الدستور السوري إلى الواجهة... والمعارضة تريد "تقليم أظافر الرئيس"

الدستور السوري إلى الواجهة... والمعارضة تريد "تقليم أظافر الرئيس"

18 أكتوبر 2018
لم يحدد دي ميستورا موعداً لبدء المفاوضات(فابريس كوفريني/فرانس برس)
+ الخط -

قفزت العملية الدستورية إلى واجهة المشهد السوري مرة أخرى، مع اجتماعات تعقدها المعارضة السورية في العاصمة السعودية الرياض، للاستعداد لهذا الاستحقاق، في سياق العملية التفاوضية مع النظام، تحت رعاية الأمم المتحدة التي لم تضع حتى اللحظة لائحة تنظم عمل اللجنة الدستورية، التي تضم ممثلين عن المعارضة، والنظام، والمجتمع المدني السوري من الطرفين.

وعقد أعضاء المعارضة السورية المرشحون إلى عضوية اللجنة الدستورية من قبل هيئة التفاوض اجتماعات أول من أمس في الرياض، استعداداً لبدء التفاوض مع ممثلي النظام حول الدستور الجديد، تحت رعاية أممية، لم يحدد المبعوث الأممي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، موعداً له بعد. وقالت مصادر في الهيئة العليا للمفاوضات إنه تم توزيع المرشحين، البالغ عددهم 50، على أربع لجان، هي النظام البرلماني، والنظام المختلط، والقواعد الإجرائية والتنظيمية، والنظام الرئاسي. وتتألف اللجنة الدستورية المنوط بها وضع دستور سوري جديد من 150 عضواً، ثلثهم من المعارضة، التي تمثلها هيئة التفاوض، وثلث آخر من النظام السوري، والثلث الأخير ممن يختارهم دي ميستورا، على أن يتم اختيار 15 عضواً منهم لصياغة دستور دائم للبلاد. ولم يسم دي ميستورا حتى اللحظة الثلث الذي يمثل المجتمع المدني السوري، من المعارضة والنظام، وهو ما دفع بواشنطن لإعطائه مهلة حتى آخر أكتوبر/تشرين الأول الحالي لإنجاز هذه المهمة، وفق مصادر في الهيئة. وسلّم النظام أسماء مرشحيه إلى اللجنة الدستورية بعد ضغط كبير من الجانب الروسي، الذي يبدو أنه أكثر أطراف الصراع حماسة لوضع دستور يكرس الرؤية الروسية لمستقبل سورية، تجري على أساسه انتخابات تُنهي الصراع الدائر منذ العام 2011.

وتطالب المعارضة السورية بأن تكون أعمال اللجنة الدستورية، التي ترعاها الأمم المتحدة، جزءاً لا يتجزأ من العملية الدستورية المتكاملة، وتصب نتائجها في صالح المسار التفاوضي من العملية السياسية. واضطرت المعارضة السورية للقبول بمناقشة الدستور الدائم تحت ضغوط إقليمية ودولية، إذ كانت تصر على إنجاز الانتقال السياسي وفق القرارات الأممية، ومنها بيان "جنيف 1" والقرار 2254، التي تؤكد إنشاء هيئة حكم كاملة الصلاحيات تضع دستوراً للبلاد خلال المرحلة الانتقالية. وفي المقابل، رضخ النظام للضغوط الروسية، إثر استدعاء رئيس النظام، بشار الأسد، إلى سوتشي في مايو/أيار الماضي، إذ كان النظام يريد إجراء تعديلات طفيفة على دستور وضعه في العام 2012 يمنح الرئيس سلطات مطلقة، فيما رأت المعارضة أن بشار الأسد وضع دستوراً على مقاسه. وحاولت موسكو فرض مشروع دستور كتبه خبراء روس، سُرّبت مواده إلى وسائل الإعلام خلال العام الماضي، إلا أنه لقي رفضاً كبيراً من المعارضة السورية التي اعتبرت المحاولة الروسية "تصرّف محتلٍ"، كما أن النظام لم يبد ترحيباً به.


