أميركا بعد الانتخابات النصفية: عامان مقبلان من الحرب الباردة

أميركا بعد الانتخابات النصفية: عامان مقبلان من الحرب الباردة

08 نوفمبر 2018
ترامب ينتظر منافسه في انتخابات 2020 (جيم واتسون/فرانس برس)
+ الخط -

جاءت نتائج انتخابات الكونغرس الأميركي لتشير إلى وقائع عدة، عكست ميل الولايات المتحدة لمزيد من الاستقطاب السياسي الذي أدى ويؤدي فيه الرئيس دونالد ترامب دوراً أساسياً في تعميقه. ومع احتفاظ الجمهوريين بأغلبية مجلس الشيوخ وفوز الديمقراطيين بأغلبية مجلس النواب، بدأت التكهنات حول كيفية تعاطي ترامب مع معارضة منظمة له، تملك قوة القضاء على أجندته السياسية في مجلس النواب.

يتصور البعض أن ترامب كرجل أعمال بالدرجة الأولى سيميل لعقد صفقات مع الديمقراطيين، إلا أن الوصول لهذه النتيجة سيضطره للتضحية بالكثير من وعوده الانتخابية، وسيضطره للتضحية بالكثير من حلفائه السياسيين في الوقت ذاته. وطبقاً لتقديرات وسائل الإعلام الأميركية، فقد زاد الجمهوريون من أغلبيتهم بمجلس الشيوخ بثلاثة مقاعد على الأقل، مضافة لرصيدهم البالغ 51 مقعداً، وهو ما ضمن لهم أغلبية مريحة، لكنها أقلّ من الستين مقعداً الضرورية لإقرار مشاريع القوانين والقرارات الكبرى. في المقابل، فاز الديمقراطيون بالأغلبية البسيطة في مجلس النواب، كما ذكرت تقارير مختلفة أن الديمقراطيين اغتنموا أكثر من 30 مقعداً، أُضيفت لرصيدهم البالغ 193 مقعداً. وهو ما حقق لهم أغلبية بسيطة داخل مجلس النواب تخطت الـ218 مقعداً اللازمة للسيطرة على المجلس. وقد تدفع هذه النتائج لوجود كونغرس منقسم وحكومة أميركية منقسمة، ما قد يؤدي لشلل العملية السياسية إلا إذا توصّل الطرفان لحلول وسط في القضايا الهامة، مثل برامج الرعاية الصحية والتخفيضات الضريبية أو قضايا الهجرة وحق حمل السلاح والسياسات الاقتصادية الحمائية.

سيشهد ترامب معارضة سياسية للمرة الأولى خلال السنتين المتبقيتين من فترة حكمه، وستترأس نانسي بيلوسي زعامة المعارضة الديمقراطية من منصبها رئيسة لمجلس النواب، مع العلم أنه بعد إعلان النتائج الأولية خرجت بيلوسي من مقر اللجنة القومية للحزب الديمقراطي، معلنة أن "الديمقراطيين سيستغلون فوزهم بأغلبية أعضاء المجلس لتنفيذ جدول أعمال يحظى بتأييد الحزبين لدولة عانت بما يكفي من الانقسامات". وبيلوسي التي سبق لها وشغلت الموقع نفسه كأول سيدة تصل إليه عام 2007 حتى 2011، ستصبح نداً قوياً لترامب بسبب قدرة مجلس النواب على شل حركة أجندة الرئيس السياسية. وبيلوسي الآتية من منطقة سان فرانسيسكو، تمثل أكثر الدوائر توجّهاً نحو اليسار بالمعايير الأميركية، وتمثل كذلك أكثر الفئات معارضة لدونالد ترامب، رغم أن الأخير اعتبر أن "بيلوسي الديمقراطية تستحق أن تكون رئيسة مجلس النواب"، معلقاً على نتائج الانتخابات وواصفاً إياها بأنها تمثل "نجاحاً هائلاً للجمهوريين".

من جهتهم، أبدى خبراء محايدون اعتقادهم بأن "سيطرة الحزب الديمقراطي على مجلس النواب في ظل حالة الانقسام المجتمعي والاستقطاب السياسي غير المسبوق، ستكون بمثابة ضربة كبيرة لترامب. وسيستطيع الديمقراطيون فتح الباب لمزيد من التحقيقات المتعلقة بترامب، وبأعماله الخاصة وعائلته والاتهامات بمخالفات جنسية، والتربح غير المشروع، إضافة لتحقيقات التدخل الروسي في الانتخابات". ورأوا أنه "في استطاعة الديمقراطيين استدعاء من يريدون للمثول أمامهم والإدلاء بشهادته بعد حلف اليمين والقسم، ويستطيعون طلب الاطلاع على ما يريدون من وثائق كذلك". ومع عدم سيطرة الديمقراطيين على مجلس الشيوخ، أصبح من غير ذي جدوى التقدم بمشروع قرار لعزل الرئيس، إذ إنه لا يمكن استكمال أي طلب لعزل الرئيس من دون موافقة ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ، ما يجعل هذه الفرضية الآن أقرب للخيال. إلا أن بعض الأصوات الديمقراطية تطالب بإزعاج الرئيس وإهانته وإشغاله بموضوع بدء إجراءات عزله حتى لا يتفرغ للاستعداد للانتخابات الرئاسية القادمة. مع ذلك فهناك مخاوف كبيرة من تداعيات ردود الفعل من الناخبين الجمهوريين وحتى الديمقراطيين، خصوصاً مع العلم باستحالة عزل الرئيس. ويتذكر الكثيرون تجربة القاضي بريت كافانو الذي اختاره ترامب لمقعد في المحكمة الدستورية العليا، وكيف أن التركيز عليه ومحاولات عزله باءت بالفشل بل منحت الجمهوريين بعض المصداقية، على العكس من نتائجها على الديمقراطيين، الذين هُزموا بعد الفشل في عرقلة وصوله لمقعد المحكمة الدستورية العليا.



