سيرك سياسي في تونس

سيرك سياسي في تونس

14 أكتوبر 2018
دعا الرياحي الشاهد للرحيل والعودة إلى نداء تونس (الأناضول)
+ الخط -

في السيرك لا يؤخذ البهلوان على محمل الجد. ينتقل من مكان إلى آخر بلا منطق. يضحك ويبكي بلا داعٍ، يحبه الأطفال لهذا السبب تحديداً، لأنه بلا منطق، ولا ينتبه إليه الكبار لأنه يدعو إلى الابتسام والسخرية ربما، ثم يمر.

لكن التلاعب بمصائر الناس وأطفالهم وخبزهم أمور لا تحتمل المهرجين، ولا يمكن أن تكون مادة لسيرك، مع أن هذا ما يحدث في الفضاء السياسي التونسي منذ فترة: سيرك مليء بالمهرجين الذين تتعبك محاولة تتبع المنطق في أقوالهم وأفعالهم. يبدأ الواحد مناضلاً في حزب نداء تونس، يعادي النهضة قبل الانتخابات ويتحالف معها بعدها، يغادر النداء بعد ذلك إلى حزب آخر، يتحالف وينشئ جبهة سياسية جديدة، تنفرط الجبهة بعد ذلك، يدخل في تحالف جديد، يدعم الحكومة ثم يعارضها، يغادر الحزب الجديد بعد ذلك، يدخل في ائتلاف سياسي آخر، ودائماً بنفس الحماسة وحب الوطن. وليس هذا من المبالغة في شيء، فهذا ما حدث وتكرر كثيراً إلى درجة أن الصحافي (وليس المواطن) أصبح يتثبت قبل منح الصفة الحزبية لأي شخصية، بسبب سيرك التنقلات اليومية التي أتعبت كل متابع.

ولكن ما حدث أول من أمس أدهش الجميع، لأنه تجاوز كل معقول ومنتظر. سليم الرياحي، رجل الأعمال الذي أُسقط تتبعه قضائياً منذ فترة وجيزة ورُفع حظر السفر عنه، انضم حزبه ونوابه مباشرة بعد ذلك لدعم الائتلاف النيابي الداعم لحكومة يوسف الشاهد، ما قاد البعض إلى الاعتقاد بأن هناك صفقة وراء ذلك. وخرج علينا مساء السبت ليقول للتونسيين إن "الوضع السياسي الحالي صعب وكارثي ويجب إيقاف النزيف في أقرب وقت"، مطالباً الشاهد بـ"الرحيل والعودة إلى نداء تونس". وأضاف أن "رئيس الحكومة والمجموعة المحيطة به غير قادرين على تقديم الإضافة"، وأنه "من الضروري في الوضع الحالي تغيير الحكومة ووضع أشخاص لهم القدرة على التغيير وإيقاف النزيف"!. وهو نفسه الذي كان يؤكد منذ أسابيع قليلة أن حزبه اختار طوعاً الاندماج في جبهة برلمانية وسطية كبيرة بصحبة مجموعة من النواب الوطنيين (كتلة الائتلاف الوطني الداعمة للشاهد)، منتقداً ما سماها بحملات التشكيك التي رافقت عملية الانصهار وواعداً بأن يكون التحالف على المدى البعيد‼ فهل بعد هذا السيرك سيرك؟