حرب ترامب على أوباما: تنافس انتخابي على التركة الأثقل

حرب ترامب على أوباما: تنافس انتخابي على التركة الأثقل

16 مايو 2020
يتحضر أوباما لحملتي الرئاسة وانتخابات الكونغرس (ِشيب سوموديفيلا/Getty)
+ الخط -
يعود الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مرة أخرى، إلى تقمص شخصية جوزيف ماكارثي، أحد السياسيين الجمهوريين المفضلين لديه، واعتماد نصيحة مستشار الأخير، روي كوهن، الذي عرفه ترامب للمرة الأولى عام 1973: "مهما حصل، ومهما حُشِرت في الزاوية، لا تستسلم، وادّعِ النصر". بنى ماكارثي صعوده في واشنطن، في منتصف القرن الماضي، من شخصية سياسية تعيش في الظلّ بولاية ويسكونسن، إلى أحد رجال السياسية الأميركيين الأكثر تأثيراً خلال تلك المرحلة، على نظريات مؤامرة غذّاها "الهلع الأحمر" من غزو شيوعي، أثبتت عدم مصداقيتها لاحقاً. ولطالما نصح ترامب بـ"دراسة ماكارثي"، بعدما وصل الرئيس الـ45 للولايات المتحدة إلى البيت الأبيض، خصوصاً، عبر حملةٍ "ماكارثية"، عنوانها دبّ الهلع من تركة سلفه باراك أوباما، ما أسّس لحالة انقسام عميق لا تزال متواصلة في البلاد. الأسبوع الماضي، كتب مستشار أوباما السابق، بن رودس، في تغريدة على "تويتر"، أن "تركيز ترامب، واتهاماته، التي تفتقد إلى أي حقيقة، على أوباما، منذ تشكيكه بمكان ولادته، وأميركيته، أمرٌ غبي للغاية، لدرجة أنه قد يصبح مُضحكاً، لو لم يكن بهذه التراجيدية".

مناسبة تغريدة بن رودس، واستعادة الماكارثية، الحرب المستجدة التي شنّها أخيراً، دونالد ترامب، على سلفه في البيت الأبيض، بناءً على فضيحةٍ غير محددة المعالم، وغير مفهومة، أطلق عليها اسم "أوباما غيت"، ويروج لها الرئيس، مسنوداً من أعضاءٍ جمهوريين في مجلس الشيوخ، في محاولةٍ لنبش ملفات التحقيق بالتدخل الروسي في انتخابات الرئاسة لعام 2016، وتظهير "مؤامرة" حاكها الرئيس الأميركي السابق ومعاونوه، مع وجوهٍ من المجتمع الاستخباري، نهاية ذلك العام وبداية عام 2017، للكشف عن اسم مايكل فلين، الذي شغل لفترة قصيرة منصب مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض في عهد ترامب، وتورطه في الاتصال بالروس.

لكن "أوباما غيت"، ترتبط خصوصاً بالوضع الذي يُخيّم على الحملة الانتخابية لترامب، مع تراجع الاقتصاد في الولايات المتحدة، واستمرار ارتفاع أعداد الضحايا جرّاء تفشي فيروس كورونا. ويسعى الرئيس، الذي وصل به الأمر حدّ المطالبة باستدعاء أوباما إلى الكونغرس لاستجوابه، كذلك، إلى رمي التهمة بالتقصير الحكومي حول كورونا، على "تركة أوباما"، ونائبه السابق جو بايدن، المرشح الديمقراطي للرئاسة الأميركية، والذي سيحصل على الأرجح على ترشيح حزبه لخوض السباق الرئاسي ضد الرئيس الجمهوري. وفي كلّ مرة يجري سؤاله حول أسباب التقصير في مواجهة الوباء، يرفع ترامب ما يُسّميه "ورقة أوباما - بايدن"، متهماً الرجلين بأنهما وضعا عوائق تنظيمية لمواجهة الأوبئة، أدّت إلى الحالة التي وصلت إليها البلاد.


