مؤتمر سوتشي: عنوان جديد لتقسيم المعارضة السورية

مؤتمر سوتشي: عنوان جديد لتقسيم المعارضة السورية

24 ديسمبر 2017
تسير موسكو عكس العملية السياسية برعاية الأمم المتحدة(فرانس برس)
+ الخط -

يزدحم الشهر الأول من العام المقبل بكثير من الاجتماعات والمؤتمرات في مسعى للتوصل إلى حل سياسي للقضية السورية، تضع روسيا كل ثقلها من أجل أن يأتي متماهياً مع رؤيتها لترسيخ وجودها في سورية، وهو لا يتأتى إلّا من خلال إعادة إنتاج النظام الذي يأمل في أن يكون مؤتمر سوتشي المقرر عقده أواخر يناير/ كانون الثاني المقبل طوق نجاة له من مسار جنيف الذي أعلن المبعوث الدولي إلى سورية ستيفان دي ميستورا عقد جولة تاسعة منه في يناير/ كانون الثاني أيضاً.

ولم تحسم المعارضة السورية أمرها بعد حيال المشاركة في مؤتمر سوتشي، إذ أشارت مصادر إلى أنه محاولة لتشويه، بل تصفية القضية السورية برمتها، من خلال القفز فوق قرارات دولية تدعو إلى انتقال سياسي يفكّك النظام القائم، وينقل البلاد إلى ضفة التعددية السياسية، وهو ما يحاول النظام وحلفاؤه الروس والإيرانيون إفشاله بكل السبل، بما في ذلك ارتكاب المجازر وعدم إطلاق المعتقلين، واستمرار حصار مئات آلاف المدنيين، خصوصاً في الغوطة الشرقية للعاصمة دمشق.

وأكد المبعوث الخاص للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى سورية، ألكسندر لافرينتييف، في تصريحات صحافية، أمس السبت، أن المؤتمر المزمع عقده في سوتشي الروسية يومي 29 و30 يناير/ كانون الثاني المقبل، بمشاركة 1500 شخص، سينظر في إجراء إصلاحات دستورية وانتخابات في سورية بإشراف أممي، مشيراً إلى أن موسكو "تعمل على مشاركة ممثلي جميع الأطياف السورية" في هذا المؤتمر. ولفت لافرينتييف إلى اعتراض أنقرة على مشاركة أشخاص في المؤتمر ممن تتهمهم بصلتهم بحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، مضيفاً أن دي ميستورا لم يتخذ قراره أيضاً بعد بشأن مشاركته في المؤتمر.


من جانبه، رجّح نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، أن يتم خلال مؤتمر سوتشي "تشكيل لجنة دستورية تحصل على تفويض عام من الشعب، ولذلك سيكون هناك بين 1500 و1700 مشارك"، مشيراً إلى أن "ممثلي الشعب بأسره يعتبرون مصدراً للتشريع حول المسائل كافة، بما في ذلك بدء إصلاح دستوري والتحضير لدستور جديد". وأوضح المسؤول الروسي، أمس، أنه "سيتم تشكيل مجموعات عمل خاصة، ويمكنها الاجتماع لاحقاً في جنيف".

وكانت موسكو قد سعت إلى عقد المؤتمر في 18 نوفمبر/ تشرين الثاني الفائت، إلّا أنّ مساعيها باءت بالفشل، إثر رفض المعارضة المشاركة فيه، واعتراض تركيا على حضور حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي. ومن الواضح أن موسكو استجابت للرغبة التركية في استبعاد حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي عن المؤتمر لضمان مشاركة أنقرة، ومن ثمّ مشاركة جانب مهم من المعارضة مرتبط بتركيا، خصوصاً الائتلاف الوطني السوري الذي يتخذ من إسطنبول مقراً دائماً له. كذبك لتركيا تأثير على فصائل عسكرية على الأرض تتبع للمعارضة السورية في شمال وشمال غربي سورية، تأمل موسكو في مشاركتها أيضاً في مؤتمر سوتشي لإعطائه زخماً سياسياً وإعلامياً كبيراً، وكي يكتسب المؤتمر رضا الشارع السوري المعارض الذي لا يزال يرى أنّ مؤتمر سوتشي سيكون بمثابة الرصاصة الأخيرة على القضية السورية برمتها.


وبدأت موسكو السير عكس العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة في جنيف السويسرية، وهو ما يولّد مخاوف من محاولات روسية لتصفية القضية السورية وإعادة إنتاج النظام ورأسه بشار الأسد، لترسيخ نفوذها في سورية واستعادة دورها المؤثر في العالم من خلال فرض رؤيتها في شرقي المتوسط.

