جهود المصالحة الأفغانية بتركيا وباكستان: للحل أم لتمزيق طالبان؟

جهود المصالحة الأفغانية بتركيا وباكستان: للحل أم لتمزيق طالبان؟

19 يناير 2018
جنود أفغان في تدريب لمواجهة طالبان (Getty)
+ الخط -
باتت جهود المصالحة الأفغانية في مستوى جديد إثر عقد اجتماع غير رسمي بين أطراف الصراع الأفغاني في تركيا أخيراً، فتح أبواب نقاشات كبيرة في الساحتين السياسية والإعلامية في أفغانستان. وانتعشت بالتالي آمال الأفغان مرة أخرى بشأن حلّ المعضلة الأمنية، لكن نفي حركة طالبان رسمياً مشاركتها في الاجتماع رغم مشاركة قياديين فيها، طرح تساؤلات حول مدى نجاعة هذه المبادرة التي أتت بجهود تركية أفغانية مشتركة. كما كشفت مصادر رسمية في الحكومة لـ"العربي الجديد"، أن "اجتماعاً آخر عقد بين مندوبي طالبان وممثلي حزب سياسي في العاصمة الباكستانية إسلام أباد"، في إشارة إلى وجود تصدّعات جديدة في صفوف الحركة.

في هذا السياق، ادّعى القيادي في طالبان، المولوي عبد الرؤوف، وهو أحد المشاركين في اجتماع اسطنبول، أنه "ممثل الحركة استناداً إلى تاريخه في تمثيلها وزيراً أيام حكومة طالبان في أفغانستان (1996 ـ 2001)"، مؤكداً أن "جميع قيادات الحركة الميدانية والسياسية والدينية متفقون على أن الحل العسكري لا جدوى من ورائه". وشدّد على أن "الحوار بين الأطياف الأفغانية، وتحديداً مع الحكومة الأفغانية، هو الحل". وأضاف عبد الرؤوف أنه "باستثناء بعض قيادات الحركة الخاضعين لنفوذ الاستخبارات الباكستانية، إلا أن الجميع يتفقون معي، وقد جئنا إلى اسطنبول للحوار مع الحكومة الأفغانية، لأن قادة البلاد أدركوا أن الشعب الأفغاني تعب من ويلات الحرب، وأن الخيار العسكري باء بالفشل"، لافتاً إلى أن "الحركة أدركت أنها لن تصل إلى أهدافها من خلال حمل السلاح، لذا قررت المشاركة في الحوار والعودة إلى المجال السياسي".

غير أن المتحدث باسم الحركة ذبيح الله مجاهد، رد على تصريحات عبد الرؤوف، قائلاً إن "المشاركين في اجتماع إسطنبول ليسوا ممثلين للحركة"، معتبراً ذلك "فخاً استخباراتياً ضد وحدة الحركة وأنها لن تسمح بذلك".
وعلى العكس من ذلك، ادّعى القيادي في الحزب الإسلامي همايون جرير، وهو أحد العاملين على عقد الاجتماع، أن "الاجتماع في تركيا عُقد بعد التشاور مع قيادة طالبان والحكومة الأفغانية، وأن المولوي عبد الرؤوف والمولوي عبد الحليم هما ممثلا طالبان في اجتماع إسطنبول، وأنهما شاركا في الاجتماع بعد التشاور مع شورى كويتا، المجلس القيادي الأعلى في حركة طالبان".

وأشار جرير، وهو مستشار الرئيس الأفغاني أشرف غني، إلى أن "اجتماع اسطنبول هو الثالث من نوعه، وكل تلك الاجتماعات غير الرسمية، تهدف إلى بدء مرحلة مهمة من الحوار بين الأطياف الأفغانية". ولم يُشر جرير إلى ما إذا كانت الاجتماعات المقبلة في تركيا أو في غيرها، غير أنه بدا أن جميع الأطراف الأفغانية في حراك متواصل إزاء الحوار بعد تزايد الضغوط الأميركية على باكستان، التي أدت إلى ازدياد الضغط الشديد على قيادات الحركة أينما كانوا.



وفيما بدا أن الحوار في تركيا أتى بجهود الحكومة الأفغانية ومباركة أميركية، هناك حركات مماثلة موازية مدعومة من دول المنطقة ومباركتها. وفي هذا الصدد، كشفت مصادر في الحكومة الأفغانية أن "وفداً مهماً من حركة طالبان اجتمع هذا الأسبوع في إسلام أباد مع رجل الدين المشهور سيد حامد جيلاني". وفتح الرجل باب نقاش كبير في الأيام الأخيرة بعد أن أكد أن "قيادات طالبان في أفغانستان وليسوا في باكستان"، الأمر الذي أثار غضب الاستخبارات والحكومة الأفغانية، ومُنع من عقد اجتماعات في كابول.

كما جاء وفد من مكتب طالبان في الدوحة، وفقاً لمصادر في الحركة ووسائل إعلام باكستانية، إلى إسلام أباد أخيراً، بقيادة شهاب الدين دلاور، وناقش مع القيادة الباكستانية موضوعات محط اهتمام مشترك للطرفين.
وفُسّر الأمر على أن باكستان غير راضية عن اجتماعات تركيا، كما أن إيران وروسيا اللتين تربطهما علاقات جيدة مع طالبان، غير راضيتين عن أية جهود لا تشاركان فيها.

ورأت مصادر مطلعة أن "ما يحصل في تركيا نتيجة جهود أميركية أفغانية، وما يحصل في إسلام أباد رد من طالبان والداعمين لها. ولكن الخشية هنا هو أن الحركة بين هذا وذاك ستتشقق أكثر". وهو ما أشارت إليه وسائل إعلام مقرّبة من الحركة، مثل مجلة "نن تكي أسيا"، واصفة ذلك بـ"سعي لتشتيت الحركة أكثر، وأي محاولة كهذه ستعقد القضية الأفغانية أكثر".

من جهته، رأى زعيم الحزب الإسلامي، قلب الدين حكمتيار، وهو من الشخصيات الجهادية البارزة إبان الغزو السوفييتي لأفغانستان (1979 ـ 1989)، أن "له ولحزبه علاقات عميقة جداً مع طالبان، وأن جزءاً كبيراً من الحركة رضي بالعودة إلى الحوار". مع العلم أن تصريحات حكمتيار، المنافس الجهادي الأبرز لطالبان قبل المصالحة مع الحكومة الأفغانية العام الماضي، أدهشت الأفغان، خصوصاً أن مواجهات مسلحة عنيفة اندلعت بين أنصاره وطالبان في مناطق مختلفة من البلاد. بالتالي فإن كل تلك المتغيرات كشفت أن الحكومة الأفغانية نجحت في بعض مخططها ليكون الحزب الإسلامي جسراً وسيطاً بين الجهاديين وبينها. ولا شك أن الكثير من أنصار وقيادات طالبان بقوا إبان الغزو السوفييتي في الحزب الإسلامي وله تأثير كبير عليهم، وهو أكبر تهديد لوحدة طالبان حالياً.