للمرة الرابعة خلال 4 أعوام.. انتخابات مبكرة في إسبانيا

للمرة الرابعة خلال 4 أعوام.. خلافات الأحزاب في إسبانيا تدفعها لانتخابات مبكرة

5698EA23-7F4D-47FA-B256-09D7BCA82E5A
ناصر السهلي
صحافي فلسطيني، مراسل موقع وصحيفة "العربي الجديد" في أوروبا.
18 سبتمبر 2019
+ الخط -
بالكاد مرت 4 أشهر على انتخابات إسبانيا البرلمانية، في إبريل/نيسان الماضي، حتى اضطر رئيس حكومة تصريف الأعمال، الاشتراكي بيدرو سانشيز، وعلى وقع خلافات بين أحزاب البرلمان، خصوصاً مع حزب "بوديموس"، للإعلان في لقاء مع الملك الإسباني، فيليب السادس، أثناء زيارته الأخيرة إلى دار الأوبرا، أمس الثلاثاء، أنه حاول بكل الطرق الوصول إلى تشكيل حكومة وحل العقد ولكنه فشل، مضيفاً أنه يتعين على بلاده العودة إلى صناديق الاقتراع في 10 نوفمبر/تشرين الثاني.

والمثير في هذا الإعلان الاشتراكي، بعد تحقيق اليسار عموماً لنتائج جيدة في الانتخابات الأخيرة، أن يكون السبب حزب "بوديموس"، الذي يوصف في وسائل الإعلام، وعند متخصصي التيارات السياسية الأوروبية، بأنه "يسار شعبوي". فسانشيز لم يتردد في توجيه أصابع الاتهام إلى "بوديموس" باعتباره "يفشل إقامة حكومة اشتراكية".

وعلى عكس الأحزاب اليمينية المتشددة في عدد من ساحات السياسة الأوروبية، ومنها إيطاليا، التي مثل توجهها وزير الداخلية المنصرف ماتيو سالفيني، وعودة رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون إلى الواجهة، ومحاولات أوروبية أخرى لجعل معسكر الشعبويين دون نفوذ سياسي وخصوصاً اليمين المتشدد بمواقفه المتشككة والناقدة للاتحاد الأوروبي، فإن الصورة في مدريد مختلفة إذ إن بوديموس، المحسوب على اليسار الشعبوي، هو من يقود ويحتج ويحاول أن يكون له نفوذ كبير في تحديد العلاقة مع بروكسل، ولو من بوابة الموازنات العامة وسياسات داخلية إسبانية أشبه بمطالب بقية أحزاب شعبويي اليمين القومي المتعصب في القارة بالحصول على الحكم.

وعقّد رفض الحزب الاشتراكي الإسباني مع نتائج الانتخابات الأخيرة الدخول في حكومة ائتلافية مع "بوديموس"؛ إمكانية حصول سانشيز على الأغلبية البرلمانية. ورغم أن سانشيز وعد خلال الشهر الحالي قادة "بوديموس" ببعض الإجراءات السياسية، وبرنامج "سياسي تقدمي"، كتسويات وحلول وسط، للحصول على دعمه في البرلمان، إلا أنه اضطر، أمس الثلاثاء، للإعلان عن فشله "في تحقيق تقدم في تشكيل حكومة جديدة بناءً على ما منحه لنا الشعب الإسباني في 28 إبريل الماضي"، مضيفاً "وعليه وفي ظل غياب أغلبية تؤيد تشكيلنا حكومة فسنضطر لانتخابات مبكرة في 10 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل".

واختصر سانشيز أزمة المشهد السياسي الإسباني، المستمرة منذ 4 أعوام، إذ ستكون المرة الرابعة التي يذهب فيها الشعب إلى صناديق الاقتراع، وتمنح الاستطلاعات حزب "سانشيز" تحقيق اكتساح لو جرت الانتخابات الآن.

وكان يفترض أن يشكل سانشيز الحكومة قبل الموعد النهائي في 23 سبتمبر/أيلول الحالي. وإعلانه، أمس، أمام الملك فيليب، الذي أجرى أيضاً مشاورات مع قادة الأحزاب الأخرى، يعني أن البرلمان لا يزال منقسماً ويستحيل تحقيق شيء خلال الأيام المتبقية.

وهيمن الانقسام الشديد بين التيارات السياسية البرلمانية لأسباب عديدة بينها المشكلة الاقتصادية التي يعاني منها البلد، الذي يحتل المرتبة الرابعة في اقتصاديات منطقة اليورو، إلى جانب خلافات شبه أيديولوجية تتعلق بشعبوية يمينية ويسارية، مع بوديموس وبروز تيار حزب بوكس (فوكس)، خصوصاً فيما يتعلق بعلاقة البلد مع الاتحاد الأوروبي.

