توتر "حقوقي" بين مصر وألمانيا

توتر "حقوقي" بين مصر وألمانيا

28 يناير 2020
تُحيّد برلين ملفاتها الخلافية مع مصر (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -
تشهد العلاقات المصرية - الألمانية توتراً على خلفية ملف حقوق الإنسان في مصر، التي تلقت وزارة خارجيتها بعض الأسئلة وعبارات القلق من نظيرتها الألمانية خلال الأيام الماضية، بشأن سوء أوضاع حقوق الإنسان، ومرور أربع سنوات على مقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني دون كشف حقيقة ما حدث له. كذلك، شملت التعليقات الألمانية إشارة إلى تصاعد موجة العنف والترهيب للنشطاء السياسيين والحقوقيين والشباب المصريين بصفة عامة، خشية تجدد اندلاع التظاهرات ضد النظام في أيام إحياء الذكرى التاسعة لثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011. وتزامن ذلك مع زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى ألمانيا، إذ شارك في مؤتمر برلين بشأن ليبيا، والذي عقد في التاسع عشر من شهر يناير الحالي.

وكشفت مصادر دبلوماسية مطلعة، لـ"العربي الجديد"، أن التوتر بين القاهرة وبرلين حول الملف الحقوقي لمصر بدأ في شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي، بعدما طلبت السفارة الألمانية في القاهرة من الجهات الدبلوماسية والقضائية والأمنية الاطلاع على مجريات التحقيق مع عدد من الحقوقيين والسياسيين المصريين الذين تمّ اعتقالهم العام الماضي، منذ فتح القضية المعروفة إعلامياً بـ"خلية الأمل" في يوليو/ تموز، وحتى قضية تظاهرات سبتمبر/ أيلول.

وأوضحت المصادر أن الداخلية المصرية رفضت بشدة الطلب، وأبلغت السفارة الألمانية بأنه يعتبر تدخلاً في الشؤون الداخلية "شديدة الخصوصية" لمصر، كما أن القانون المصري لا يجيز ذلك، مجددةً نفي وجود معتقلين في البلاد، وأن جميع المقبوض عليهم يتم التحقيق معهم أمام النيابة العامة التي سبق وأمرت بالقبض عليهم.

وذكرت المصادر أن وزارة الخارجية الألمانية تلقت استجوابات عدة من قبل نواب في البرلمان الألماني ينتمون لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الذي تتزعمه المستشارة أنجيلا ميركل، والحزب الاشتراكي الديمقراطي اليساري، بشأن استمرار الدعم المالي والاستثماري والتقني من برلين للنظام المصري، في ظلّ تفاقم المشاكل الإنسانية والاقتصادية والحقوقية. وأشارت المصادر إلى أنه لهذه الأسباب، تواجه دار أوبرا مدينة دريسدن انتقادات سياسية وإعلامية محلية عنيفة لمنحها، أول من أمس الأحد، وسام "القديس جورج" للسيسي، بحجة أن الرئيس المصري "حاملٌ للأمل ومشجعٌ لقارة أفريقيا بكاملها"، الأمر الذي يعكس انقسام الدوائر الألمانية الرئيسية حول أهمية التعامل مع السيسي باعتباره رئيساً لبلد بحجم مصر، على الرغم من كل الملاحظات السلبية على سجله الحقوقي والسياسي.

وكان وزير الخارجية الألماني هايكو ماس قد وجّه إلى السيسي ووزير خارجيته سامح شكري، خلال زيارته الأخيرة للقاهرة، نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، انتقادات معتادة من المسؤولين الأوروبيين عموماً والألمان خصوصاً، بشأن حالة حقوق الإنسان في مصر والتعامل الأمني القمعي مع المعارضة والمتظاهرين. لكن ما لم يكن معتاداً هو تصريح ماس العلني بضرورة أن "يتنفس المصريون نسائم الحرية"، على هامش أول زيارة لوزير خارجية ألماني لمصر منذ أربع سنوات.