وكانت المعارضة قدمت، في يوليو/تموز الماضي، قائمة مرشحيها إلى اللجنة الدستورية، والتي تضم ممثلين عن مكونات هيئة التفاوض، من الائتلاف الوطني السوري، وهيئة التنسيق الوطنية التي ينظر إليها باعتبارها ممثلة لمعارضة الداخل السوري، ومنصتي موسكو والقاهرة، والفصائل العسكرية، ومستقلين. ويبدو أن المعارضة السورية تميل إلى "تقليم أظافر الرئيس" بالدستور المقبل، من خلال اعتماد نظام مختلط أو برلماني، تكون له اليد الطولى في رسم السياسات الداخلية والخارجية بحيث لا يكون الرئيس مطلق الصلاحية كما هو حاصل الآن، إذ تتركز كل السلطات بيده، ويمكنه التدخل في القضاء. وفي هذا الصدد، قال المتحدث باسم هيئة التفاوض، يحيى العريضي، إن الأعضاء المرشحين ناقشوا النظام الرئاسي والمختلط والبرلماني، مضيفاً، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه سيكون لدينا استعداد لأي نظام، بسلبياته وإيجابياته، وسيكون الإقرار للأنسب للوضع السوري وقضيته. وأوضح أنه لم تتضح تواريخ معينة لعمل اللجنة الدستورية، مشيراً إلى أن المعارضة تنتظر اللائحة الداخلية الناظمة للأمم المتحدة. وحول دور الشعب السوري، موالاة ومعارضة، في إقرار الدستور المقبل، أكد العريضي أنه "لا بد من عرضه على الاستفتاء شعبياً"، مشيراً إلى أنه من المقرر أن تجري مفاوضات حول الانتقال السياسي بالتوازي مع أعمال اللجنة الدستورية، مضيفاً: "لا تدور عجلة الدستور في فراغ".

ومن المتوقع أن تشهد اللجنة الدستورية خلافات كبرى حول الدستور المقبل، خصوصاً ما يتعلق بطبيعة النظام المقبل، وطريقة اختيار الرئيس، والجهات المخولة بالسيطرة على الجيش والأجهزة الأمنية، إذ ترى المعارضة السورية أن الدستور الذي وضعه حافظ الأسد في سبعينيات القرن الماضي، ومن بعده الدستور الذي وضعه بشار الأسد، كرّسا الدكتاتورية في البلاد، وحوّلا الجيش والأجهزة الأمنية إلى أدوات بيد النظام لحمايته. كما ستبرز مسألة الأقليات في سورية التي طمسها الدستور السابق، إذ يطالب الأكراد بضمان حقوقهم في أي دستور جديد، وتغيير اسم الدولة الحالي الذي يكرّس هويتها العربية. كما يطالب الأكراد باعتماد اللامركزية في الدستور، وهو ما يجد رفضاً من المعارضة والنظام معاً خشية أن يكون مدخلاً إلى تقسيم سورية في مراحل لاحقة. وتم استبعاد أحزاب كردية، أبرزها حزب الاتحاد الديمقراطي، الذي يتخذ من "وحدات حماية الشعب" الكردية ذراعاً عسكرية، من اللجنة الدستورية، إذ ترى المعارضة أن لدى هذه الأحزاب نزعة انفصالية، وأنها قامت بعمليات تطهير عرقي في شمال شرقي سورية. ويمثل الأكراد في اللجنة الدستورية أعضاء في المجلس الوطني الكردي، المنضوي في الائتلاف الوطني السوري، والذي يضم عدة أحزاب كردية سورية ترى أنه يمكن حل القضية الكردية في إطار وطني جامع.

وتعرضت هيئة التفاوض، أخيراً، لهجوم كبير من معارضين ومن الشارع السوري المعارض، الذي اعتبر قطاع واسع منه، أن الهيئة بصيغتها الراهنة لا تمثله، إذ إنه يتهمها بتقديم تنازلات إلى أطراف إقليمية ودولية، بينما قاومت الهيئة السابقة كل الضغوط وبقيت على موقف يصر على إنجاز الانتقال السياسي قبل الخوض في الدستور وبقية السلال التفاوضية التي رسمها دي ميستورا. كما كانت الهيئة السابقة تصر على أن الدستور السوري المقبل تكتبه "جمعية تأسيسية منتخبة"، على أن يُطرح للاستفتاء لنيل الموافقة عليه من السوريين، وأن مبادئ دستورية تحكم المرحلة الانتقالية. ويدافع أعضاء في الهيئة الحالية عن توجههم السياسي الراهن، مشيرين إلى أن الواقعية السياسية تفرض تنازلات في التكتيك، مؤكدين أنه لا تفريط على الإطلاق بمبادئ الثورة والمعارضة وأنه لن يتم إقرار أي دستور من دون أن تكون عملية الانتقال السياسي الجاد والحقيقي جوهر العملية التفاوضية، وأن الهيئة لن تقبل بتجاوز قرارات الأمم المتحدة على هذا الصعيد. ويعترض الشارع المعارض على وجود منصة موسكو في الهيئة، التي تتماهى مع الرؤية الروسية للحل القائمة على إعادة تأهيل النظام. كما يعترض على وجود شخصيات يتهمها بالتعامل مع النظام وحلفائه الروس والإيرانيين، أبرزها خالد محاميد الذي ينظر إليه على أنه رجل الإمارات في المعارضة السورية، ويُتهم بتسليم الجنوب السوري للنظام من دون قتال. لكن مصادر في الهيئة أكدت أن المحاميد أقصي على خلفية الحملات الإعلامية التي كشفت دوره في عودة النظام السوري إلى محافظة درعا، من خلال دوره البارز في تشجيع الفصائل، التي كان يشارك في تمويلها، على القيام "بمصالحات" مع النظام.