وأكد مصدر رفيع المستوى في الائتلاف الوطني السوري، في حديث مع "العربي الجديد"، أن مؤتمر سوتشي "انزلاق كبير، ومحاولة روسية لتشويه القضية السورية"، مضيفاً "لا بد من الحديث مع حلفائنا الأتراك لتوضيح موقفنا، ونقل هواجس الشارع السوري المعارض حيال هذا المؤتمر". وأوضح المصدر أنه سيكون هناك اجتماع "تنسيقي" في منتصف الشهر المقبل بين الدول الثلاث الضامنة (تركيا وإيران وروسيا) من أجل التحضير للمؤتمر، مشيراً إلى أن الروس يحاولون اختزال القضية السورية بالانتخابات. وكشف أن "هناك مؤشرات على أن الروس أعدوا مشروع حلّ يتوافق مع مصالحهم، والمطلوب من المشاركين التوقيع عليه"، مشيراً إلى أنّ المعارضة السورية تنظر بعين الريبة والشك نحو مؤتمر سوتشي، متسائلاً: "كيف نعقد اجتماعاً في أرض قوة احتلال لا تزال تصرّ على إعادة إنتاج النظام، وإعفاء بشار الأسد من المسؤولية الجنائية حيال الجرائم التي ارتكبت في سورية طيلة أعوام؟".

وكشف المصدر أنّ موسكو "تخطط لتشكيل هيئة تأسيسية مرتبطة بها لكتابة دستور دائم للبلاد تُجرى على أساسه انتخابات يشارك فيها الأسد"، مضيفاً: "طالما أن أجهزة النظام الأمنية موجودة فنتيجة أي انتخابات معروفة". وقال المصدر إن موسكو "ستلجأ إلى مجلس الأمن لإكساب مخرجات سوتشي شرعية دولية، وهذا يعني إلغاء بيان جنيف 1 والقرار 2218"، مشيراً إلى أنّ "الروس سيمارسون ضغوطاً على أطراف في المعارضة للمشاركة في المؤتمر الذي تعد المشاركة فيه خيانة للثورة طالما أنه لا يتمخّض عن حلّ لا يقصي بشار الأسد عن السلطة في أقلّ تقدير". وأوضح المصدر أن "هناك إجماعاً من الشخصيات الوطنية التي تملك تأثيراً في الشارع السوري على رفض المشاركة في المؤتمر مهما كانت الضغوط"، متسائلاً: "ما دام الروس يبحثون عن حلّ، لماذا يحاولون الالتفاف على قرارات الشرعية الدولية، وإجهاض مسار جنيف الذي يحاول تطبيقها".

من جانبه، أشار الناطق باسم هيئة التفاوض لقوى الثورة والمعارضة السورية يحيى العريضي، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، إلى أنّ هناك ما سماه بـ"الخبث الروسي" من خلال "استجلاب هذا العدد الهائل المهلهل، الرغو، غائب الملامح، مهتزّ الثوابت، ما يجعل أي ورقة قوة بيد أي مجموعة أو هيئة، بلا تأثير فعلي". واعتبر العريضي أنه "من هنا ستكون الدراسة المعمقة للقصة، وبلورة مواقف واستراتيجية ذات تأثير فعلي"، مضيفاً "المسألة ليست نعم أو لا".

وكان من الواضح أنّ روسيا بذلت جهوداً من أجل استمالة قادة الفصائل العسكرية التي شاركت في جولة أستانة 8 التي انتهت الجمعة من دون تحقيق نتائج مباشرة حيال ملفي المعتقلين والمناطق المحاصرة، من أجل المشاركة في مؤتمر سوتشي. ولكن رئيس اللجنة العسكرية في وفد قوى الثورة العسكري العقيد فاتح حسون أكّد في تصريح لـ"العربي الجديد" أن موقف الفصائل أوضحه رئيس وفد قوى الثورة العسكري أحمد طعمة في أستانة. وكان طعمة قد قال الجمعة في مؤتمر صحافي إنه سيتم التشاور مع كل القوى المدنية والعسكرية قبل تحديد موقف حيال هذا المؤتمر. لكنه أضاف أنه "من حيث المبدأ، إذا كان المؤتمر سيؤدي إلى دفع مسار جنيف المبني على القرارات الدولية، فإننا نرحّب به. أمّا إذا كان له مسار مستقل يخرج عن هذه القرارات، فلن يكون محلّ ترحيب"، موضحاً أنه يستلزم معرفة بعض التفاصيل قبل اتخاذ القرار بشأن المشاركة في المؤتمر أو عدم المشاركة.

ومن المقرر أن تعقد جولة تاسعة من مسار جنيف في النصف الثاني من يناير/ كانون الثاني المقبل، أي قبل انعقاد مؤتمر سوتشي بأيام عدة، إذ من الواضح أن لدى المبعوث الأممي إلى سورية خشية من محاولة روسية تهميش بل تحييد الأمم المتحدة عن القضية السورية. ولم تعط موسكو حتى اللحظة المعارضة السورية ما يشجّعها على المشاركة في سوتشي، إذ لم تضغط على النظام لإطلاق سراح عشرات آلاف المعتقلين، أو فكّ الحصار عن المناطق المحاصرة والكف عن محاولات السيطرة على مناطق المعارضة في وسط، وفي شمال غربي سورية.