التعاون الأمني بين فرنسا والجزائر رهن تجاوز غيوم السياسة

التعاون الأمني بين فرنسا والجزائر رهن تجاوز غيوم السياسة

21 نوفمبر 2015
الأحداث الأمنية المتصلة بالبلدين فرضت التعاون (ليونيل بينافينتور/فرانس برس)
+ الخط -
فور وقوع هجمات باريس قبل أكثر من أسبوع، سارعت الحكومة الجزائرية إلى الإعلان عن استعدادها للتعاون الأمني مع فرنسا ووضع كل المعلومات المتعلقة بنشاطات وتحركات عناصر على صلة بالمجموعات الإرهابية بيد الأجهزة الأمنية الفرنسية والأوروبية.

اقرأ أيضاً: منفّذو اعتداءات باريس... أصحاب سوابق يسرحون في مدن أوروبا

أكثر من أي مكان آخر، كان وقع هجمات باريس مريراً في الجزائر؛ إذ فرض الواقع الاجتماعي الذي يجمع البلدين، حيث يقيم الملايين من الجزائريين في مختلف المدن الفرنسية وبينها باريس، فتح خط تعاون أمني، يزداد قوة كلما توالت أحداث أمنية تتصل بالبلدين أو بأحدهما.

ومنذ منتصف التسعينيات، دفع الجنون الإرهابي في الجزائر، والذي امتد إلى دول أوروبا، وخصوصاً فرنسا وبريطانيا وبلجيكا، البلدين إلى البحث عن توافقات تتعلق بالتعاون الأمني والاستخباراتي، وتحديداً منذ تفجيرات ميترو باريس.

غير أن هذا التعاون الأمني الجزائري الفرنسي وجد معوقات في التسعينيات، تتصل بفهم باريس لطبيعة العنف الإرهابي الواقع في الجزائر؛ إذ كانت باريس، كما عدّة دول أوروبية، تعتبر ما يحصل في الجزائر حرباً أهلية مترافقة مع سلسلة اتهامات للجيش الجزائري بالتورط في ارتكاب مجازر، وهو ما دفع عدداً كبيراً من عناصر الجماعات المسلّحة، إلى التوجه نحو فرنسا وبلجيكا وبريطانيا، وجمع الأموال بشكل علني أمام المساجد والمؤسسات الدينية لصالح الجهاديين في الجزائر، ونجحت هذه الجماعات في إرسال أسلحة عبر المغرب إلى المجموعات المسلّحة في الجزائر.

غير أنّ تطور نشاط هذه الجماعات في فرنسا خصوصاً، بدأ يُشعر الطرف الفرنسي ببعض الخوف من ارتداد هذه النشاطات على الداخل الفرنسي. وفي منتصف التسعينيات كانت المخاوف الفرنسية قد بدأت تتحقق، ما فرض على باريس تصحيح موقفها السياسي والأمني إزاء الوضع في الجزائر، وإطلاق خط تعاون أمني واستخباراتي مع الجزائر، بدأ بشكل عملي في تفكيك القواعد الخلفية واللوجيستية للجماعات الإرهابية الجزائرية في فرنسا، وضبط حركة عناصرها؛ ففي عام 1997 وقعت الجزائر وباريس على اتفاق تعاون أمني واستخباراتي جرى بموجبه تبادل المعلومات والمعطيات الشخصية بشأن نشاط جزائريين، يشتبه في صلتهم بمجموعات إرهابية على التراب الفرنسي. وظل هذا الاتفاق ساري المفعول حتى الآن. كما جرى في نوفمبر/ تشرين الثاني 2009 التوقيع على اتفاقية أمنية تتصل بمكافحة الجريمة المنظمة، وتبادل المعلومات ونتائج التحريات الجنائية والإجرامية.

وتم في ديسمبر/ كانون الأول 2012 التوقيع على اتفاقية التعاون الأمني الشامل خلال زيارة قام بها الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند إلى الجزائر، وتضمنت هذه الاتفاقية التبادل السريع للمعلومات الاستخباراتية والتنبيه المسبق إزاء أية تهديدات أمنية وتبادل المعطيات والبيانات ذات الصلة بالشأن الأمني، وخصوصاً أن الجزائر وفرنسا كانتا معنيتين بمراقبة نشاط المجموعات الإرهابية، والتي تنشط في منطقة الساحل وشمال مالي كتنظيم "القاعدة" في بلاد المغرب الإسلامي والتوحيد والجهاد والملثمون والموقعون بالدم.

