سورية: المنطقة الآمنة لتفادي الاشتباك التركي-الكردي

سورية: المنطقة الآمنة لتفادي الاشتباك التركي-الكردي

15 يناير 2019
حشود تركية وللمعارضة تتوجه للحدود قرب منبج(نظير الخطيب/فرانس برس)
+ الخط -


سريعاً ما ظهرت ملامح الحل الوسط الذي قال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو يوم السبت إن واشنطن تبحث عنه للموازنة بين تركيا وأكراد سورية، بشكل يحافظ على الأولى حليفاً استراتيجياً لأميركا، ولا يتخلى عن الطرف الثاني كـ"حليف الميدان" للقوات الأميركية والتحالف الدولي في إطار الحرب على "داعش" منذ سنوات.
ظهرت معادلة الحل الوسط بتغريدة على "تويتر" كتبها هذه المرة الرئيس الأميركي دونالد ترامب شخصياً ليل الأحد، وجوهرها العودة إلى مشروع تركي قديم يقوم على إنشاء منطقة آمنة أو عازلة بعرض 20 ميلاً (حوالي 32 كيلومتراً) على الحدود التركية السورية، والمقصود منها الجزء الواقع شرقي الفرات والذي تسيطر عليه قوات كردية مسلحة تعتبرها أنقرة عدواً لها. منطقة آمنة أو عازلة تؤمن من خلالها واشنطن ما قال بومبيو قبل بضعة أيام من الإمارات إنه يضمن "الحماية للأكراد في سورية، مع السماح للأتراك بالدفاع عن بلادهم من الإرهابيين". وظهر أن المخرج ذاك توصل إليه بومبيو يوم الجمعة في مكالمة هاتفية أجراها مع نظيره التركي مولود جاووش أوغلو، تناولت الملف السوري، وهي قد تبدو مُرضية تماماً لأنقرة، بدليل أن ردها جاء هادئاً نسبياً على التهديد غير المسبوق الذي وجّهه ترامب لتركيا في حال هاجمت المسلحين الأكراد بعد الانسحاب الأميركي من سورية، بنبرة عدائية جاء فيها بمصطلحات ترامب المعروفة: "سندمر تركيا اقتصادياً إذا هاجمت الأكراد"، داعياً إلى إقامة "منطقة آمنة بعرض 20 ميلاً" (32 كيلومتراً) من دون أن يضيف أي تفاصيل عن مكانها أو تمويلها أو تفاصيلها.

وفي حال كانت المنطقة الآمنة بعرض يتراوح بين 30 و40 كيلومتراً على كل الحدود التركية السورية في منطقة شرقي الفرات، فهي من المتوقع أن تشمل معظم المدن الرئيسية التي تقع تحت سيطرة "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، بدءاً بمدينة عين العرب (كوباني) ورأس العين وصولاً إلى مدينة القامشلي في أقصى شمال شرق سورية، فضلاً عن الدرباسية والقحطانية وعامودا والمالكية.

وحاول بومبيو في حديث للصحافيين قبل أن يغادر الرياض أمس، التخفيف من حدة تهديد ترامب لأنقرة، مركزاً على المنطقة الآمنة، وقال إنه يواصل اتصالاته حول هذه المنطقة، التي كان ترامب دعا إلى إنشائها لتفادي هجوم تركي ضد مناطق سيطرة الأكراد في شمال وشمال شرق سورية. وأكد الوزير الأميركي "أننا نريد أن نضمن أمن الذين حاربوا معنا لإسقاط الخلافة وتنظيم الدولة الاسلامية، وأيضاً ألا يتمكن الإرهابيون الذين ينشطون من سورية من مهاجمة تركيا". ولكنه أضاف: "لا نزال نعمل على المنهجية المحددة لضمان أمن هذه العناصر على طول الحدود، ومطلبنا ألا يقوم الأتراك بالتعرض للأكراد بطرق قد لا تكون مقبولة".

في المقابل، رد وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، على كلام ترامب، قائلاً إن "التهديدات الاقتصادية" الأميركية "لن ترهب" تركيا، مؤكداً ان بلاده "ليست ضد" فكرة منطقة أمنية في سورية بين حدودها ومواقع المقاتلين الأكراد. وذكر بأن "فكرة إنشاء منطقة آمنة في الشمال السوري لمسافة 30 كيلومتراً، ليست فكرة واشنطن، بل هي فكرة الرئيس رجب طيب أردوغان". ولفت إلى أن الرئيس التركي كان اقترح هذه الفكرة على كافة الدول الأوروبية وروسيا، والدول المعنية في سورية. واعتبر الوزير التركي، أن "وضع ترامب صعب للغاية في هذه الآونة، فهو يتعرض لضغوط من أجهزته الأمنية، خصوصاً بعد قرار الانسحاب من سورية، وتركيا تدرك أن تصريحات ترامب الأخيرة موجّهة للداخل الأميركي". وكرر بأن أنقرة "لا تعارض إقامة منطقة آمنة، فهدفنا هو محاربة الإرهاب، وفي الشمال السوري يوجد ممر إرهابي يهدد أمننا القومي ويريد تقسيم سورية، ونحن نريد إزالة هذا الممر".