وفيما يرمز "إرث أوباما" إلى سلّة متكاملة من الإنجازات التي سعى ترامب للقضاء عليها منذ وصوله إلى البيت الأبيض، إرضاءً خصوصاً لقاعدة شعبية "بيضاء"، معادية للرئيس السابق، وتتهمه بتفضيل الأقليات والسود، يحمل الموسم الانتخابي الرئاسي الحالي، في المقابل، عودة قوية للرئيس الأميركي الـ44، الذي كان اختار لأكثر من ثلاث سنوات منذ مغادرته البيت الأبيض، الانكفاء والصمت السياسي. ويسعى أوباما إلى خطاب أكثر شمولاً، محذراً من عهدة ترامب، على مستوى البلاد. وبعد أسبوعٍ حافل بالتصريحات والتصريحات المضادة، بين الرئيسين الحالي والسابق، من المتوقع أن يلقي الأخير اليوم السبت كلمةً "افتراضية" أمام الآلاف من مناصريه، قد لا يذكر فيها ترامب أو بايدن بالاسم، لكنها قد تعلن نهاية رسمية لمرحلة صمته، ودخوله بقوة كعرّاب أساسي لحملة بايدن الرئاسية. وقالت كاتي هيل، المتحدثة باسم أوباما، كما نقلت عنها صحيفة "واشنطن بوست"، إن الرئيس السابق "ينتظر بفارغ الصبر بدء الحملة بشكلٍ قوي هذا العام لصالح بايدن. إنها حملةٌ مهمة للجميع".   

ويشكل دخول باراك أوباما إلى حلبة الصراع السياسي في الولايات المتحدة، مجدداً، من الباب العريض، ضرورةً للمرشح الرئاسي جو بايدن، الذي تخسر حملته الزخم المطلوب، لا سيما في ظلّ أزمة كورونا، وافتقاده إلى الكاريزما الضرورية في مواجهة شعبوية ترامب. في المقابل، تأتي هذه العودة كطبقٍ من فضّة لترامب، محاولاً استعادة تجييش قاعدته ضد الرئيس السابق، وإعادة تصوير نفسه كضحية لمؤامرة ديمقراطية يقودها سلفه.

وتنقسم حملة ترامب ضد أوباما إلى شقّين. يرتبط الشق الأول بمحاولته إلقاء اللوم على إدارة الأخير، في أنها جعلت الإدارة الحالية غير مجهزة لمواجهة الوباء، عبر الادعاء بخلقها حواجز تنظيمية أبطأت إنتاج اختبارات الفحص. ولمّح حلفاء ترامب في الكونغرس، بمن فيهم رئيس الأكثرية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل، إلى أن إدارة أوباما أخفقت في وضع خطةٍ للأوبئة، بينما كانت تلك الإدارة قد أخرجت في الواقع "كتاب إرشادات" من 69 صفحة، يتناول القواعد الأساسية حول كيفية التعامل مع الاختبارات وتمويل الأجهزة الواقية وإدارة الطوارئ. ولم يرد أوباما علناً على اتهامات ترامب والجمهوريين، لكنه وصف يوم السبت الماضي في مؤتمر افتراضي مع حوالي ثلاثة آلاف عضوٍ سابق في إدارته، قيادة ترامب للحرب ضد الوباء، بـ"الفوضى الكارثية". وحثّ الرئيس السابق شبكته على دعم بايدن، فيما رأى مراقبون أن كلمته كان الهدف منها تسريبها للإعلام (سرّبتها أخبار ياهو).