كما أضافت الأزمة في ليبيا وسورية بعداً آخر للتعاون الأمني المشترك بين البلدين، بهدف مراقبة خطوط انتقال الجهاديين إلى ليبيا وسورية. ويأخذ التعاون الأمني الجزائري الفرنسي بعداً استراتيجياً بسبب الكتلة السكانية الجزائرية المقيمة في فرنسا، وتدفق حركة وتنقل الأشخاص بين البلدين.

لكن جميع هذه المعطيات والتفاصيل لا تلغي بعض التحفظ من قبل الجزائر إزاء التعاون الأمني الكامل مع باريس، وخصوصاً في ظل وجود تناقض في المواقف السياسية بين الجزائر وفرنسا، حيال جملة من القضايا المتصلة بالإرهاب كالمأزق الليبي والحرب في سورية. وتتباين قراءة كل طرف للمسببات والحلول المطروحة لهذه المشاكل، بشكل لا يتيح إلغاء التحفظ في التعاون الأمني الكامل. 

ميترو باريس ومحمد مراح

 في عام 2012 اغتال محمد مراح الذي نُسب إلى تنظيم "داعش" سبعة أشخاص بينهم ثلاثة أطفال يهود وحاخام، عندما هاجم مدرسة يهودية وجرح ستة آخرين، في ثلاثة أماكن مختلفة كان يتنقل خلالها على دراجة نارية. لكن الشرطة الفرنسية نجحت في محاصرته في منزل.

مراح، لم يكن أول الجزائريين الذين نفّذوا عمليات في فرنسا؛ فقبل 20 عاماً امتدت يد الجماعة المسلّحة، والتي كانت تنشط في الجزائر، إلى باريس.

في 25 يوليو/تموز 1995، نفذ مسلّحون يتبعون تنظيم "الجيا"، وهو الاسم المختصر للجماعة الإسلامية المسلحة، تفجيرات في محطة سان ميشال، وسط باريس، خلفت ثمانية قتلى وجرحت 150 آخرين. وعلى الرغم من التشدّد الأمني الذي أعقب هذه العملية فإن "الجيا" عاودت الكرة، ونفذت في أكتوبر/ تشرين الأول عام 1995 عمليتين أخريين في محطة ميزان بلانش، ومتحف أورسي في باريس، خلفتا عدداً من القتلى. وتبنت الجماعة الإسلامية المسلّحة  في حينها هذه العمليات، وألقت السلطات الفرنسية بعدها القبض على من زعمت أنه المدبر الرئيس لهجمات ميترو باريس رشيد رمضة، والذي أُدين وحُكم عليه بالسجن المؤبد.

وعقدت هذه العمليات العلاقات بين فرنسا والجزائر، إذ أعلنت "الجيا" أن دوافعها تتعلق بدعم الحكومة الفرنسية للنظام الجزائري الذي كان يخوض منذ عام 1992 حرباً مفتوحة مع الجماعات المسلحة، والتي حاولت بدورها الضغط على باريس عبر خطف واغتيال سبعة من الرهبان، كانوا يعملون في دير صغير في منطقة تيبحيرين بولاية المدية التي تقع جنوبي العاصمة الجزائرية. وهي العملية التي كُشف لاحقاً أن السفارة الفرنسية في الجزائر أقامت اتصالات مع التنظيم، بهدف التفاوض معه على إطلاق سراح الرهبان، لكن شروط الجماعة المسلحة كانت تتعلق بالإفراج عن قيادات في التنظيم وشيوخ "الجبهة الإسلامية للإنقاذ"، والذين كانوا معتقلين في الجزائر.

لكن يبقى أكبر تحدٍ في العلاقة الأمنية بين الجزائر وباريس، هو المتعلق بقضية خطف طائرة "إيرباص" الفرنسية في الجزائر في 24 ديسمبر/كانون الأول عام 1994، إذ نجح كوموندوس من الجماعة الإرهابية في التسلل بالأسلحة إلى داخل الطائرة، واختطفها قبل إقلاعها، وعلى متنها 170 راكباً، وأصر الخاطفون على رحيل الطائرة إلى باريس، وهو ما استجابت له السلطات الجزائرية تحت ضغط الحكومة الفرنسية. لكن الأخيرة لم تتح للطائرة التوجه إلى باريس، لعلمها بوجود مخطط بتفجير الطائرة فوق برج إيفل وسط باريس، وتم تحويل الطائرة إلى مطار مارسيليا، حيث تدخل فريق كوموندوس فرنسي وقضى على المسلّحين، وحرر الطائرة والرهائن.

اقرأ أيضاًخير الدين.. فنان جزائري ضحية هجمات باريس