ذريعة "النصرة" تسهّل طريق النظام وروسيا لحرق إدلب

ذريعة "النصرة" تسهّل طريق النظام وروسيا لحرق إدلب

10 اغسطس 2018
من منشورات النظام السوري في إدلب(عمر حج قدّور/فرانس برس)
+ الخط -
تتزايد رسائل النظام السوري ومن خلفه روسيا وإيران، بعمل عسكري في الشمال السوري، وتحديداً في محافظة إدلب، أكان عبر إرسال تعزيزات عسكرية إلى المنطقة، أو بقصف مواقع في المحافظة ومحيطها، وبإلقاء منشورات ورقية على قرى وبلدات في إدلب تدعوها إلى "المصالحة". هذه المؤشرات تترافق مع إعلان "هيئة تحرير الشام" (التي تشكّل جبهة النصرة عامودها الفقري) رفضها حل نفسها، موفرة ذريعة للنظام وحلفائه للقيام بعمل عسكري في الشمال، ليبقى مصير المحافظة مرتبطاً بشكل كبير بالتفاهمات الروسية التركية، خصوصاً أن إدلب تندرج ضمن اتفاق "خفض التصعيد" الذي توصلت إليه الدول الراعية لمحادثات أستانة (تركيا، روسيا، إيران) ونشرت بموجبه أنقرة نقاط مراقبة لها. وسيحضر هذا الملف في زيارة وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إلى العاصمة التركية أنقرة في 13 و14 أغسطس/آب الحالي، حيث يلتقي نظيره التركي مولود جاويش أوغلو.

وفي مؤشر جديد على استعداد النظام لمعركة إدلب، ألقت مروحيات تابعة له، أمس الخميس، منشورات ورقية على قرى وبلدات في ريفي إدلب الجنوبي والشرقي، دعت إلى "المصالحات المحلية". وكانت الفصائل العسكرية اعتقلت، في الأيام القليلة الماضية، أكثر من 100 شخص في ريفي حماة وإدلب، بتهمة الترويج للمصالحة مع النظام. كما تحدثت صحيفة "الوطن" التابعة للنظام، أمس، عن حشود وصفتها بـ"الضخمة" لقوات النظام و"القوات الرديفة" في ريف حماة الشمالي، استعداداً لمعركة إدلب. وفي إطار هذا الضغط العسكري والإعلامي على الشمال، قصفت قوات النظام، أمس، بقذائف الهاون والمدفعية الثقيلة مدينة اللطامنة، وقرية البويضة بريف حماة الشمالي المتاخم لريف إدلب الجنوبي، حيث تسيطر فصائل المعارضة على أجزاء واسعة من ريف حماة الشمالي. كما سقطت عدة قذائف على حيي حلب الجديدة والزهراء، في القسم الغربي من مدينة حلب الخاضعة لسيطرة قوات النظام، بالتزامن مع اشتباكات جرت على محور البحوث العلمية غرب حلب، بين الفصائل وقوات النظام.

وفي هذا السياق، قال المحلل العسكري العميد أحمد رحال، لـ"العربي الجديد"، إن النظام يواصل إرسال التعزيزات إلى الشمال السوري، حيث وصل رتل إيراني إلى منطقة الحاضر جنوب حلب، إضافة إلى وجود تحشيدات في الساحل وشرق حماة، بينما تحركت أرتال من الجنوب السوري باتجاه الشمال. ورأى أن إدلب والشمال السوري أمام استحقاقات كبيرة، معتبراً أن "هيئة تحرير الشام" هي مجرد ذريعة من الذرائع للهجوم على المنطقة التي يخطط النظام وحلفاؤه للسيطرة عليها، كما سيطروا على غيرها من المناطق والتي لم يكن فيها وجود للهيئة أو فيها وجود رمزي فقط.

واعتبر أن لدى تركيا الكثير من الأوراق لتضغط بها على روسيا، سواء في علاقتهما الثنائية في سورية، أم في الملفات الأخرى خارج القضية السوري، مشيراً إلى أن "إدلب هي جزء من تفاهمات أستانة، وتركيا لن تسمح على الأرجح بالإطاحة بهذه التفاهمات أو تهديد القوات التركية الموجودة في الشمال السوري، ومحاولة لعب ورقة "تحرير الشام" ضدها، خصوصاً مع عرض فصيل قسد خدماته على النظام للقتال إلى جانبه في إدلب".

لكن رحال شكك، في المقابل، في الوعود والتعهدات الروسية لتركيا، معتبراً أن روسيا قد تخلف بها إذا وجدت أن مصالحها في السيطرة على الشمال تفوق مصالحها في التنسيق مع تركيا. وشدد على أن إرادة القتال موجودة لدى فصائل إدلب، خلافاً لما حصل في درعا، معتبراً أن النظام غير قادر عسكرياً على دخول إدلب، إلا إذا حدثت اختراقات على غرار ما حصل في درعا، وهذا مستبعد، قائلاً إن إدلب تستطيع تجنيد نصف مليون مقاتل على الأقل.

