بعد هجوم "داعش"... ما مصير الخطة الأمنية في ليبيا؟

بعد هجوم "داعش" في ليبيا... ما مصير الخطة الأمنية ومن عبث بها؟

26 ديسمبر 2018
التفجير يضعف موقف حكومة الوفاق (محمود تركية/ فرانس برس)
+ الخط -
لفت حادث تفجير مقر وزارة الخارجية وسط طرابلس، الأنظار إلى هشاشة خطة الترتيبات الأمنية التي أعلنت عن تنفيذها حكومة الوفاق، قبل شهرين، برعاية البعثة الأممية للدعم في ليبيا، وحقيقة خلخلة بعض المليشيات للمشهد وتسببها في "فوضى أمنية"، ما يعرقل تنفيذ الخطة الأمنية.

وكان تنظيم "داعش" قد أعلن، في الساعات الأولى من صباح اليوم، عن مسؤوليته عن حادث التفجير، متوعدا بشن المزيد من الهجمات، بعد ساعات من تنفيذه للهجوم الذي أودى بحياة ثلاثة من موظفي وحراسات الوزارة وجرح عدد آخر.
وخلال مؤتمر صحافي عقده وزير الداخلية فتحي باشاغا، رفقة وزير الخارجية محمد سيالة، في العاصمة طرابلس، كشف فيه عن استيائه الكبير من عدم قدرة الوزارة على تنفيذ الخطة الأمنية. بل ذهب أكثر عندما أكد أن أي شيء منها لم ينفّذ، فيما كانت المليشيات المسيطرة على العاصمة توالي بياناتها المستنكرة للهجوم، بمعزل عن الوزارة التي من المفترض أنها تتبعها.
ولاحظ متابعون أن وزير الداخلية استخدم في مؤتمره الصحافي كلمة "فوضى أمنية" أكثر من ثلاثين مرة في بضع دقائق، كاشفا عن إمكانيات الوزارة التي أكد أنها "صفر". وقال في هذا الصدد: "عندما استلمت الوزارة كانت ولا تزال مخازن سلاحها صفراً، والإمكانيات صفراً، ولذا كان تنفيذ الخطة الأمنية صفراً"، كاشفا عن تواصل مخابرات دولة عربية مع أبرز المليشيات في طرابلس، بشكل مباشر، لتنفيذ أجنداتها وعرقلة تنفيذ الخطة الأمنية.
تصريحات الوزير كانت محل جدل كبير، رغم بيانات حكومة الوفاق وتصريحات مسؤوليها التي توالت بعدها، للتأكيد على بدء تحقيق في الحادث، وأن وزارة الخارجية لا تزال قادرة على أداء مهامها، بل خرج وزير الخارجية ليؤكد أن حراسات الوزارة وفرق الأمن كان لها دور كبير في تقليل الخسائر وإفشال الهجوم، من خلال قتل انتحاري آخر كان يريد أن يفجر نفسه داخل الوزارة أيضا.
وكانت حكومة الوفاق قد أعلنت، نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عن انتهائها من وضع بند الترتيبات الأمنية في الاتفاق السياسي موضع التنفيذ في طرابلس، موعزة إلى وزارة الداخلية بدء تنفيذها، مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. وكان من أهم بنود الخطة الأمنية حل المليشيات وإدماجها في أجهزة الوزارة الشرطية والأمنية، واستلام مقارّها وأسلحتها.
تلك التطمينات من قبل الحكومة ومسؤوليها الآخرين لم توقف سيل الأسئلة لدى الرأي العام عن حقيقة الخطة الأمنية وقدرة الحكومة على فرضها.