لذلك فليس من المؤكد أن يقدم الديمقراطيون على المخاطرة ببدء خطوات عزل رئيس لن يستطيعوا عزله على الأقل، إلا بعد معرفة نتائج التحقيق الذي يجريه روبرت مولر بخصوص التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأخيرة (2016).

ظهرت أهمية العنصر النسائي والأقليات العرقية في فوز الديمقراطيين بمجلس النواب، إذ شهدت هذه الانتخابات رهاناً هاماً من الحزب الديمقراطي على النساء والأقليات. وظهر ذلك بوضوح في نسب وأعداد المرشحات في مختلف السباقات لتصل إلى 52 في المائة أو أكثر من نصف أعداد المرشحين الديمقراطيين. كما تضمنت قوائم المرشحين الديمقراطيين الكثير من أبناء الجاليات الدينية والعرقية والمهاجرين والمثليين. وعدّل الحزب من سياساته الداخلية المتعلقة بالرعاية الصحية والضرائب والهجرة كي تناسب القواعد الانتخابية للنساء والأقليات بالدرجة الأولى.

وطبقاً لاستطلاعات رأي أجريت على آلاف من المصوتين، فقد صوتت النساء للحزب الديمقراطي بأكثر من عشرين درجة مقارنة بتصويتهن للحزب الجمهوري، ويعتقد أن هذه النسبة زادت كثيراً بين الأقليات. وسيشهد مجلس النواب وجود أكثر من مائة عضو من النساء وذلك للمرة الأولى في التاريخ الأميركي، إضافة للكثير من أبناء العرقيات غير البيضاء، بالإضافة إلى الفلسطينية الأصل رشيدة طليب والصومالية الأصل إلهان عمر.
جاءت جهود ومساهمات ترامب الواسعة من خلال مشاركته في الحملات والمهرجانات الانتخابية حتى اللحظة الأخيرة، لتدلّ على أنها بالأساس انتخابات حول دونالد ترامب وعنه. وشارك ترامب في أكثر من 50 مهرجاناً انتخابياً خلال الشهرين الأخيرين، وذكر ثلثا المصوتين أن تصويتهم كان بالأساس تصويتاً على ترامب. واعتُبرت الانتخابات بمثابة استفتاء على سياسات ترامب الذي لا يواجه منافسة من أي نوع داخل المعسكر الجمهوري. وأظهرت نتائج الانتخابات أن هناك ميلاً شعبياً واسعاً للابتعداد عن الحزب الجمهوري. ولم تشفع الأرقام الإيجابية للوضع الاقتصادي ونسب البطالة المنخفضة لترامب وللجمهوريين، وهو ما يشير إلى عدم اكترات الناخبين بمعظمهم بالأوضاع الاقتصادية أو عدم ربطها بترامب وسياساته.

السؤال الملح الآن داخل معسكر الديمقراطيين متعلق بهوية مرشحي الرئاسة عن الحزب في ضوء النتائج الانتخابية. فهل سيكون السيناتور شيرود براون، من ولاية أوهايو (فاز بها ترامب عام 2016)، أم السيناتور كريستين جيلبراند، من ولاية نيويورك (خسرها ترامب 2016)، أم سيبقى هناك شبح هيلاري كلينتون وبيرني ساندرز؟ وكان لجوء الحزب لشخص الرئيس باراك أوباما للدفع باتجاه المشاركة المكثفة في مهرجانات انتخابية كثيرة لدعم مرشحين ديمقراطيين ولجذب الناخبين من الشباب والأقليات، علامة بارزة على غياب قيادات ديمقراطية فاعلة تستطيع مواجهة دونالد ترامب في انتخابات رئاسية بعد عامين. وتظهر أعمار قادة الحزب الحاليين في مجلسي الشيوخ، بيرني ساندرز على سبيل المثال (76 عاماً)، وقادة مجلس النواب مثل بيلوسي (78 عاماً)، وستوني هوير (79 عاماً)، أن أزمة الحزب الديمقراطي المقبلة ستتمثل في العثور على مرشح ذي شعبية وكاريزما تمكنانه من مواجهة ترامب عام 2020.