علاء محاجنة لـ"العربي الجديد": هكذا اخترعت إسرائيل "أراضي الدولة"

علاء محاجنة لـ"العربي الجديد": هكذا اخترعت إسرائيل "أراضي الدولة"

16 نوفمبر 2016
استغلت إسرائيل الموافقة الفلسطينية حول تأجيل ملف الاستيطان(العربي الجديد)
+ الخط -

في مكتبه في القدس المحتلة، يواظب المحامي والناشط السياسي الفلسطيني علاء محاجنة، على تمثيل مئات الفلسطينيين في ملفات مختلفة في وجه محاكم الاحتلال الإسرائيلي، ومن ضمن ذلك ملفات الأراضي المصادرة بحجج مختلفة وتحت تسميات غريبة ابتدعها الاحتلال لتبرير سرقة الأراضي وتشريع الاستيطان الذي يُحرّمه القانون الدولي كلياً ويعتبره جريمة حرب.
أحد أشد التسميات خطورة، كما يقول محاجنة في حديث لـ"العربي الجديد"، هو تسمية "أراضي دولة"، شارحاً أصول هذا الاسم وكيف قام الاحتلال بالنبش في التاريخ ليستخرج قانون الأراضي العثماني من عام 1857 وتشويه القانون وبنوده بما يتلاءم مع أغراض الاستيطان، وبما يضمن، ولو ظاهرياً، غطاء قانونياً وستاراً إعلامياً أمام الرأي العالمي والمحلي يمكّنه من تبرير الاستيطان.
يميّز محاجنة بين فترتين في النشاط الاستيطاني الإسرائيلي في الأراضي المحتلة، وضمنها في القدس المحتلة. في المرحلة الأولى التي أعقبت الاحتلال مباشرة، كانت حركة الاستيطان الإسرائيلي ضعيفة للغاية وتمثّلت بإقامة مستوطنات معدودة في إطار مصادرة أراضٍ بأوامر عسكرية لأغراض عسكرية، على اعتبار أن هذا الأمر كان متاحاً وفق أعراف القانون الدولي الإنساني، الذي يمنع القوة المحتلة من أي نشاط يتم بموجبه جلب سكان ومواطنين من أراضيها وتوطينهم في الأراضي التي قامت باحتلالها، وبالتالي فإن حركات الاستيطان الأولى تمحورت بداية في محيط وحول القواعد والثكنات العسكرية. وظلت هذه المرحلة نافذة إلى أن قررت الحكومة الإسرائيلية إقامة أول مستوطنة مدنية لغير الأغراض العسكرية وبشكل دائم، على أراضٍ صادرتها من سكان قرية الرجيب شرقي نابلس وإقامة مستوطنة معاليه أدوميم.
ويضيف أن حكومة الاحتلال ظنت أن بمقدورها بناء المستوطنات بشكل حر من دون أية قيود، حتى توجّه سكان الرجيب وأصحاب الأراضي للمحكمة الإسرائيلية. لكنه يلفت إلى أن قضية معاليه أدوميم شكّلت نقطة فاصلة لصالح المشروع الاستيطاني، خلافاً لما يتوهم كثيرون، فمع أن المحكمة في قرارها الصادر في 22 أكتوبر/تشرين الأول من عام 1979 أمرت بإزالة المستوطنة، إلا أنها فتحت الباب وأشارت إلى "طريق صحيح ومنفذ قانوني" (بحسب وجهة النظر الإسرائيلية لنصوص القوانين الدولية) من خلال تحديد عدم جواز الاستيطان على أراضٍ بملكية خاصة، مقابل جواز الاستيطان إذا كان على أراضي دولة أو أرضٍ عامة.
من هنا يرى محاجنة أن تعليق رئيس الحكومة الإسرائيلية حينها مناحيم بيغن، على قرار المحكمة، بعبارة "يوجد قضاة في إسرائيل"، كان خلافاً لما يفسره البعض، إشادة بنصيحة القضاة للدولة في كيفية تكريس مسار المصادرة والاستيطان، من دون أن تُعرّض نفسها لطائلة المحكمة الدولية في حال أقدمت على مصادرة أملاك خاصة.
ويضيف محاجنة: "عقدت الحكومة الإسرائيلية بمختلف أذرعها جلسات مكثفة بغية إيجاد سبيل يسمح لها بالاستيطان بصورة تجنّبها عقوبات دولية أو عوائق قضائية، وجاء الفرج من المستشارة القضائية للإدارة المدنية، ليئا إلبيك، التي استخرجت قانون الأراضي العثماني من عام 1857، وقامت بتفسير نصوصه بما يلائم الاحتياجات الإسرائيلية وخلافاً للفهم العثماني والهدف الأصلي من القانون". ويشرح أن القانون العثماني قسّم الأراضي وفق تصنيفات هدفها الأساسي تحديد قيمة وحجم الضريبة المطلوبة من أصحاب الأراضي بحسب تصنيفها، وهكذا حدد وجود أراضي المشاع والموات والأراضي الميرية (وبالأصل الأميرية)، ونصّ على أنه في حال لم يقم صاحب الأرض بفلاحة الأرض واستعمالها، تصبح أرضه أميرية، بمعنى أنها لا تدفع الضرائب، ولا يكون له حق التصرف فيها إلا في حال عودته لفلاحتها، لكن هذا التصنيف لا يعني أن الأرض باتت مملوكة للسلطان والدولة، ويحق للدولة التصرف فيها.
ويشير إلى أن إسرائيل أخذت تعريف "أرض ميرية" وحوّلته مباشرة إلى مسمى أراضي دولة، ثم قامت بعملية تصوير جوي لكافة أراضي الضفة الغربية لتحديد أراضي "الميري" كأراضي دولة بالاعتماد على نوع الزراعة فيها، إذ لا يعترف الاحتلال بالزراعة الموسمية كزارعة وفلاحة للأرض، بل فقط بالقطع المزروعة بالكروم والأشجار. ويلفت إلى أنه بهذه الطريقة تمكّنت حكومة الاحتلال من مصادرة أكثر من مليون ونصف مليون دونم من الأراضي الفلسطينية لتحوّلها إلى أراضي دولة، التي هي أصلاً أراضٍ خاصة، لكن لم يتمكّن الفلسطينيون في سنوات الاحتلال الأولى من الاعتراض لأسباب مختلفة، منها مشاكل في إثبات ملكية الأراضي بفعل خلافات على التركة وما إلى ذلك.
ويوضح محاجنة أنه حتى بعد تسجيل هذه الأراضي كأراضي دولة، فإن إسرائيل واصلت تشويه نصوص القانون الدولي، وتصرفت بـ"أراضي الدولة" بشكل مخالف للقانون. فتعريف هذه الأراضي بأنها أراضي دولة، "لا يعطي إسرائيل الحق بأن تخصصها لصالح الاستيطان، لأن المفروض أن تُستخدم أراضي الدولة لصالح السكان الأصليين في المنطقة الجغرافية المحددة لا أن تخصصها للشخص الذي يسكن في تل أبيب وبيتح تكفا أو حتى من أوروبا، وهنا يتضح التعارض والتناقض بين هذه الممارسة وبين القانون الدولي"، وفق قوله.