ويتمحور الشق الثاني من حرب ترامب ــ أوباما، حول قضية التحقيق بالتدخل الروسي في انتخابات الرئاسة عام 2016. وكانت وزارة العدل الأميركية قد أسقطت في الثامن من شهر مايو/ أيار الحالي، التهم الموجهة إلى مايكل فلين، مستشار ترامب السابق للأمن القومي، بالكذب على مكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) بشأن اتصالاته بروسيا، ما اعتبر نصراً كبيراً لترامب. وفي ذلك، رأى أوباما في كلمته التي جرى تسريبها، أن الخطوة "تثير القلق على وضع القانون والعدالة في البلاد". واستدعى كلام الرئيس السابق ردّاً مضاداً من ماكونيل، الذي اعتبر أنه كان الأجدى بأوباما "أن يبقي فمه مغلقاً"، وأن يحذو حذو عائلة بوش، التي أسست لقاعدة عدم انتقاد رؤساء أميركيين سابقين لأي رئيس في السلطة.

في اليوم التالي، أطلق ترامب عبر "تويتر" حملة على أوباما، صوّبت على ما سماه "أوباما غيت"، وهي حملة كانت قد وجدت جذورها لدى اليمين المتطرف، بأن أوباما وبايدن قادا جهوداً سابقة للتجسس على حملة ترامب في عام 2016، بهدف تقويض رئاسته المحتملة. ووصف ترامب "أوباما غيت" بأنها أسوأ من فضيحة "ووترغيت"، مردداً لازمة أن أوباما اقترف "جناية"، من دون تحديدها. ويوم الثلاثاء الماضي، نشر ترامب على "تويتر" صورة لبايدن وأوباما، وكتب معلقاً "هذان الاثنان.. جاسوسان بيننا". وقال نيد برايس، الذي خدم كمتحدثٍ سابق لمجلس الأمن القومي في عهد أوباما، لـ"واشنطن بوست"، إنه "لا أحد يعلم ما هي أوباما غيت، بمن فيهم ترامب نفسه. إنه هاشتاغ يبحث عن فضيحة، ولن يُجيّش سوى أولئك الذي يقفون بنسبة ألفٍ في المائة وراء ترامب". في اليوم التالي، احتدمت قضية فلين، حين كشف ثلاثة أعضاء جمهوريين في مجلس الشيوخ عن لائحة سرّية تضم أسماء مسؤولين أميركيين، بمن فيهم بايدن، سعوا للكشف سابقاً عن هوية فلين، وهي ممارسة استخبارية عادية، يحاول الجمهوريون وضعها في خانة الجريمة. وتضم اللائحة أسماء بايدن، ورئيس موظفي البيت الأبيض السابق دنيس ماكدونو، ومدير "أف بي آي" السابق جايمس كومي، والمدير السابق لـ"سي آي إيه" جون برينان، والمدير السابق للاستخبارات الوطنية جايمس كلابر. ولاحقاً، شنّت حملة ترامب هجوماً على بايدن، ملمحة إلى دور له في التحقيق باتصالات فلين بمسؤولين روس، ما يشير إلى أن إدارة ترامب تعيد استخدام المجتمع الاستخباري لنبش معلومات لدعم حملة الرئيس لإعادة انتخابه.

واستعر الجدل حول فلين، حين طلب القاضي الذي وجه إليه التهمة من قاضٍ فيدرالي سابق الاعتراض على قرار وزارة العدل بإسقاط التهم عنه. في هذه الأثناء، لا تزال وزارة العدل تقود تحقيقاً في جذور "التحقيق الروسي"، ودعا ترامب الخميس الماضي إلى "استدعاء أوباما" للتحقيق أمام المشرعين. من جهته، قال رئيس لجنة القضاء في الكونغرس، ليندسي غراهام، إن اللجنة فتحت بالفعل تحقيقاً واسعاً حول خلفيات "التحقيق الروسي"، لكنه رفض دعوة ترامب لاستدعاء رئيسٍ سابق للشهادة.

وتعليقاً على ذلك، رأى ستيف شميدت، وهو استراتيجي جمهوري سابق ومعارضٌ لترامب، أن الأخير "يسعى للتمويه (عن فشل مواجهة كورونا) وإلهاء قاعدته، بالعودة إلى مربع نظريات المؤامرة، التي تعيش في حمى شبكة فوكس نيوز وغيرها، حول اختلاق مؤامرة ضده. المؤامرات هي وقود الترامبية، ولذلك فإن أوباما سيلعب دوراً محورياً فيها".

