نصائح إسرائيلية لترامب: تخلَّ عن حلم إعادة توحيد سورية

نصائح إسرائيلية لترامب: تخلَّ عن حلم إعادة توحيد سورية

16 ديسمبر 2016
طالب يعالون ترامب بوضع خطوط حمراء لتركيا(سول لوب/فرانس برس)
+ الخط -
يرسم وزير الأمن الإسرائيلي السابق، موشيه يعالون، الباحث في مركز أبحاث الأمن القومي، في تقدير موقف للمركز، صورة قاتمة وسلبية لكل ما يتعلق بمكانة وهيبة الولايات المتحدة الأميركية عالمياً وإقليمياً، كتحصيل حاصل لسياسة عدم المواجهة، والسلبية التي اتبعتها إدارة الرئيس باراك أوباما في السنوات الخمس الأخيرة. وتجلت، بحسب يعالون، بعدة محطات أكدت عدم مصداقية الولايات المتحدة: فإدارة أوباما أثبتت مع اندلاع ثورات الربيع العربي، مثلاً، عدم ولاء تجاه حلفائها في المنطقة (كما في حالة الرئيس المصري المخلوع، حسني مبارك، وفي اعتبارها لإيران جزءاً من الحل، وبالتالي التنسيق معها والحوار وصولاً إلى الاتفاق النووي). ومن ثم زادت من الجفاء بين هذه الدول الصديقة لدرجة اضطرت معها (دول الخليج) مثلاً إلى طرق باب روسيا أكثر من مرة في العامين الماضيين، بدلاً من القيام بزيارات رسمية إلى واشنطن، وصولاً إلى طلب دول مثل السعودية والكويت والإمارات شراء طائرات "رافال" الحربية الفرنسية الصنع.

وسعى يعالون من خلال هذه الصورة القاتمة، التي تبين تراجع الدور الأميركي مقابل صعود نجم روسيا كلاعب على الساحة الدولية وإيران كلاعب إقليمي مع الإشارة إلى خروج تركيا عن خط حلف شمال الأطلسي، إلى التمهيد لمطالبة و"نصح" إدارة الرئيس الأميركي الجديد، دونالد ترامب، باتخاذ خط مغاير كلياً، إن لم يكن معاكساً لدبلوماسية أوباما، من دون أن يشمل في نصائحه، ولو حتى بكلمة واحدة، الموقف الأميركي المنشود من إسرائيل، ربما بفعل القناعة، التي يبدو أنها راسخة في تل أبيب، من مناصرة إدارة ترامب كلياً لإسرائيل. وأول ما يقترحه يعالون في سياق استعادة الولايات المتحدة لهيبتها وأدوارها الإقليمية والدولية، هو في مواصلة الحرب الحازمة ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، من خلال تزعّم أميركا للتحالف الدولي ضد "داعش" سعياً لهزمه بشكل كامل في العراق وسورية وشبه جزيرة سيناء، وباقي نقاط انتشاره، بما فيها ليبيا، من خلال تقديم المساعدات مثلاً للأكراد في العراق، والتنظيمات السنية غير الجهادية الأخرى المستعدة للقتال ضد التنظيم.

وفي المرتبة الثانية من حيث الأهمية، وبما يتلاءم مع سياسة إسرائيل تحت قيادة بنيامين نتنياهو (رغم أنه لا يشير إلى ذلك إطلاقاً)، يرى يعالون أنه يتعيّن على الإدارة الأميركية المقبلة تغيير سياستها الحالية تجاه طهران، باعتبار إيران العامل الأكثر تهديداً للاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وبالتالي يجب وقف التعامل معها باعتبارها عاملاً مسانداً للاستقرار، لأن إيران، خلافاً لموقف إدارة أوباما، ليست جزءاً من الحل بل هي لب المشكلة. وفي هذا السياق، يقترح يعالون وجوب تفعيل ضغط سياسي واقتصادي على إيران، على ضوء انتهاكها لقرارات مجلس الأمن الدولي الخاصة بمنع انتشار الأسلحة، ومواصلة إيران تطوير مشروعها الصاروخي، وبفعل نشاطها في اليمن والسعودية وسورية والعراق ولبنان والبحرين، إلى جانب دورها على الساحة الفلسطينية، ناهيك عن انتهاك الدولة الإيرانية لحقوق مواطنيها. وفوق هذا كله، وفي المقدمة يعتبر يعالون (تحقيقاً للمصالح الإسرائيلية، من دون أن يأتي على ذكرها) أن على الإدارة المقبلة أن تعمل فوراً لمنع إيران من حيازة وتطوير قدرات نووية عسكرية. ويدعي أنه حتى لو التزمت إيران بنصوص الاتفاق الدولي معها بشأن النووي، فإنها ستكون قادرة على تطوير سلاح نووي خلال أقل من 10 سنوات. وهو يرى أن تغيير الموقف من إيران سيساهم في تعزيز العلاقة واستعادة الثقة بين واشنطن والدول السنية التي اهتزت ثقتها بواشنطن، وهي الدول التي وصفها يعالون بأنها دول الشراكة الطبيعية مع أميركا.