وكانت الرئاسة التركية قد سبقت رد جاووش أوغلو، فقال رئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية، فخر الدين ألطون، إن "الجمهورية التركية ليست عدواً للأكراد بل حاميتهم، وليست لديها أي مشاكل معهم. نحن مسألتنا مع منظمة العمال الكردستاني الإرهابية وامتداداتها في سورية". أما المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالن، فقد اعتبر أنه "لا يمكن للإرهابيين" أن يكونوا حلفاء للولايات المتحدة، موجّهاً حديثه لترامب، بأن "وضع (الولايات المتحدة لـ) الأكراد مع تنظيم حزب العمال الكردستاني الإرهابي وامتداده السوري، الاتحاد الوطني الديمقراطي، في خانة واحدة، يعد خطأ قاتلاً"، وأن أنقرة "تكافح الإرهابيين وليس الأكراد، وتعمل على حماية الأكراد وباقي السوريين من تهديد الإرهاب".

وكانت تصريحات ترامب، منذ أعلن في التاسع عشر من الشهر الماضي، عزمه سحب جنود بلاده من سورية، وحديثه عن أن تركيا تستطيع محاربة فلول "داعش" شرقي الفرات، أوحت بأن تقارباً أو تفاهماً أميركياً-تركياً، ينضج، وربما يرسم ملامح مستقبل مناطق شرقي الفرات السورية، بعد الانسحاب الأميركي منها، غير أن قرار ترامب بالانسحاب من سورية، تقلصت مفاعليه المحتملة، وتباطأت وتيرة تنفيذه، بعد ما أحدثه من إرباكٍ لمختلف القوى الإقليمية والسورية، وإحداثه أيضاً، هزة داخل الإدارة الأميركية، إذ عارضه نوابٌ جمهوريون، واستقال على إثره وزير الدفاع الأميركي، جيمس ماتيس، وتبعه المبعوث الأميركي للتحالف الدولي، بريت ماكغورك. وفي حين أدت الضغوط الداخلية في واشنطن، ومن حلفائها الغربيين، إلى إبطاء تنفيذ قرار ترامب، على الرغم من أن الأخير ما زال يؤكد أنه ماضٍ في تنفيذه.

وتعليقاً على هذه التطورات، قال المحلل السياسي التركي، أوكتاي يلماز، لـ"العربي الجديد"، أمس الإثنين، إن الحديث عن إنشاء منطقة آمنة في الشمال السوري، يُمكن النظر إليه بإيجابية، ولكن هناك غموضاً كبيراً، فمن غير الواضح الآن ما هو المقصود من هذه المنطقة، ومن يشكّلها، ومن يمولها، ومن سيديرها؟ وأضاف يلماز "مثلما لا يوجد وضوح في الاستراتيجية والسياسات الأميركية (حيال سورية)، لا يوجد وضوح حول هذه المنطقة الآمنة المطروحة من جديد"، قائلاً: "هناك مباحثات مع المسؤولين الأميركيين، وتركيا تنتظر نتائج هذه المباحثات".

ودخل القائد العام لـ"هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) أبو محمد الجولاني على خط تطورات شرق الفرات، ربما للتخفيف من الضغط التركي على تنظيمه المصنف إرهابياً إثر أحداث إدلب وريفي حماة وحلب. وقال الجولاني إن فصيله يؤيد شن تركيا عملية عسكرية ضد المقاتلين الأكراد. وأضاف الجولاني، في مقابلة نُشرت أمس الإثنين على تطبيق "تلغرام" مع قناة "أمجاد" المعنية بأخبار التنظيمات "الجهادية" والتابعة لـ"النصرة": "نرى حزب العمال الكردستاني عدواً لهذه الثورة ويستولي على مناطق يقطن فيها عدد كبير من العرب السنّة"، علماً أن "النصرة" قضت على جزء كبير من فصائل الثورة، وقدّمت ولا تزال خدمات كبيرة وإن كانت غير مباشرة لأعداء الثورة التي يتحدث عنها الجولاني، أي للنظام السوري ولروسيا ولإيران.