تقارير غربية عن مستقبل الجزائر: ضغوط أم تهويل؟

تقارير غربية عن مستقبل الجزائر: ضغوط أم تهويل؟

13 فبراير 2017
أحد أحياء العاصمة الجزائرية (فرانس برس)
+ الخط -

كثُرت التقارير الغربية أخيراً المتعلقة باستشراف ملامح المرحلة السياسية المقبلة في الجزائر، طارحة تساؤلات عما إذا كانت الجزائر مقبلة على ثورة أو حالة فوضى. بعض هذه التقارير التي أصدرتها مراكز دراسات، مقرّبة من دوائر صناعة القرار العالمية، رسمت سيناريوهات عصيبة لمستقبل غامض للجزائر وتخوّف من تطورات لاحقة، بسبب غموض المشهد السياسي وغياب أدوات واضحة في إدارة الحكم وأزمة النفط وتراجع مداخيل البلاد، فضلاً عن انعدام الشفافية في المشهد الديمقراطي. لكن المؤسسة الرسمية في الجزائر التي أبدت انزعاجها الرسمي من هذه التقارير والسيناريوهات، اعتبرتها "تقارير غير مؤسسة على الواقع وبعيدة عن المعطى الداخلي"، فيما تتطابق وجهات نظر أطراف سياسية في الداخل الجزائري وتقارير محلية مع هذه التقارير، أو تعبّر على الأقلّ عن مخاوفها وشكوكها إزاء المراحل المقبلة.

في هذا السياق، نشر وزير الصناعة السابق، القيادي في حركة مجتمع السلم، عبد المجيد مناصرة، مقالات أخيرة في مواقع جزائرية، فصّل فيها التقارير الغربية، طارحاً السؤال حول هذه التوقعات الغربية بالنسبة للجزائر، وعن المؤشرات والوقائع التي تغذّي الوضع في شأن مستقبل الجزائر. وأقرّ في مقالاته بأن "الوضع في الجزائر تتوفر فيه كل المؤشرات التي إذا اجتمعت في بلد ما، أوجدت عدم استقرار وفوضى وانسداد الأفق السياسي ومنع التغيير الديمقراطي وتزوير الانتخابات للتمديد في عمر النظام، فضلاً عن الفراغ القيادي الذي تركه مرض الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وما ترتب عنه من ارتباكات في المشهد العام وبروز عجز بعض المسؤولين الحكوميين والحديث عن عهدة رئاسية خامسة قبل أوانها".

من جهته، رأى رئيس الهيئة الاستشارية لحقوق الانسان (هيئة تتبع الرئاسة)، فاروق قسنطيني، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "مشكلة هذه التقارير أنها مبنية على معطيات تنشرها الصحافة الجزائرية باستمرار، لكنه يعتقد أن هناك بعض التهويل في مضمونها، بسبب الانغلاق الإعلامي للمؤسسة الرسمية والدبلوماسية الجزائرية". ووجّه انتقادات حادة لوزارة الخارجية وسفراء الجزائر في العواصم الغربية، بسبب ما وصفه بـ "عدم انفتاحهم على الإعلام في الدول الغربية وتقديم التوضيحات اللازمة، في شأن حقائق الوضع في الجزائر".

بدوره، اعتبر الأستاذ في كلية العلوم السياسية عبد العالي رزاقي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "الانغلاق الإعلامي وصعوبة التواصل مع المؤسسة الرسمية في الجزائر، وعدم منح الفرصة للقنوات الأجنبية والأكاديميين الغربيين لزيارة الجزائر، يُبقي على هامش كبير من الغموض لدى الرؤية الغربية إزاء حقائق الواقع الجزائري".

لكن المحلل السياسي بوعلام غمراسة، أعلن عن عدم إيمانه بـ"فكرة وجود تقارير مؤامراتية ضد الجزائر"، واعتبر في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "الأمر لا يتعلق بالتخطيط لسيناريوهات مستقبلية تخصّ الوضع في الجزائر بقدر ما هو استنتاجات مبنية على معطيات الداخل الجزائري". وأضاف "أنا في العموم لا أؤمن بوجود سيناريوهات يتم إعدادها مستقبلاً ضد الجزائر، برأيي التقارير التي تتحدث عن الاضطرابات، تعكس واقعاً حقيقياً في الجزائر. ومن الطبيعي أن نتوقع اضطرابات في المستقبل، إذا كانت الدولة عاجزة عن تلبية ضرورات العيش، وشحّ الموارد المالية حالياً، سيتمخض عنه لا محالة غضب شعبي في المستقبل".



لكن الحكومة الجزائرية لا تنظر بعين الرضى إلى سلسلة التقارير الغربية، التي تثير شكوكاً حول المستقبل السياسي للجزائر، وعبّرت عن قلقها من هذه التقارير. وقد وصفت الخارجية الجزائرية في آخر بيان لها، قبل أيام، هذه التقارير بأنها "قائمة على تكهنات وصور نمطية مرسلة بكثرة لتزييف الواقع الحالي، فضلاً عن تقييمات مغرضة حول الوضع في الجزائر وآفاقه".

وأضافت الخارجية الجزائرية أنه "مهما كان مصدر هذه التقارير، سواء فرنسا أو الولايات المتحدة أو بلد آخر، ومهما كان طابعها علمياً، فإن هذا النوع من التقارير بعيد عن الواقع، ويتضمن التنكر للمواصفات الإيجابية والاستثنائية التي تتميز بها الجزائر، لناحية الإنجازات الوطنية الملموسة أو الإسهامات الأكيدة في إحلال السلم والأمن الدوليين".

وفي وقت سابق كان المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الجزائرية عبد العزيز بن علي شريف، قد عبّر عن "انزعاج الحكومة الجزائرية من التقارير الغربية بشأن الوضع في الجزائر". وقال إن "هذه التقارير لا تساير واقع الأمن والاستقرار الذي تعيشه الجزائر منذ سنوات، والبناء على أحداث وقعت منذ سنوات من أجل محاولة تبرير استنتاجات معدة سلفاً، ينمّ عن سلوك متردد". وتابع قائلاً إن "تهويل الأحداث والمخاوف الظرفية لبعض الشركاء الدوليين، لا يمكن أن تكون مبرراً لهذا السلوك المؤسف في التنكّر لمقتضيات علاقات مستقرة وذات مصالح مشتركة". وأشار إلى أنه "هناك تشابه غريب للمعطيات الخاطئة والأفكار النمطية التي استنسختها البلدان الغربية، وهذا يدفع إلى الاعتقاد بأن تفكيراً بيروقراطياً روتينياً، تغلب على اعتبارات الموضوعية والنزاهة والحقيقة". وتطرقت وزارة الخارجية إلى ما سمّته "طريقة تعاطي وسائل الإعلام الجزائرية مع هذه التقارير"، فأبدت الخارجية انزعاجها من "إعادة نشر الصحف الجزائرية لمضمون هذه التقارير".

المساهمون