أزمة "نداء تونس" من الانتخابات لجربة: وحدة الحزب مهددة

أزمة "نداء تونس" من الانتخابات لجربة: وحدة الحزب مهددة

19 أكتوبر 2015
لم يتمكن السبسي للآن من إنقاذ الحزب (أمين الأندلسي/الأناضول)
+ الخط -
تزداد المصاعب المحيطة بحزب "نداء تونس"، بعد نهاية أسبوع حافلة، كرّست الانقسام الداخلي بين أجنحة الحزب المتصارعة، إلى حدّ لم يتمكن معه، الرئيس المؤسس، رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي، من إنقاذ ما يُمكن إنقاذه في الحزب الفائز بالانتخابات التشريعية، العام الماضي، والذي مهّد فوزه لفوز السبسي بالذات برئاسة الجمهورية.

وعلى الرغم من تصريحات قيادات الحزب، التي حاولت التقليل من فشل الاجتماع الأخير الذي أشرف عليه السبسي، يوم الأربعاء الماضي، فإن ما تتالى من أحداث في الأيام الثلاثة الماضية، يدفع إلى الاستنتاج بأن كل طرف من أطراف الصراع داخل الحزب بقي متشبثاً بموقفه. وكان السبسي قد اجتمع مع الأمين العام لـ"نداء تونس"، محسن مرزوق، والقيادي فوزي اللومي، ونجله حافظ قائد السبسي، والرئيس الحالي للحزب، رئيس مجلس نواب الشعب، محمد الناصر، بالإضافة إلى المتحدث الرسمي باسم الحزب، بوجمعة الرميلي.

وفي اليوم التالي، أي الخميس، عقدت الكتلة البرلمانية اجتماعاً خاصاً بها، للتداول في شؤون الحزب وعلاقته بها. وعلمت "العربي الجديد" أن "اجتماع الكتلة كان صاخباً، وبلغ حدّ مطالبة أحد النواب من رئيس الحزب محمد الناصر، بوضع خارطة طريق خلال أسبوعين لإنقاذ الحزب أو تقديم استقالته، إذا لم ينجح في هذه المهمة".

وتنعكس صراعات الحزب بشكل لافت على الكتلة النيابية المكوّنة من 86 نائباً، وتطالب بعض القيادات القريبة من جناح مرزوق بتغيير رئيس الكتلة محمد عمران، لقربه من مدير الديوان الرئاسي الحالي، رضا بلحاج، وهو ما يُعارضه معظم النواب.

وكان بلحاج سابقاً من المحسوبين على التيار اليساري، لكنه عاد واقترب من المجموعة المحسوبة على حافظ قائد السبسي. وهو ما يُشكّل بالنسبة لمناوئيه انقلاباً يُمكن أن يُغيّر من المعادلة برمّتها داخل الحزب. حتى أن بعض قيادات "نداء تونس"، لا تخفي لـ"العربي الجديد"، رغبتها في تولّي بلحاج قيادة الحزب في الفترة المقبلة. 

اقرأ أيضاً: تونس .. مؤشرات مؤرقة

التغيير في موقف بلحاج، يرصده الجناح المنافس بكثير من الغضب، قياساً إلى حجم الرجل وقدرته الحقيقية على تغيير الموازين بشكل واضح، لذلك سارع بعضهم إلى توجيه اتهامات مباشرة له. ويتهم أحد مناصري مرزوق، الوزير المستقيل أخيراً، الأزهر العكرمي، بلحاج والسبسي الابن، بـ"الإعداد للانقلاب على القيادة الشرعية للنداء، عبر استغلال اسم رئيس الجمهورية".

ويرى العكرمي أن "بلحاج بصدد استغلال اسم رئيس الجمهورية، من أجل تحريض المنتسبين للنداء، تمهيداً لانقلابهم على السلطة الشرعية داخل الحركة، والعمل على تقسيم الحركة قبل المؤتمر الانتخابي". ويشير إلى أن "النداء يعيش تجاذبات حادة من طرفٍ يحاول استغلال اسم رئيس الجمهورية". ويضيف أن "بلحاج أصبح طرفاً في الصراع، وعملية التعبئة تجري على قدم وساق للانقلاب على نداء تونس وتفتيته". ويؤكد أن "النواب المنخرطين في الحزب والإطارات الجهوية، يتمّ الاتصال بهم باسم رئاسة الجمهورية، والقول لهم إن الرئيس يريد هذا ويقول هذا"، مشدداً أن "مدير الديوان الرئاسي يؤثر على المنتسبين للنداء".