ومنذ انقلاب يوليو/ تموز 2013 (الإطاحة برئاسة محمد مرسي)، ظلّت العلاقة بين القاهرة وبرلين محصورة في المجالين الاقتصادي والأمني إلى حدّ بعيد، حتى أن التعاون في هذين المجالين كان المحور الأساسي للقاءات السيسي السابقة مع ميركل، رغبة من الجانبين في البناء على ملفات يمكن التوافق حولها، في ظل اتساع الفجوة بينهما في الملفات السياسية والإقليمية والاجتماعية والحقوقية.


وبحسب مصادر دبلوماسية سبق أن تحدثت لـ"العربي الجديد"، عبّر هايكو ماس في تلك الزيارة عن قلقه بشأن الأوضاع في مصر، أبرزها حديثه "عن خشية ألمانيا من سياسات القمع المتبعة ضد الناشطين السياسيين والحقوقيين، وغلق المجال العام والتضييق الممنهج على منظمات المجتمع المدني ودفعها لترك مصر للعمل بدول أخرى في الإقليم، كتونس ولبنان وتركيا". كذلك شمل القلق الألماني "التوسع في الاعتقالات والاستخدام الأمني للعدالة، بأن يؤدي كل ذلك إلى انجراف أجيال جديدة من الشباب المصري إلى التطرف الديني، وإلى اتباع سبل الهجرة السرّية للوصول لأوروبا، وتحديداً إلى ألمانيا".

كما أعرب وزير الخارجية الألماني عن "قلقه الشديد من تحويل المجتمع المصري إلى حاضنٍ للتيارات الإسلامية المتطرفة نتيجة التضييق على الحريات"، مشيراً في هذا السياق، إلى تقارير استخبارية تستند إلى معلومات مصرية عن انتشار الأفكار التكفيرية الخاصة بتنظيمي "داعش" و"القاعدة" في سجون السيسي، خصوصاً بين فئات الشباب الأصغر سناً الذين اعتقلوا وهم مراهقون، ولم يخرج بعضهم من السجون منذ 2013".

وجاءت تحذيرات ماس على الرغم من أن العلاقات الأمنية بين القاهرة وبرلين في تطور مستمر منذ العام 2014، حيث تتبادل الدولتان الخبرات الأمنية والاستخبارية. وقدمت ألمانيا لمصر خدمات تدريب أمنية عالية المستوى في مجالات مكافحة الشغب وتأمين المطارات والتجمعات، بعد الإطاحة بحكم جماعة الإخوان المسلمين، وتمّ ذلك على مراحل بين عامي 2014 و2015، في ظل اعتراض دوائر داخل الحزب المسيحي الديمقراطي الحاكم وشركائه على منح مصر أي أفضليات بسبب سجلها السيئ في حقوق الإنسان.

في المقابل، يولي السيسي أهمية كبيرة لملفي جذب الاستثمارات وشراء الأسلحة. وفي هذا الصدد، تكشف البيانات الرسمية أن مصر جاءت في المركز الثاني على مستوى العالم في شراء الأسلحة الألمانية خلال النصف الأول من العام 2019، ودارت المناقشات بين السيسي وماس حول أهمية المضي قدماً في إصدار الحكومة الاتحادية أذون التصدير لمصر من شركات السلاح في مختلف الولايات الألمانية. والجدير ذكره أن بعض طلبات الشراء قوبلت بالرفض من برلين، بسبب تقارير استخبارية ألمانية بشأن عدم وضوح سبب شراء مصر لتلك الأسلحة، وفقاً للمصادر الدبلوماسية، التي أوضحت أن "السيسي شدد على ضرورة تطوير التعاون في هذا الملف".

وبحسب بيانات رسمية سبق أن حصلت عليها "العربي الجديد"، فقد اشترت مصر أسلحة ألمانية خلال النصف الأول من العام الماضي بقيمة 801 مليون و847 ألف يورو، متفوقة على بريطانيا والولايات المتحدة والجزائر وكوريا وأستراليا وقطر. وجاءت مصر فقط خلف المجر التي اشترت أسلحة بقيمة مليار و769 مليوناً و869 ألف يورو، وتضمنت قطع غيار للطائرات المقاتلة، ومعدات للدعم الأرضي والتدخل السريع، وأنظمة دفاع جوي، وأجزاء صواريخ، وأنظمة توجيه أرضية للصواريخ.