ويؤكد المحلل السياسي الليبي، الجيلاني ازهيمة، أن الحادث كشف، بشكل جلي، عجز الحكومة واعترافها بعدم تمكّنها من إخضاع المليشيات، ونشر فرق دوريات نظامية تابعة لها في العاصمة.
وقال ازهيمة، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "تصريحات وزير الداخلية، التي أكد فيها أن الخطة الأمنية لم تنفذ، تتنافى مع الصور التي بثتها وسائل إعلام الحكومة وهي تظهر شرطة نظامية ودوريات وأسلحة وأفرادا يحملون شعار الوزارة". وأضاف متسائلا: "إذا كانت إمكانيات الوزارة صفرا، فمن هؤلاء الذين ظهروا في تلك الصور إذاً؟"، مشيرا إلى أن "الحكومة هي من كانت خاضعة لسلطة المليشيات وكانت تعمل على إعادة شرعنتها من خلال تلك الخطة الأمنية".
وتساءل "ماذا عن مصير السجون وقاعدة امعيتيقة والمقار العسكرية والحكومية التي وصل عددها إلى 13 مقرا، أعلنت الحكومة عن تسلّمها من المليشيات. والسؤال: لمن سلّمتها أم أبقتها خالية؟"، متابعا حديثه "بيانات تلك المليشيات التي أعقبت تصريح الوزير هي إعلان عن انفصالها عنه ومحاولة لرد اعتبارها، حيث اتهمها الوزير علنا بعرقلة خطة الترتيبات الأمنية، عندما قال الظاهر في طرابلس أمن نسبي، لكن الحقيقة سيطرة تشكيلات مسلحة".
وبيّن أن الوضع الأمني المقبل سيكون بمثابة عودة إعلان المليشيات لسيطرتها على مناطقها، وأن الوزير أعلن عن وفاة الخطة الأمنية، والرجوع إلى مربع الصفر بالنسبة للحكومة.

من جهته، ركز الناشط السياسي من بنغازي، جمال الأسود، على مضمون رسالة التفجير، متسائلا "هل التنظيم يعمل باستقلال، أم أنه على اتصال بأطراف يخدم مصلحتها؟ فقد شكل التفجير ضربة لحكومة الوفاق ومصداقيتها، في وقت أنّ رئيسها ومسؤوليها على أبواب الذهاب إلى مرحلة الانتخابات".
واعتبر أن التفجير يحمل دلالات أكثر من إضعاف موقف حكومة الوفاق، وقال "كان يمكن أن يفجر (داعش) أي مكان في طرابلس، لكن اعتداءه على الخارجية هو رسالة للدول التي كانت تعتزم إعادة فتح سفارتها، ومن بينها الولايات المتحدة، التي أعلنت قرب عودة بعثتها"، مشيرا إلى أن مثل هذه الرسالة تخدم طرفا سياسيا بعينه.
وقال الأسود "داخليا وخارجيا، تزعزع موقف حكومة الوفاق بشكل كبير، لكن الأكثر إثارة في الحدث هو تصريحات وزير الداخلية عن وجود فعلي لمخابرات دولة عربية تتصل بمليشيات لتنفيذ أجندتها"، موضحا أنه بلا شكك يعني دولة الإمارات.
وذكر الأسود أن "الإمارات هي الدولة الوحيدة الظاهرة بعلاقاتها بمليشيات ثوار طرابلس، التي يقودها هيثم التاجوري، الأكثر نفوذا وتوسعا في العاصمة"، مؤكدا أن التاجوري لم يعد يخفي تلك العلاقة، وقال "منذ أسبوعين، أعلن التاجوري من وسط طرابلس ومن داخل نادي الاتحاد الرياضي عن توقيع عقد مع شركة إماراتية لرعاية النادي. كما أنه أعلن عن رغبته في إشراف ذات الشركة على نادي الأهلي في بنغازي".




واستطرد بالقول "كل المتابعين يعلمون أن التاجوري هرب إلى الإمارات إبان حرب مليشيات اللواء السابع على طرابلس، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وعاد منها ليعلن عن وجوده في صلب خطة الترتيبات الأمنية، بل أشرف شخصيا على نشر دوريات مليشياته ضمن الخطة، كما أظهرته صور متداولة وقتها".

وقال الأسود "حصيلة الأحداث أعتقد أنها تصب في مصلحة طرف بعينه في ليبيا، وأعني اللواء المتقاعد خليفة حفتر، وأحلافه، رغم صعوبة إيجاد دلائل تربط علاقة حفتر بـ(داعش)".