لبنان: الفيتو الأميركي يسقط محاولات إقالة حاكم البنك المركزي

لبنان: الفيتو الأميركي يسقط محاولات إقالة حاكم البنك المركزي

29 ابريل 2020
محتجون لبنانيون عند جسر الرينغ في بيروت (فيسبوك)
+ الخط -
يطلّ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، الأربعاء، بكلمة متلفزة على وقع مؤشرات تشير إلى سقوط محاولة إقالته من قبل رئيس الحكومة، حسان دياب، ومن خلفه حزب الله وحلفائه. 

كما تأتي كلمة سلامة في وقت تجددت فيه الاحتجاجات الشعبية رفضاً للانهيار الاقتصادي في مختلف المناطق، وبلغت ذروتها ليل الاثنين الثلاثاء في عاصمة الشمال طرابلس، حيث اندلعت مواجهات بين الجيش اللبناني والمعتصمين وأسفرت عن مقتل الشاب فواز فؤاد السمّان وسقوط أكثر من 40 جريحاً بين الجانبين.

واستكملت المواجهات ظهر الثلاثاء في شوارع المدينة بعد تشييع ابن "عروس الثورة"، إذ عمد المحتجون الى إحراق المصارف وتكسير أبوابها وتحطيم صرافاتها الآلية، قبل أن تنزل المجموعات المدنية إلى ساحات الحراك، في بيروت والبقاع والجنوب وجبل لبنان، استنكاراً لقتل فواز وقمع المتظاهرين في الشمال، واحتجاجاً على احتجاز البنوك لودائع اللبنانيين وتجاوز سعر صرف الدولار في السوق الموازية عتبة الـ 4000 ليرة لبنانية، مقابل 1515 ليرة بحسب السعر الرسمي، في مستوى لم تشهده البلاد تاريخياً، أدى الى تدهور العملة الوطنية ورواتب العاملين التي فقدت قيمتها بأكثر من 70%، في ظلّ تصاعد الغلاء المعيشي.

إطلالة رياض سلامة المنتظرة ترافقت مع حركة سياسية، جزء منها محلي بمشاركة شخصيات سياسية ومصرفية، والجزء الآخر انخرطت فيه مباشرة السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيه، فضلاً عن اتصالات فرنسية، في ما بدا أن جميع هذه التحركات تصب في إطار حث جميع الأطراف على التهدئة وتجميد المعركة مع حاكم مصرف لبنان، خصوصاً بعدما اشتعلت المواجهة في الأيام الماضية بين دياب ومن خلفه حزب الله والتيار الوطني الحر، برئاسة جبران باسيل، من جهة، وبين حاكم مصرف لبنان والقوى السياسية التي تدعمه، وخصوصاً تيار المستقبل، الذي يترأسه سعد الحريري، والحزب التقدمي الاشتراكي، بقيادة وليد جنبلاط، فيما تبنى رئيس المجلس النيابي نبيه بري، رئيس حركة أمل، وحليف حزب الله والمشارك عبر عدد من الوزراء في الحكومة، موقفاً معارضاً لإقالة سلامة، على قاعدة أنه لا يحمي حاكم مصرف لبنان لكنه يريد مقاربة الملف على نحو دقيق نظراً لتداعيات هذه الخطوة.

وبحسب ما علمت "العربي الجديد"، حملت السفيرة الأميركية خلال لقائها بدياب الثلاثاء في السراي الحكومية رسالة واضحة رافضة لإبعاد حاكم مصرف لبنان، ويقول مصدر مطلع على اللقاء ومقرّب من دياب لـ"العربي الجديد"، إن ملف رياض سلامة كان على طاولة البحث، وسط تأكيد أميركي بقدرة حاكم مصرف لبنان على إنقاذ الوضع المالي والنقدي، وإقالته اليوم ما هي إلا خطوة مدمّرة للقطاع المصرفي، وهذا ما شددت عليه السفيرة الأميركية الآتية حديثاً الى مقر السفارة في عوكر خلال جولاتها على القوى السياسية اللبنانية في الأيام الماضية.

