ أيلول 2015. ووفرت العمليات العسكرية الروسية لقوات النظام قوة نارية كبيرة، مكنتها من إلحاق دمار كبير في مناطق سيطرة قوات المعارضة بريف دمشق، ما مهّد الطريق للتسويات الجارية حالياً، والتي تصفها المعارضة السورية بأنها عمليات "تهجير وتغيير ديمغرافي".

ذات صلة

الصورة

سياسة

قُتل 40 شخصاً على الأقل، وجُرح العشرات، في إطلاق نار أعقبه اندلاع حريق، مساء اليوم الجمعة، في صالة للحفلات الموسيقية في ضاحية موسكو.
الصورة
تظاهرات في ذكرى الثورة السورية (العربي الجديد)

سياسة

خرجت تظاهرات في مدن وبلدات شمال غربي سورية اليوم الجمعة، إحياءً للذكرى الـ13 لانطلاقة الثورة السورية.
الصورة
عاشت حلب 1980 اقسى ايام حياتها.

سياسة

يتابع النقابي والسجين السياسي السوري غسان النجار رواية فصول من قتل المجتمع في سورية، حيث يكشف أنه وزملاؤه لم يحاكموا طلية السنوات التي قضاها في السجن.
الصورة
يوسف سلامة (1946-2024)

ثقافة

رحل أستاذ الفلسفة المعاصرة والباحث الفلسطيني السوري يوسف سلامة (1946 – 2024)، أمس الاثنين، في مدينة مالمو السويدية.

المساهمون