في المقلب الآخر، اكتفى أوباما بالرد على الحملة الجمهورية ضده، بدعوة الأميركيين إلى "التصويت". لكن المعركة الرئاسية قد تكون فعلياً انطلقت، مع تحضر الرئيس السابق للدخول بزخم دعماً لحملة بايدن، والتي يبدو أن جزءاً مهماً منها سيجري داخل العالم الافتراضي، نظراً لظروف كورونا. وبحسب "واشنطن بوست"، فإن الـ146 تسجيلاً مصوراً التي وضعتها حملة بايدن على "يوتيوب" هذا العام، قد حصدت نحو 28 ألف مشاهدة، وبعضها وصل إلى 100 ألف، في حدّه الأقصى. أما فيديو أوباما الذي نشره الشهر الماضي، وأعلن فيه دعم بايدن، فقد حصد 1.9 مليون مشاهدة. وقال مساعدون لأوباما إنهم يتوقعون أن يبدأ الأخير بانتقاد ترامب، لكنهم استبعدوا أن يركز على أخطاء خلفه فقط. وبحسب رأيهم، فإن بايدن سيختار اسماً ليكون نائبه المحتمل، على أن يلعب دور المنتقد المنتظم لترامب، ما يجعل أوباما حرّاً للتركيز على تقديم رسالةٍ أكثر شمولاً.

ويبقى أوباما الوجه الأكثر شعبية حتى الآن داخل الحزب الديمقراطي، خصوصاً لدى القاعدة السوداء، والشباب، وتخصص حملة بايدن له دوراً كبيراً خلال الأشهر المقبلة، لا سيما لجذب المستقلين والجمهوريين المعتدلين الكارهين لترامب. وأظهر استطلاع أخير لجامعة "مونماوث" أن 57 في المائة من الأميركيين يبدون نظرة إيجابية لأوباما، منهم 92 في المائة من الديمقراطيين، و19 في المائة من الجمهوريين. ويقول نيد برايس، لوكالة "أسوشيتد برس"، إن الحزبين، الجمهوري والديقراطي، يستغلان "ماركة" أوباما، بما يعني أن حملتي الرئاسة ستجعلان من الماضي عنواناً للحملة الحالية والعهد المقبل. وأكد بايدن، الخميس الماضي، أنه إذا أصبح رئيساً للولايات المتحدة، فإنه لن يعفو عن ترامب، أو يستخدم سلطته لوقف التحقيقات حول الأخير ومساعديه.

ويتحضر الرئيس السابق أيضاً للدخول في حملة انتخابات مجلسي الشيوخ والنواب، وهو كان قد لعب دوراً في حملة الانتخابات النصفية عام 2018، لكنه آثر حينها عدم التهجم أو انتقاد ترامب مباشرة، ما أحبط عدداً كبيراً من الديمقراطيون، الذين يطالبونه بأن يكون أكثر انتقاداً لخلفه، وبشكل أكثر وضوحاً، وهو ما أكّد لمستشاريه بأنه سيفعله خلال حملة 2020.

قد يبدو المشهد في الولايات المتحدة سوريالياً. بحسب عبارات السيناتور ليندسي غراهام، "لدينا رئيسٌ حالي يتهم سلفه بتحضير مؤامرة ضد رئاسته، ورئيس سابق يتهم الرئيس الحالي بتقويض القانون. وكل ذلك، فيما يجتاح البلاد فيروسٌ قاتل". في المحصلة، تبدو المعركة الرئاسية في الولايات المتحدة وكأنها بحاجة إلى وقود لتغذيتها، وإعادتها إلى الواجهة الأمامية، بعدما همّشها كورونا. في ذلك، ومقارنة بمؤامرات الصين في نشر الفيروس، تبدو "مؤامرة" باراك أوباما، اليوم، أكثر نجاحاً.




 

 

 

 

المساهمون