وإلى جانب ملف سلامة، جدّدت السفيرة الأميركية التأكيد على وجوب التعاون مع صندوق النقد الدولي، فيما بدا لافتاً تعبير شيه، بحسب بيان صادر عن المكتب الإعلامي لرئيس الحكومة اللبنانية، عن استيائها مما وصفته بـ "الطابع غير السلمي الذي طغى على التظاهرات"، وأثار هذا التوصيف غضباً بين اللبنانيين على مواقع التواصل الاجتماعي الذين انتقدوا تدخل شيه بهذه الطريقة.

من جهة ثانية، أكد مصدرٌ وزاري لـ"العربي الجديد"، أن جلسة مجلس الوزراء التي عقدت الثلاثاء في السراي، لم تأتِ على ذكر رياض سلامة وموضوع استقالته أو إقالته، وكان النقاش هادئاً في الملفات النقدية والمصرفية بعكس أجواء جلسة الجمعة الوزارية، التي عقدت في قصر بعبدا، وتلاها موقف هجومي من دياب باتجاه سلامة اتهمه فيه بالمسؤولية عن التدهور الدراماتيكي للعملة الوطنية.

وفي سياق مؤشرات التهدئة في ملف حاكم مصرف لبنان، كان لافتاً تصريح نائب الأمين العام لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم، الإذاعي الذي تناقلته وسائل إعلام لبنانية، الثلاثاء، والذي اعتبر فيه أنّ حاكم مصرف لبنان مسؤول عن الأزمات الراهنة لكن ليس وحده، والمتابعة يجب أن تكون بتشخيص العلة ومحاولة تصحيحها لوضع حدّ لوصول الدولار إلى مستويات قياسية، وهذا ما تعمل عليه الحكومة.

 

كلام قاسم فُسّر وكأنه تخفيف من حدّة المواجهة من جانب حزب الله، على أن يسير سلامة على ذات المسار في كلمته الأربعاء، وعلى الرغم من الترويج طوال الأيام الماضية بأن سلامة سيكشف الكثير من الأوراق، كونه يشغل منصب حاكم مصرف لبنان منذ العام 1993، فإن الأجواء تبدلت خلال الساعات الماضية، وسط حرص أوساط سياسية عدة على القول إن كلمته ستقتصر على مصارحة اللبنانيين بشأن موجودات مصرف لبنان، والأسباب التي أدت الى تدهور العملة الوطنية التي لطالما كان يطمئن إلى أنها "بخير" على عكس جميع المؤشرات المالية، مع بعض التلميحات السياسية دفاعاً عن نفسه.

وإلى جانب الحراك الأميركي، برزت اتصالات فرنسية ترجمت بتلقي رئيس الوزراء حسان دياب اتصالًا، الثلاثاء، من وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، أعرب فيه الأخير عن تأييد فرنسا لبرنامج الحكومة الإصلاحي، واستعدادها لمساعدة لبنان مع صندوق النقد الدولي، كما شدّد لودريان على نيّة فرنسا عقد اجتماع لمجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان، فور انتهاء إجراءات الحظر المتعلقّة بوباء كورونا. 

ويضاف إلى ذلك اتصال آخر أجراه وزير المالية والاقتصاد الفرنسي برونو لومير بنظيره اللبناني، غازي وزني، أكد فيه دعم فرنسا للبنان بخطته المالية والاقتصادية، مشدداً على ضرورة تنفيذ الخطوات الإصلاحية المطلوبة منه، بحسب ما أعلن وزير المالية اللبناني عبر تويتر.

ويشار إلى أنه، وفي إطار إجراء التحقيقات لتحديد الحسابات التي أجريت منها تحويلات مالية، تم تكليف وزارة المالية الطلب من مصرف لبنان إعداد لوائح تتضمّن، بحسب مقررات الجلسة، مجموع المبالغ التي جرى تحويلها إلى الخارج اعتباراً من 1/1/2019 ولغاية تاريخه، مع تبيان نسبة المبالغ التي جرى تحويلها من قبل أفراد يتعاطون الشأن العام، وتلك التي حولت لأسباب تجارية، مجموع المبالغ التي سحبت نقداً في الفترة عينها، ومجموع المبالغ التي جرى تحويلها في فترة إقفال المصارف استناداً إلى قواعد الامتثال، والتعميمات ذات الصلة، كما أقرّ مجلس الوزراء أربعة تدابير آنية وفورية لمكافحة الفساد واستعادة الأموال المتأتّية عنه.