حزب الاحتلال

حاول سانشيز من خلال لقاءات عديدة مع زعيم "بوديموس" بابلو ايغليسياس، تذليل العقبات لتمرير تشكيل حكومة. ووصلت المحادثات إلى طريق مسدود، باعتبار أن الاشتراكي بيدرو سانشيز يحتاج إلى أصوات "بوديموس" لتشكيل أغلبية برلمانية من 176 نائباً (من أصل 350 برلمانياً) للمضي في حكومته التي انتظرها الشعب الإسباني، والذي يعود إليه سانشيز مرة أخرى في 10 نوفمبر/تشرين الثاني القادم "ليقرر بنفسه ما يجب أن يكون".

خلال فترة طويلة لم يكن يروق للاشتراكي بيدرو سانشيز التعاون مع زعيم "بوديموس" بابلو ايغليسياس، الذي ظل يصعد مطالبه باحتلال حقائب وزارية هامة، حتى ذهب المعلقون إلى وصفه بـ"حزب الاحتلال"، كما نقلت "ال باييس" و"ال موندو"، لتكرار مطالبه التعجيزية بـ"احتلال مناصب وزارية".

وتقدم سانشيز خلال الأسابيع الماضية بمبادرة "370 إجراء سياسيا" في محاولة منه لجعل "بوديموس" يصوت لمصلحة حكومة اشتراكية.

واعتبر سانشيز أنه ليس بالضرورة دخول الحزبين في حكومة ائتلافية بل يكفي "تحالف برلماني" لتشكيل حكومة اشتراكية أحادية. وفي مقترحه الذي اتخذ تسمية "البرنامج السياسي التقدمي"، حاول الاشتراكيون تحقيق تقارب مع اليساري المتشدد بوديموس.

ومن بين ما اقترحه سانشيز في برنامجه لعموم إسبانيا "رعاية نهارية مجانية (للأطفال) وتطبيق سياسات الحد الأدنى من الأجور لمكافحة الفقر بين الأسر التي لديها أطفال".

وبالإضافة إلى ذلك احتوت المقترحات أن تصل إسبانيا بحلول 2040 إلى تغطية احتياجاتها من الطاقة من خلال 85 في المائة من الطاقة المتجددة. ورغم وعود سانشيز بمنح "بوديموس" مناصب مديرين عامين أو مناصب وسطى في المؤسسات الحكومية العامة إلا أن بوديموس رفض وأصر على حصوله على نفوذ سياسي اعتبره البعض تطرفا معطلا ويذكر بمحاولات اليمين الشعبوي النفاذ إلى نفوذ سياسي كبير في قرارات الدول الأوروبية. فقد رد زعيم الحزب، بابلو ايغليسياس على مقترحات سانشيز أنه "في السياسة لا شيء اسمه ثقة بل ضمانات، وحكومة ائتلافية هي الضمان الوحيد لتطبيق سياسات تحسن من ظروف الشعب".

وظل الوضع الاقتصادي في إسبانيا هاجساً كبيراً للاشتراكي سانشيز، خصوصاً مع وصول الدين العام إلى نسبة 100 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. وللقيام بشيء ما لإنقاذ وضع اقتصادي شاذ كانت مفاوضات الأشهر الماضية تدور حول ضرورة تشديد السياسات المالية للبلد، وتحتاج الأمور وفقاً لقراءة سانشيز التعاون البرلماني في الوسط، ولو مع الحزب الليبرالي، حزب المواطنين (Ciudadanos)المضطر تحت وقع تراجع شعبيته إلى قبول تسويات طرحها سانشيز.

كتالونيا.. تشعل الخلاف

ومن بين القضايا الأخرى، إلى جانب الاقتصاد والنفوذ السياسي، الذي يستهدفه ايغليسياس، والتي فجرت الخلاف في البرلمان، غياب تصويت الأغلبية لصالح سانشيز، خصوصاً من قبل "بوديموس". المواقف التي تذكرها الصحافة الإسبانية، تبرز قضية كتالونيا.