وفي الدرجة الثالثة من التغييرات، أو النصائح الموجهة إلى واشنطن، تتبوأ تركيا، تحت رئاسة الرئيس رجب طيب أردوغان، أهمية كبيرة، إذ يرى يعالون أن الأخير استغل تراجع مكانة ودور الولايات المتحدة في الأعوام الأخيرة، إلى حد "التجرؤ" على العمل خلافاً لمصالح الدول الغربية عموماً، والمصالح الأميركية خصوصاً. ويطلب يعالون، في هذا المضمار، وجوب قيام إدارة ترامب المقبلة بتوضيح الخطوط الأميركية الحمراء، والتزام أنقرة بعدم تجاوزها، مع التحذير من أن تجاوز هذه الخطوط سيعني المس بالمصالح الأميركية. ويقترح أن يتم السعي إلى توافق مع أنقرة لوقف حركة الهجرة والنزوح من الدول الإسلامية عبر تركيا إلى أوروبا، أولاً، ووقف الهجمات التركية على معاقل الأكراد، ووقف استضافة تركيا للقيادة العسكرية لحركة حماس في إسطنبول. ومن شأن إنجاز كل هذا أن يترك أثراً إيجابياً على مكانة الولايات المتحدة في الحلبة الدولية، من خلال ضبط تركيا وهز علاقاتها المتحسنة أخيراً مع روسيا، ما يسهم أيضاً في ضرب الهيمنة الروسية المتزايدة في المنطقة.

وتكتسب العلاقة مع موسكو، والموقف منها، حيزاً في النصائح الإسرائيلية التي يوردها يعالون، إذ يرى أن على إدارة ترامب أن تغيّر من سياستها تجاه روسيا كلياً، من خلال اعتماد سياسة أكثر صلابة وتشدداً في كل ما يتعلق بقصف المدنيين السوريين من دون تمييز، وأيضاً في كل ما يتعلق باستهداف روسيا للتنظيمات المعارضة للنظام السوري. وهو يرى أنه يمكن التوصل إلى توافق أميركي روسي بشأن مستقبل ما يطلق عليه يعالون "علويستان" السورية، حيث تتركز غالبية المصالح الروسية في سورية، أي ما يعرف بـ"سورية المفيدة"، إضافة إلى بلورة آلية تنسيق مشتركة مع روسيا في المنطقة. أما النقطة الأخيرة التي يقترح فيها يعالون تغييراً في الموقف الأميركي، فهي موقف واشنطن الكلي من الملف السوري، بحيث يرى أن على الولايات المتحدة أن تتخلى عن حلم "إعادة توحيد الأراضي السورية" وتسويق حقيقة أن سورية تفسخت وتقسمت إلى مناطق إثنية وطائفية: علويستان، كردستان، ودروزستان. وهو يرى أنه بعد الانتصار على "داعش"، ستكون هناك حاجة لتكريس قيادة أو قيادات سنية في المناطق ذات الغالبية السنية.

غني عن القول إنه وعلى الرغم من أن يعالون لا يأتي في نصائحه التي نشرت في موقع مركز أبحاث الأمن القومي، على ذكر إسرائيل، فإن قراءة هذه الورقة والنصائح تبيّن أنها تعكس عملياً المطامع الإسرائيلية والتوقعات الإسرائيلية من إدارة ترامب. ويهدف إغفال الموضوع الفلسطيني إلى تعزيز السياسة الإسرائيلية المعلنة، التي تدعي أن هناك نزاعات وبؤر قتال أشد وأكثر خطراً على السلم الإقليمي من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وهي التي ينبغي التعامل معها أولاً. كما أن هذا الموقف ينسجم كلياً مع موقف يعالون نفسه، الذي أثار، خلال العام 2015 ومطلع العام الحالي عندما كان لا يزال وزيراً للأمن، أكثر من أزمة في العلاقات مع إدارة أوباما، وصلت حد اتهامه وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، بأنه مصاب بمس التوصل إلى اتفاق تسوية بين إسرائيل والفلسطينيين.