المرحلة الثالثة التي يراها محاجنة مؤثرة في مسيرة الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي المحتلة، تأتي عملياً مع التوصل لاتفاق أوسلو وما نصّ عليه من تأجيل البت في مصير المستوطنات إلى ملفات الحل الدائم. ويقول إن هذا الاتفاق وتعبير الكتل الاستيطانية الذي بدأ يظهر في جولات المفاوضات المختلفة، وبشكل أكبر بعد رسالة الرئيس الأميركي جورج بوش لرئيس الحكومة الإسرائيلي السابق أرييل شارون عام 2004، أوحيا بوجود نوعين من الاستيطان في الضفة الغربية، كتل استيطانية شرعية، وأخرى غير شرعية، ولو في الخطاب السياسي لإسرائيل نفسها.
ووفق الناشط والمحامي الفلسطيني، ساهم هذا الأمر أيضاً في تكثيف حركة الاستيطان لجهة فرض وقائع على الأرض، خلافاً لنصوص اتفاق أوسلو التي أكدت أنه خلال المرحلة الانتقالية، يمتنع الطرفان عن فرض وقائع جديدة على الأرض، مشيراً إلى أن إسرائيل تجاهلت هذا الاستحقاق كلياً وزادت من أعداد المستوطنين في الضفة الغربية من نحو 100 ألف مستوطن عند توقيع مذكرة أوسلو، إلى أكثر من 500 ألف مستوطن اليوم بما في ذلك في القدس المحتلة.
وإذا كان هذا غير كافٍ، فإن للجانب الفلسطيني دوراً في هذا الملف، بحسب محاجنة، بفعل الحديث عن تبادل أراضٍ مقابل الاستيطان لغاية 1.5 في المائة من الأراضي، ما يعني قبولاً وتفاهمات فلسطينية ضمنية لبقاء 80 في المائة من المستوطنات بحجة أنها تقوم في كتل استيطانية، مع أنها في الواقع مستوطنات منفردة، لا يوجد بينها تواصل جغرافي، بل هي موزعة جغرافياً لمنع تواصل جغرافي فلسطيني. ويضيف محاجنة: "استغلت إسرائيل كل توافق أو تفاهم أو موافقة مع الجانب الفلسطيني بشأن تأجيل ملف الاستيطان للحل الدائم من أجل تعزيز مشروع الاستيطان".
ورداً على سؤال حول الهوس في مسألة سنّ قانون تسوية الاستيطان في مستوطنة عمونا، مع إصدار قرار تكريس الهدم للبيوت الثمانية في المستوطنة، يرى أنه يأتي بهدف إنقاذ أكثر من ثلاثة آلاف بيت للمستوطنين تقوم على أراضٍ خاصة في مستوطنات متفرقة، وللمقايضة أمام المحكمة العليا بين هذه البيوت مقابل إزالة البيوت المتنقلة في عمونا.
مع ذلك يعتبر محاجنة أن موقف المستشار القانوني للحكومة الإسرائيلية المعارض لقانون تسوية الاستيطان في عمونا، نابع من الخوف من تبعات هذا القانون على الساحة الدولية، فهو يتعارض حتى مع القانون الإسرائيلي الداخلي، والخوف من جلب إسرائيل في نهاية المطاف إلى المحكمة الجنائية الدولية لارتكابها جرائم حرب واعتبار المستوطنات جريمة حرب، على غرار القرار الذي أصدرته المحكمة الدولية في لاهاي بشأن الجدار الفاصل.
ويقر محاجنة أن المخاوف في إسرائيل لدى معارضي هذا القانون، من أن يفتح تشريعه في جلسة الكنيست المقررة اليوم الأربعاء ثم البدء بتطبيقه، باب جهنم على دولة الاحتلال، وجرها للمحكمة الدولية، لكنه يشير إلى أن ذلك يبقى رهينة الإرادة الفلسطينية وهل ستتوجه السلطة بشكل منهجي لرفع الملف للمحكمة الجنائية الدولية أم لا، وهل ستحتمي إسرائيل عندها بمقولة أن مصير المستوطنات سيحدد في المفاوضات النهائية، وبالتالي لا يمكن إصدار حكم قضائي بشأنها ما دامت ملفاً متروكاً للمفاوضات السياسية؟

المساهمون