مقابل ذلك، قال مستشار الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في سورية، يان إيغلاند، إن روسيا وتركيا وإيران أبلغت اجتماعاً لقوة مهام الشؤون الإنسانية في سورية، أمس الخميس، بأنها ستبذل ما في وسعها لتفادي معركة من شأنها تهديد ملايين المدنيين في محافظة إدلب. وقدر إيغلاند عدد السكان في المحافظة بنحو أربعة ملايين أو أكثر، وأبدى أمله في أن يتوصل المبعوثون الدبلوماسيون والعسكريون إلى اتفاق لتجنّب "إراقة الدماء". لكنه قال إن الأمم المتحدة تجري تحضيرات للمعركة المحتملة، وستطلب من تركيا إبقاء حدودها مفتوحة للسماح للمدنيين بالفرار إذا تطلّب الأمر.

في هذه الأجواء، يبرز مصير "هيئة تحرير الشام" التي تعتبر فصيلاً مؤثراً شمال غربي سورية، خصوصاً بعد تسريب معلومات عن مهلة روسية لتركيا للتعامل مع الهيئة، وإلا فإن الشمال سيواجه عملاً عسكرياً واسع النطاق. وحسب مصادر مطلعة تحدثت لـ"العربي الجديد"، فان "هناك انقساماً داخل هيئة تحرير الشام ما بين متشددين رافضين لفكرة التخلي عن الهيئة تحت أي ضغط، وما بين معتدلين يرون أن العناد قد يؤدي إلى سحق الهيئة ومقاتليها".



لكن القيادي في "هيئة تحرير الشام"، مظهر الويس، ورداً على الدعوات الموجّهة لها لحل نفسها، قال إن سلاح الهيئة "خط أحمر"، مهدداً بقطع اليد التي ستمتد إلى سلاحها. وأضاف، في تدوينات على قناته في تطبيق "تليغرام": "من يتحدث عن حل الهيئة فعليه أن يحل الأوهام والوساوس في عقله المريض، وقرار الهيئة بيد أبنائها الصادقين"، مشيراً إلى أن "هيئة تحرير الشام هي رأس الحربة في الساحة، وهي مع الصادقين من المجاهدين شوكة أهل السنّة، لذلك لا يتوقف المغرضون عن الإشاعات التي تأتي في إطار الحرب النفسية، والغاية نزع إرادة القتال من المجاهدين وإضعاف معنوياتهم". ولكن الويس ترك الباب مفتوحاً لـ"أي تعاون أو تنسيق، بل حتى اندماج يحافظ على ثوابت الساحة، ويكون فيه قرار المجاهدين مستقلاً وليس إملاءات من هنا وهناك"، حسب قوله.

من جهته، اعتبر أبو الفتح الفرغلي، الشرعي البارز في "تحرير الشام"، أن حلّ الهيئة يعني "تسليم إدلب على طبق من ذهب للروس والنظام تحت مسمى المصالحات". كما اعتبر القيادي البارز في الهيئة أبو ماريا القحطاني، أن مدينة إدلب والشمال السوري، ليست كغيرها من المناطق. وأشار، في تدوينة على "تليغرام"، إلى أن "الحرب الإعلامية والنفسية التي يشنها الروس والمنهزمون لن ترهب من باع نفسه لله، فلا باصات زرقاء بعد اليوم، وإن ظهرت الضفادع فالسيف لرقابهم والقادم أدهى وأمر".

لكن مراقبين للمشهد السوري لا يستبعدون وقوع صدام بين "الجبهة الوطنية للتحرير" المشكّلة حديثاً من فصائل عسكرية بارزة في إدلب، وبين "هيئة تحرير الشام"، في محاولة من الفصائل لتجنيب المحافظة عملية عسكرية لها تبعات خطيرة، خصوصاً على الجانب التركي، إذ من المتوقع حدوث حركة نزوح كثيفة باتجاه الأراضي التركية قدّرتها الأمم المتحدة ما بين 250 إلى 700 ألف شخص. ودعا عضو المجلس الإسلامي السوري، عبد الكريم بكار، "هيئة تحرير الشام"، إلى الإصغاء لصوت العقل، وحل نفسها. وقال بكار في تغريدة على "تويتر": "مخلصون كثر دعوا هيئة تحرير الشام إلى حل نفسها والدخول في الجيش الوطني حفاظاً على إدلب من التدمير، وأنا أدعوها لذلك وللمرة العاشرة، فهل تصغي إلى صوت العقل قبل فوات الأوان؟".


المساهمون