"بوديموس"، وقبيل صدور أحكام قضائية في حق أعضاء بارزين في الحركة الكتالونية الانفصالية الشهر القادم، أكتوبر/تشرين الأول، يصرّ على ضرورة دعم انفصال الإقليم وتحت عنوان "حق تقرير المصير". وهو موقف يتعارض تماماً مع موقف الاشتراكي، ويتصادم في البرلمان مع المعسكر اليميني والمحافظ، الساعي أصلاً إلى إلغاء الحكم الذاتي للإقليم، والذي هدد، أخيراً، الاحتجاجات المتوقعة بأحكام بالسجن على قادة الحركة الانفصالية لما سموه "تحدياً للسلطة المركزية في مدريد"، وفقاً لما أبرزته "ال باييس"، اليوم الأربعاء.

وبالنسبة للاشتراكي سانشيز، فإنه يرى إمكانية أفضل للتعاطي مع أزمة إقليم كتالونيا، التي شهدت الأسبوع الماضي تحركات في الشارع، من دون الاعتماد على القاعدة البرلمانية للشعبوية اليسارية ممثلة في "بوديموس".


وبرز الخلاف أيضاً بالنسبة للعلاقة مع الاتحاد الأوروبي، خصوصاً أثناء محادثات البحث عن رئيس/ة جديد/ة للمفوضية الأوروبية، حيث وجد سانشيز صراعاً في الحديقة الخلفية في برلمان بلده بسبب مواقف متعنتة من قبل "بوديموس".

والمفارقة التي يسجلها المراقبون أن حزباً يدعي أنه في معسكر اليسار، بوديموس، يلتقي في مواقفه من الاتحاد مع أقصى اليمين القومي المتعصب، وشعبويين في القارة، بإظهار مواقف رافضة للتعاون معه، في وقت تحتاج فيه إسبانيا للعودة الفعالة للعب دور في هذا التجمع، إن لناحية الواقع الاقتصادي الصعب أو في قصة تدفق المهاجرين.

في السياق العام لقراءة الأزمة في السياسة الإسبانية، انتخابات متكررة وانقسامات حزبية عميقة، يراها كثيرون "انعكاسا لأزمة جيل سياسي تقليدي في أوروبا". وتضيف إليه الصحف الإسبانية قائلة إن "الصراع يبدو اليوم على تحميل الأطراف بعضها بعضاً مسؤولية الفشل في تشكيل حكومة".

وتنقل، صباح اليوم الأربعاء، بعض المواقع الإسبانية عن سياسيين إسبان، منهم رئيس حزب "المواطنين"، ألبرت ريفيرا، امتعاضهم من اختيار الذهاب إلى انتخابات مبكرة.

واعتبر ريفيرا أنه "لايزال هناك وقت لمنع البلد من التوجه لانتخابات مبكرة، ويمكن لسانشيز الاستمرار في المحاولة حتى صباح 24 سبتمبر".

وتتخوف الأحزاب من أن سانشيز اختار الذهاب إلى انتخابات مبكرة "لأن الاستطلاعات في مصلحته".

ووفقاً لاستطلاع "ال موندو"، فإن الحزب الاشتراكي الإسباني، الذي يحكم منذ يونيو/حزيران 2018، يمكن أن يحصل في الانتخابات المبكرة المقبلة على 145 مقعداً من أصل 350، وهو ما سيعتبر اكتساحاً بنحو 22 مقعداً إضافياً عن الانتخابات السابقة في إبريل/نيسان الماضي.

ذات صلة

الصورة

مجتمع

من يكون خوسيه أندريس، الطاهي الذي يقف وراء وصول أول سفينة مساعدات محملة بالمواد الغذائية من قبرص إلى قطاع غزة الذي يئن تحت وطأة المجاعة..
الصورة

سياسة

أعلنت رئيسة بلدية برشلونة، أدا كولاو، قطع العلاقات الرسمية للمدينة مع الاحتلال الإسرائيلي، متهمة إياها بارتكاب "جريمة الفصل العنصري بحق الشعب الفلسطيني".
الصورة
القمة المغربية الإسبانية (العربي الجديد)

سياسة

أبدى رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش، اليوم الخميس، ارتياح بلاده لموقف إسبانيا من قضية الصحراء، المساند للمبادرة المغربية للحكم الذاتي، المقدمة من طرف الرباط سنة 2007، واعتبارها "الأساس الأكثر جدية، والأكثر واقعية، وذات مصداقية" لحل الملف.
الصورة
إسبانيا (بيار ـ فيليب ماركو/ فرانس برس)

مجتمع

كشف وزير الداخلية الإسباني فرناندو غراندي مارلاسكا عن زيادة "مخيفة" في العنف ضد المرأة، إذ سُجّل، خلال ديسمبر/كانون الأول الجاري، مقتل تسع نساء، معظمهنّ بفعل جرائم ارتكبها شركاؤهن، ما جعل حصيلة الشهر الجاري الأعلى هذه السنة.