وتُعتبر هذه التصريحات بمثابة "اتهامات خطيرة للغاية"، تعكس تطوّراً واضحاً في حدة الصراع داخل النداء، ويبدو أنه كان أحد الأسباب التي دفعت الرئيس السبسي إلى رفض دعوة تكريمه يوم الأحد 11 أكتوبر/تشرين الأول الحالي.

وبعد يومين عصيبين على "النداء"، شكّل يوم الجمعة يوماً صعباً للغاية في صراع النداء الحالي، إذ انعقد اجتماع المكتب السياسي للحزب صباحاً، معلناً عن تشكيل لجنة محايدة للإعداد للمؤتمر المقبل نهاية العام الحالي، يتعهّد أعضاؤها بعدم الترشح لأي منصب حزبي خلال المؤتمر. ومساء الجمعة، أُعلن عن انطلاق نشاط المؤسسة "البورقيبية للحوار"، التي أسستها قيادات في الحزب، وألقى خلالها بلحاج خطاباً باسم السبسي، في إشارة إلى انخراطه المباشر في الصراع الدائر.

ولم تقف الأمور عند هذا الحدّ، إذ يرى جناح مرزوق في اجتماع جربة، الذي انعقد، يومي السبت وأمس الأحد، بدعوة من حافظ قائد السبسي، بمثابة "نشاط خارج إطار الحزب، ومجرد لقاءٍ بين بعض مكوّناته". ويعتبر أنصار مرزوق أن "هذا الاجتماع الذي يجمع حافظ قائد السبسي بأعضاء المكتب التنفيذي وممثلين عن التنسيقيات الجهوية والمحلية وعدد كبير من النواب، بمثابة الانقلاب داخل الحزب".

من جهته، يقول أحد أعضاء "نداء تونس"، عبد المجيد الصحراوي، لـ"العربي الجديد"، إن "الدعوة إلى اجتماع جربة من طرف حافظ قائد السبسي، ومدعومة من بلحاج، محاولة للانقلاب على الحزب، واستمرارية للاجتماعات التي انعقدت سابقاً، في سوسة والقيروان، وكلها محاولات لضرب وحدة الحزب".

وزاد الطين بلة حضور بلحاج اجتماع جربة وقوله إن "الهيئة التأسيسية هي الممثل القانوني الوحيد للحزب وصاحبة القرار، وأن المكتب السياسي محدود الفاعلية وغير قادر على تسيير الحزب". ويشير إلى أن "اجتماع جربة يهدف إلى إنهاء حالة الضبابية"، مطالباً بـ"وضع حدٍّ للمواقف المتضاربة لقيادات الحزب، وإيقاف تجاوزات بعض القيادات". في إشارة إلى بعض مناصري مرزوق الذين انهالوا عليه بالاتهامات في الأيام الأخيرة.
وذكر حاضرون في اجتماع جربة لـ"العربي الجديد"، أن "الاجتماع يُشكّل ضربة قاضية لطموحات مرزوق، ومن معه في السيطرة على الحزب"، معتبرين أن "حضور حوالي ألف ممثل من الجهات مع عددٍ كبير من النواب والوزراء، يُعدّ دليلاً على أن القاعدة الشعبية للنداء حسمت دورها".

ويؤكد هؤلاء أن "هناك أطرافاً كانت تدفع يوم السبت في اتجاه الإعداد للمؤتمر بنفسها، وتدعو إلى تجميد نشاط الأزهر العكرمي، ومن معه، وحلّ المكتب التنفيذي، غير أنه جرى كبح هذا التوجه الحماسي، للمحافظة على وحدة الحزب".

ويرى الحاضرون أن "الخاسر الأكبر في هذه المرحلة، هو محمد الناصر بالإضافة إلى مرزوق، خصوصاً أنه اختار عدم حضور اجتماع جربة، علماً أن الرئيس السبسي كان قد دعا في اجتماع الأربعاء، إلى الإنصات للقواعد الجهوية والمحلية. ما يعني أن الناصر دقّ إسفيناً جديداً في علاقته مع السبسي الأب، ربما تكون له انعكاسات في المرحلة المقبلة".

اقرأ أيضاً: حزب المؤتمر في تونس ينتقد أداء الائتلاف الحاكم